لم تتوقف الأمازيغية عن كونها لغة ومكوّنا ثقافيا من ملامح الهوية الليبية، لكنها ظلّت في الوقت نفسه كابوسا ثقيلا لازم نظام القذافي طوال قرابة خمسين سنة مضت استنفر خلالها كل الطرائق لتشويهها وإدماجها.

ومع تغير الظروف يطالب ناشطون ليبيون اليوم بإعادة الاعتبار للأمازيغية ونقلها من الحيز الشفوي إلى المطبوع، وتكريسها دستوريا كإحدى اللغات الرسمية في البلاد.

واجب الإعتذار

لم تتوقف الأمازيغية عن كونها لغة ومكوّنا ثقافيا من ملامح الهوية الليبية، لكنها ظلّت في الوقت نفسه كابوسا ثقيلا لازم نظام القذافي طوال قرابة خمسين سنة مضت استنفر خلالها كل الطرائق لتشويهها وإدماجها.

ومع تغير الظروف يطالب ناشطون ليبيون اليوم بإعادة الاعتبار للأمازيغية ونقلها من الحيز الشفوي إلى المطبوع، وتكريسها دستوريا كإحدى اللغات الرسمية في البلاد.

واجب الإعتذار

فتحي أبو زخار، رئيس المؤتمر الوطني الأمازيغي، يري أن  النظام “القومجي” الأحادي لغوياً وعرقياً وثقافيا الذي حاول القذافي تكريسه خلق إرثا مؤلماً في ذاكرة الأمازيغيين يستدعي الاعتراف بحدوثه من طرف الدولة الليبية كجزء من “عملية المكاشفة” على حد قوله.

ويطالب أبو زخار المؤتمر الوطني العام (البرلمان) والحكومة بالاعتذار على المعاناة التي سببتها الدولة “للسكان الأصليين”:

ولم يكتف رئيس المؤتمر الوطني الأمازيغي بتحميل المسؤولية للنظام السابق بل طاول نقده حدود الدولة الليبية الجديدة كما مثّلها المجلس الوطني الانتقالي وإعلانه الدستوري المؤقت.

ويلفت أبوزخار هنا إلى “إقصاء جلي وواضح تمثّل في عدم اعتبار اللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية”. في إشارة إلى المادة رقم واحد من الإعلان الدستوري المؤقت التي تنص على أن “اللغة الرسمية هي اللغة العربية مع ضمان الحقوق اللغوية والثقافية للأمازيغ والتبو والطوارق وكل مكونات المجتمع الليبي”.

بل إن الدولة بالنسبة للناشط الامازيغي لم تترجم ما جاء في الإعلان الدستوري المؤقت من ضمان لحقوق الأمازيغ. مؤكدا على  وجود أطراف تعارض إدخال أية برامج أمازيغية في الإذاعات الوطنية، وعلى غياب المبادرة لتدريس اللغة الأمازيغية على مختلف مراحل التعليم بما في ذلك الجامعية.

كما يعيب أبو زخار على حكومة عبدالرحيم الكيب المؤقتة التي واكبت سلطة المجلس الوطني الإنتقالي أنها لم تضمن أية حقيبة وزارية لأي من المدن الناطقة بالأمازيغية المنتشرة على الساحل والجبل والصحراء معتبرا أن ذلك “تهميش صريح” لتطلعات الأمازيغ بالمواطنة.

حلم اللغة الرسمية

يتطلع ناشطون بأن يكفل دستور ليبيا القادم حق الأمازيغ في أن يكتبوا تسميات المؤسسات العامة باللغة الأمازيغية مصاحبة للعربية.

يقول عياد أحمد بقوش المهتم بالدارسات اللغوية والانثروبولوجية  “يستاء الأمازيغ حينما يجدون تسمية المصالح الحكومية بالعاصمة مكتوبة باللغة العربية دون لغتهم، رغم أن تلك المصالح تمثّل الليبيين كافة من عرب وأمازيغ وتبو، ونحن نتساءل عن دواعي عدم كتابتها باللغة الأمازيغية والتبوية”.

ويستغرب بقوش غياب ممثلى الدولة عن اجتماع عقد مؤخرا والتقت خلاله المجالس المحلية في المدن الأمازيغية، والمؤسسات الخيرية الأمازيغية بطرابلس، وممثلين عن المجالس المحلية الأخرى.

ويؤكد بقوش أن “المجتمعين أصدروا توصيات بتعليم اللغة الأمازيغية في المناطق التي يقطنها الأمازيغ، على ان تبّنى المجالس المحلية للمدن الأمازيغية تكاليف طباعة المناهج وتعليم اللغة”.

ويبدي الباحث الليبي تخوفه من استمرار “سياسات التضليل” حتى بعد سقوط النظام الجماهيري، مشيرا إلى  كتاب التاريخ للسنة الرابعة للتعليم الأساسي، الذي تعرّض للكتابات الليبية القديمة ولم يذكرها باسمها الأمازيغي الصحيح، حسب قوله.

ويقترح أن تكون الأمازيغية  والتبوية لغتان رسميتان إلي جانب اللغة العربية في المناطق الأمازيغية فقط “كخطوة أولى نحو تطويرهما وتنميتهما”.

المواطنة أولا

من جانبه يشير الصحفي صلاح انقاب إلى أن ثمة “واجب وطني أصيل” ينتظر لجنة صياغة الدستور فيما يخص الليبيين من غير العرب هو “دسترة حقوق الأمازيغ دون إسقاط لأي حق لهم”.

ويضيف الكاتب في صحيفة “ميادين” الثقافية أن المسألة برمتها يجب أن تتجه نحو ترسيخ مفهوم المواطنة الأول، “بمعنى أن الحقوق الرئيسة الفوق دستوريّة: حق الكلام، التعبير، التنقل، الكسب والعبادة، يجب أن تكون من بديهيات النص الدستوري”.

انقاب ختم حديثه لـ “مراسلون” مطالبا بأن تستقر الأمازيغية في الكتب وأن يجري تدوينها بحرفها الأصلي، “لكي نعلن للعالم عن امتدادنا التاريخي ونقول أن اللغة رفضت الانقراض حالها حال الإنسان الليبي”.