“ليس هناك سلفية واحدة بل هناك سلفيات”، يقول صلاح الدين الشورجي الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية. فهناك التيار السلفي “العلمي” الذي يعتمد على التعليم والتوجيه الديني وهو تيار لا يؤمن بالعنف بحسب هذا الخبير، في حين أن التيار الثاني المعروف بـ “الجهادي” يكفر الحكومات ويعلن ضدّها الجهاد، كما أن هناك تيارات أخرى تتأرجح بين هذين الخطّين العريضين.

س: هل ظاهرة السلفية هي فوبيا مبالغ بها أم هي خطر حقيقي يهدد مدنية الدولة؟

“ليس هناك سلفية واحدة بل هناك سلفيات”، يقول صلاح الدين الشورجي الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية. فهناك التيار السلفي “العلمي” الذي يعتمد على التعليم والتوجيه الديني وهو تيار لا يؤمن بالعنف بحسب هذا الخبير، في حين أن التيار الثاني المعروف بـ “الجهادي” يكفر الحكومات ويعلن ضدّها الجهاد، كما أن هناك تيارات أخرى تتأرجح بين هذين الخطّين العريضين.

س: هل ظاهرة السلفية هي فوبيا مبالغ بها أم هي خطر حقيقي يهدد مدنية الدولة؟

ج: السلفية ظاهرة جديدة في تونس. وبالعودة الى تاريخ تونس نجد أن الحركة الوهابية التي رفعت دعوة السلفية منذ حوالي قرنين ونصف حاولت أن تخترق المجال الديني والثقافي التونسي في السابق لكنها وجدت صدا من المدرسة الزيتونية (نسبة إلى جامع الزيتونة) ورموزها.

لم يكن للسلفية موطئ قدم في الفضاء الديني التونسي، لكنها عادت من جديد لتطرق أبواب تونس ابتداء من اواخر التسعينات من القرن الماضي، وذلك عبر الفضائيات السلفية التي كان يلتقطها التونسيون في العهد السابق.

وبدأت هذه الظاهرة تنتعش بسبب الفراغ الديني الكبير الذي عاشته البلاد ونتيجة التسيييس المفرط للخطاب المسجدي في ذلك الوقت. ومن جهة اخرى نتيجة الحملة الاستئصالية التي قام بها النظام ضد كل مظاهر الاسلام السياسي وفي مقدمتها حركة النهضة. 

بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001 أصبحت السلفية تشكل تهديدا ليس فقط للوضع السياسي لتونس ولكن تهديدا لمعظم أنظمة الحكم في المنطقة. أما بالنسبة لتونس فقط تشكلت لأول مرة نواة للسلفية الجهادية وهي التي كانت وراء أحداث سليمان (مواجهات بين سلفيين وقوات من الأمن والجيش في 2006 بمنطقة سليمان شرق العاصمة تونس).

نلاحظ أن الظاهرة عادت بقوة بعد الثورة، وذلك بعد إطلاق سراح المجموعات المرتبطة بحادثة سليمان إضافة إلى ارتفاع سقف الحريات، وتراجع المؤسسة الامنية عن دورها السابق. هذا الوضع أعطى فرصة لهذا التيار كي يؤثر على المناخ والانتعاش وبالتالي يصبح قادر على ممارسة الضغوطات على المجتمع و على الحكومة.

س: ما هي نشأة الحركات السلفية؟

ج: ارتبطت السلفية بظهور الحركة الوهابية. لذلك بقي الفضاء المركزي والمحوري لهذه الظاهرة ما يطلق عليه الآن بلدان الخليج العربي. لكن السلفية لم تكتف بذلك الاطار الجغرافي بل انتشرت في أماكن أخرى من العالم.

أما صلة السلفية بحركة الأخوان المسلمين، فهما يلتقيان حول عدد من الافكار والمفاهيم العقائدية لكن بعد ظهور السلفية الجهادية أصبح الاختلاف محوري حول الرؤية للسياسة.

وإن قرر الإخوان الابتعاد عن العنف، فإن السلفية الجهادية بقيت تعتبر الجهاد فريضة متواصلة يمكن استعمالها ضد القوى الخارجية. كما يجوز اللجوء إليها لمقاومة الحكومات التي لا تلتزم بالشريعة كما تفهمها هذه الجماعات.

لا شك أن السلفية تمثل تيار الراديكالي في الساحة السياسية في تونس أو خارجها. وذلك بحكم قراءتها الحرفية للنصوص وتمسكها بنظرة محافظة ومتشددة للمسائل الدينية، إضافة إلى ميلها للعنف في حالات كثيرة. لكن لا أعتقد أن السلفية ورقة بيد حركة النهضة في تونس أو غيرها من حركات الإسلام السياسي. إنما هي تيار داخل التيار السياسي له برنامجه وأنصاره.

س  : ماهي أنواع السلفية؟

ج: السلفية سلفيات، فهناك التيار السلفي العلمي. هذا التيار يعتمد على التعليم والتوجيه الديني ونشر الافكار السلفية. والتيار السلفي العلمي لا يؤمن بالعنف، وكذلك لا يدخل في مواجهة مع الحكام.

أما التيار الجهادي فهو تيار يكفر الحكومات. ويعتبر أن العنف الذي يسمونه “جهاد” جائز عند ثبوت ظلم الحكام وعدم التزامهم بالشريعة.

هذان هما التياران الرئيسيان داخل الظاهرة السلفية. وهما تياران متصارعان ويواجهان بعضهما الى حد التكفير. لكنهما يمكن أن يتكاملا في مستوى نشر الأفكار والمفاهيم التي تتعلق بالرؤية المتشددة للإسلام.

س: ماهو دور الحركات السلفية في الصراعات الجيوسياسية؟

ج : التيار السلفي هو تيار معادي بشكل قوي للشيعة ولإيران. في حين أن جزء من السلفية العلمية لها ولاء لمراجعها في الخليج، وبالخصوص داخل المملكة العربية السعودية من طرف جماعات ليس بالضرورة لها ارتباط عضوي بالسلطة السعودية. أما بالنسبة لتركيا فليس لها علاقة بالتيار السلفي. لأن الفلسفة الدينية في تركيا فلسفة تجمع بين الصوفية والمذهب الحنفي المعتدل. والمعلوم أن السلفية معادية للصوفية ومحاربة لها وكل هذه التناقضات يمكن ان تسمح للسياسات الإقليمية بأن تؤثر في هذا الطرف أو ذاك.

س: ما رأيك بما يروج حول أن السلفية مرتع للمخابرات الغربية والدولية؟

ج : هناك مؤشرات عديدة تؤكد أن أجهزة مخابرات تابعة لبعض الدول العربية وأخرى دولية نجحت في اختراق صفوف السلفية. هذا الاختراق هو من أجل معرفة ما يجري داخلها وثانيا للتأثير على مسارها وقياداتها. لكن من المؤكد أن العلاقة بين المجموعات الراديكالية وأجهزة المخابرات هي علاقة صراع. ومن جهة أخرى تسعى أجهزة المخابرات إلى توظيف بعض الجماعات، لكن لا يعني هذا أن كل تنظيم سلفي تابع لمخابرات هذه الدولة او تلك.

س: هل يمكن لهذه الحركات السلفية التعايش في المجتمع المدني التونسي؟

ج:  في تونس تمكنت السلفية من الانتشار النسبي في الاحياء الشعبية وفي أوساط المهمشين اقتصاديا واجتماعيا. وهو ما يستوجب وضع سياسات تنموية حقيقية تلبي لتلبية الاحتياجات الضرورية للطبقات الشعبية والفقيرة.

أما عن علاقة السلفيين بالمجتمع فهي علاقة توتر بحكم أنهم يسعون إلى ضبط السلوك العام للمجتمع. في حين أن الأغلبية الساحقة من المواطنين تعودوا على أن يتعاملوا مع المسائل الدينية بطريقة فيها شيء من الحرية والمرونة. ولهذا يستبعد أن يصبح السلفيون تيارا غالبا في المجتمع التونسي وإنما سيبقون جمعات مهمشة ومحدودة العدد لكنها ربما منظمة وقادرة على إثارة المخاوف هنا وهناك.

كل مجتمع يجب أن يحاور مواطنيه مهما كانت مواقعهم ومواقفهم. لكن في المقابل لا يستطيع أن يستمر المجتمع في تماسكه إلا اذا فرض سلطة القانون على الجميع. ولهذا أنا مع الحوار وفي نفس الوقت مع عدم السماح لأي طرف في أن يتجاوز القانون أو أن يفرض بالقوة قناعاته الدينية أو السياسية.

س: ماهو مستقبل هذه الجماعات في تونس بعد الثورة؟

ج : مستقبل هذه الجماعات السلفية سيبقى مرهوناً بثلاثة عوامل أولاً: مدى قدرة هذه الجماعات على إقامة نظام سياسي ديمقراطي يحترم الحريات وحقوق الانسان، لأن النظام الديمقراطي يعتمد على تداول السلطة واحترام ارادة المواطنين. وثانياً: مدى القدرة على تحقيق التنمية الاجتماعية للحد من الفوارق والقضاء على مظاهر التهميش، وثالثاً: مدى قدرة الثقافة الإسلامية على تطوير نفسها وترسيخ قيم التسامح وبناء مؤسسات إسلامية تتميز بالوضوح والقدرة على الاجتهاد لأن الإصلاح الديني أمر ضروري لحماية الاصلاح السياسي.

س: ماهو تاثير الجماعات السلفية في عملية الانتقال الديمقراطي في تونس؟

ج: التيارات السلفية غير منضبطة. ويميل بعضها إلى استعمال العنف، وبالتالي بإمكانها إرباك عملية الانتقال الديمقراطي وذلك باستغلال ضعف أجهزة الدولة وتراجع دور المؤسسات. يجب التفكير بشكل جماعي في كيفية احتواء هذه التيارات والتمييز بين من يستعمل العنف وبين التيارات السلمية التي يبقى سلاحها الفكر والخطاب.

وعلى كل حال أنا أعتقد أننا سنتوصل في تونس بعد شيء من الجهد إلى ترتيب العلاقة بين مختلف الفاعلين إذا نجحنا في صياغة دستور ديمقراطي وبناء مؤسسات قوية ومستقلة وفاعلة.

س : هل يتجاوز الخطر الأمني لهذه الجماعات الحدود التونسية؟ ولماذا تم التخلي عن ملف الإرهاب في هذه الفترة؟

ج : أولا هذه الجماعات لا تتحرك بمعزل عن بعضها، وبالتالي نشاطها دولي وكل الجمعات تستفيد من بعضها. وأتصور أن إحدى التحديات في مواجهة هذه التيارات احتمال ارتباطها بتنظيمات أوسع منها تنشط على الصعيد الدولي مثل تنظيم القاعدة الذي يحاول الآن العودة بقوة إلى شمال افريقيا.

 أما بالنسبة لتراجع الحديث عن الإرهاب، فهو تراجع نسبي فقط على الصعيد الإعلامي بحكم النتائج الأمنية التي تحققت خلال المرحلة الاخيرة، خاصة بعد توجيه سلسلة من الضربات لتنظيم القاعدة على رأسها مقتل زعيمها أسامة بن لادن.

بالنسبة لتنظيم القاعدة لم يتراجع في خطابه وبقي متمسكا بعدائه الشديد لأمريكا والغرب مع اعتماد العنف المسلح في مواجهة هذه الاطراف الاقليمية والدولية. ولكن من المؤكد أن تنظيم القاعدة قد فشل في أكثر من منطقة، ويكفي أنه لم يكن لهذا التنظيم أي دور في الثورات العربية التي جاءت سلمية.

س : ولكن في ليبيا وسوريا عكس تونس ومصر يرى المحللون أن لهذه التيارات دور كبير؟

ج : في ليبيا عندما وقع اللجوء الى العنف بقي دور القاعدة محدوداً. وأما بالنسبة لسوريا الصورة غير واضحة لنعرف حجم تدخل الحراكات الجهادية السلفية في هذه الثورة.