تقع منطقة رملة بولاق على الضفة الشرقية من نهر النيل في قلب مدينة القاهرة، وتسبب موقعها الحيوي في وقوفها كمنطقة حدودية بين حي غني يضم أبراجا تجارية وتسويقية فاخرة مثل أبراج نايل سيتي وأركاديا، تتسم بارتفاع أسعارها، وتطل على النهر مباشرة في مواجهة حي الزمالك الراقي، وبين حي آخر فقير تمتد عزبه العشوائية، مثل عزبة القرود والسبتية وأم سعيد، حتى مشارف منطقة بولاق الشعبية.

الأبراج مصدر نعمة ونقمة

تقع منطقة رملة بولاق على الضفة الشرقية من نهر النيل في قلب مدينة القاهرة، وتسبب موقعها الحيوي في وقوفها كمنطقة حدودية بين حي غني يضم أبراجا تجارية وتسويقية فاخرة مثل أبراج نايل سيتي وأركاديا، تتسم بارتفاع أسعارها، وتطل على النهر مباشرة في مواجهة حي الزمالك الراقي، وبين حي آخر فقير تمتد عزبه العشوائية، مثل عزبة القرود والسبتية وأم سعيد، حتى مشارف منطقة بولاق الشعبية.

الأبراج مصدر نعمة ونقمة

في صمت ينم عن رغبه في البكاء بل والغضب الكامن يقف وليد مجدي بجوار صديقه يتفقد منزل الأخير الذي تركته قوات الشرطة منذ لحظات قليلة. صديقه يقول إن قوات الأمن استولت علي ما بالمنزل من أموال جهزوها لدخول ابنائهم المدارس. وليد ذو الخمسة والثلاثين عاما ينظر حوله ويقول إن حملات الشرطة في الحي أصبحت أمرا عاديا، فأخوه لا يزال محبوسا بعد الاشتباكات الأخيرة شهر يوليو الماضي بين أهالي رملة بولاق والأمن بتهمة التعدي على أبراج نايل سيتي.

وتلعب أبراج نايل سيتي العالية التي يملكها رجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس دورا كبيرا في حياة أهل الحي، فهي تشكل أحد مصادر المياه النظيفة لضعف المياه في الحي، كما شكلت حتى وقت قريب مصدر رزق لأهل الحي، قبل أن يقوم القائمون على البرج بطرد معظمهم كما يروي وليد، حيث يقول “كنت أعمل كحارس أمن في البرج كغيري من أهل المنطقة بمرتبات تصل إلى ١٥٠٠ جنيه، ومعاملة جيدة للغاية حتى بداية الاستقرار الأمني منذ ما يقرب من خمسة شهور، حيث فوجئنا بمرتابتنا تقل بدون مقدمات من ١٥٠٠ إلى ١٠٠٠ جنيه ثم ٨٠٠ جنيه، وتم طرد العديد من أهالي الرملة بحجة أنهم عمالة زائدة مما أدى إلى توتر العلاقة بشكل كبير بين الأهالي وإدارة البرج. وعوضا عنهم اعتمدوا مجموعة من البلطجية والمسجلين خطر للعمل كحراس بمرتبات تصل إلى ٥ الاف جنيه”.

أخلاق أهل البلد

شهر العسل بين الأهالي وإدارة البرج بدأ خلال أحداث الثورة. حيث يقول وليد “خرجنا جميعا نساء ورجال وأطفال لنحمي البرج وقت الانفلات الامني الكبير أثناء الثورة، ومنعنا عنها بلطجية المناطق العشوائية الواقعة خلفنا، ومن هنا بدأت العلاقة بيننا وبين ساويرس الذي وجه لنا شكرا خاصا في التلفزيون بسبب قيامنا بحماية أملاكه. تعاملنا معها بأخلاق أولاد البلد، كنا نتصور أن الهجوم عليها في وجودنا كأنه إهانة لنا”.

وكمكافأة لأهل الحي قام ساويرس بإرسال وجبات للأهالي الذين تركوا بيوتهم وناموا أمام الأبراج لحمايتها، ثم تطور الأمر وعرض عليهم مجموعات كبيرة منهم العمل بالفندق كحراس أمن وهو ما اعتبره العديد فرصه كبيرة، ومنهم وليد الذي ترك عمله كبائع متجول فورا والتحق بالأبراج كحارس أمن.

اشتباكات بسبب المياه

بالنسبة لوليد كان يمكن لهذه الخطوة أن تفتح أفقا جديدا لحل مشاكل الحي المزمنة. فالمنطقة تعاني من غياب تام لمشاريع تطويرها كما يرى، والأهالي يعيشون تقريبا بدون مياه نظيفة، ولا يملكون سوى قطع الأرض التي يسكنونها، وإن حدث واهتمت الحكومة بالمنطقة فمن أجل أن تهجر أهلها وتستفيد بأراضيهم في مشاريع استثمارية.

لكن شهر العسل سرعان ما انقضى عندما استقر الأمن، وفوجئ الأهالي بالاستغناء عن معظمهم من العمل في البرج، كما يروي وليد. وتفاقمت الأمور في شهر يوليو الماضي عندما حدث حريق في أحد العشش التي يقيم فيها الأهالي فذهبوا إلى البرج للحصول على حنفية لإطفاء الحريق، لكن الإدارة منعتهم، وطلبت من الأمن حماية البرج منهم، كما يروي وليد، الذي يتابع قائلا “تحول الأمر لاشتباكات بيننا وبين الأمن، وأصبت بخرطوش في عيني أطلقته قوات الأمن المركزي، وراح ضحية الحريق طفل لم يتجاوز الرابعة من عمره”.

ويتابع وليد شكواه قائلا “طردوا الغالبية من أهالي الرملة، ومنعونا من الحصول على المياه من الحنفيات الخلفية للفندق. باختصار أخذوا ما كانوا يرغبون فيه والقوا بنا في أول مقلب للقمامة وجدوه. استغلوا الاستقرار الأمني في مصر وتخلصوا منا بعد أن نالوا مننا ما كانوا يريدونه”.

“إما التطوير أو شراء الأرض بأسعار مناسبة”

الاشتباكات تطورت وأدت إلى مصرع أحد أبناء الحي، مما أصاب وليد بالإحباط الشديد، إضافة إلى إصابة رجله وعينه في الاشتباكات. ويقول “كنا نقطة حدودية فاصلة وتعاملنا بأخلاق أولاد البلد، لكننا لن نتنازل عن حقوقنا”. هذه الحقوق تتمثل في رأي وليد بأنها إما التطوير وإما شراء أراضيهم بأسعار مناسبة، فهو غير متمسك بالحياة في هذه البقعة.

ويقول أخيرا بمرارة “يعتبروننا نشوه أبراجهم العالية، ويرغبون في إزالتنا من الحياة، لكنهم لا يعلمون أننا فقط نقطة على حدود أكثر خطورة، فإن أزالونا فهناك مئات المناطق خلفنا، ولن يقووا عليها”.