مصر هي إحدى دول الملجأ التي يفر إليها اللاجئون السوريون هربا من ماكينة القتل الدائرة في بلادهم. ورغم أن أعدادهم في مصر تقدر بثلاثين ألف وفق بعض التقديرات، إلا أن محاولات الإقتراب منهم وتسليط الضوء على مآسيهم في الإعلام تبوء عادة بالفشل خوفا من تعرضهم او ذويهم بسوريا لملاحقات دموية من نظام بشار الأسد وشبيحته.

الصدفة وحدها قادتني للحديث مع اللاجئ السوري “أبو أديب”، بعد أن طلب مني عدم ذكر اسمه كاملا أو نشر صورة له. إذ وافق على التحدث معى ردا على حسن مقابلتي له ومساعدتي له فى موقف الحافلات بالإسماعيلة التي يقطنها منذ ثلاثة شهور، قبل أن نستقل الحافلة المتجهة لمدينة القاهرة، في طريقه للاطمئنان على بعض أصدقائه وأقاربه هناك.

فجأة في القاهرة

“أبو أديب” الذى يدور في العقد الرابع من عمره متزوج وله طفلان، الاكبر اديب ثمان سنوات والصغرى مريم ثلاث سنوات. وقبل أن يغادر بلاده منذ أكثر من ثلاث اشهر كان يعمل تاجرا للملابس بمدينة سقراب التابعة لمحافظة ادلب السورية، وكان يتمتع بمستوى معيشي لائق وحياة مستقرة حتى قامت الثورة السورية وما تبعها من أعمال عنف يعتبرها “ابو ديب” وصلت إلى مرحلة الحرب الأهلية. وأتت أحداث تلك الحرب كما يصفها على الاخضر واليابس بمدينته الهادئة،  لذا لم يجد حلا له ولعائلته إلا الفرار منها إلى خارج سوريا، وقرر الحجز على أول طائرة متجهة للقاهرة بعد أن باتت الهجرة البرية لتركيا مستحيلة، خاصة بعد قرار بشار الاسد منع مرور العائلات السورية الحدود لدول الجوار.

القاهرة التي كانت محط رحلة “أبو أديب” لم يكن يعلم عنها شيئا، ولم يكن يحلم يوما بزيارتها خاصة وأنه ليس لديه أي أقارب أو أصدقاء بها. وكانت أسبابه للسفر إليها التكلفة المنخفضة لقيمة التذكرة وعدم وجود تأشيرات بين البلدين. وفور وصوله لجأ لمقر  لنقابة الاطباء العرب بالقاهرة،  لكن النقابة لا تسعفها الظروف دوما لنجدة اللاجئين السوريين بفاعلية نظرا لكثرتهم حيث يتجاوزون الثلاثين ألفا وفقا لتقديراتها. فما كان منه إلا وبحث وعن الجمعيات الخيرية، لكنه لم يجد  فيها أيضا ما يروي ظمأه، ثم كانت المساجد الكبرى طريقه الاخير، وتعرف في أحدها إلى “الحاج موسى” الذي عرض عليه شقة المرحومة والدته بالاسماعيلية كي يقيم فيها هو وأسرته، مؤكدا له بأن الظروف ستكون فى المدينة التي تبعد عن العاصمة المصرية بمقدار 120 كم في اتجاه الشرق مهيئة له أكثر لمعيشته.

الجماعات الإسلامية ترعى اللاجئين السوريين

هكذا حط “أبو أديب” رحاله في مدينة الإسماعيلية، وهناك قضى شهر رمضان، وبدأ في تغيير وجهة النظر السلبية التي كان “أبو أديب” يعتقدها عن مصر والمصريين من خلال متابعته للأفلام والمسلسلات المصرية، مؤكدا أنه “قضى أجمل رمضان فى حياته مع أهل هذه البلدة الذين لم يشعروه إطلاقا بغربته أو محنته”. وكانت الوفود المتتالية تتقاطر عليه، أو يدعونه لضيافتهم موفرين له كل ما يحتاج إليه وأسرته، كما يقول.

الملاحظ في تجربة “أبو ديب” أن الجمعيات الخيرية الأهلية لم تلعب دورا كبيرا في مساعدتها، إذ يتذكر “أبو أديب” ما حدث معه من المسئول بالجمعية الشرعية بالاسماعيلية والذي أذاقه بعض الذل كي يصرف له مائة جنيه مساعدة، وهو الموقف نفسه الذي تعرض له أحد أصدقائه مع فرع نقابة الاطباء والتي لم تفعل أي شىء لمساعدته لمدة شهر متواصل.

الفضاء الذي خلفته الجمعيات الأهلية وراءها، ربما بسبب ضعف مواردها، شغلته الجماعات والتنظيمات الإسلامية الخيرية، التي نشطت لمساعدة اللاجئين السوريين. طريقة التواصل مع اللاجئين شرحها أيمن جاد أمين صندوق الجماعة الاسلامية بالاسماعيلية والذى كان فى طريقه لطباعة بيان صحفي سيوزع على الجمهور العادي.

[ibimage==2341==Small_Image==none==self==null]

أيمن جاد

يقول أمين “من اجل تقديم أفضل خدمة للاسر السورية بالاسماعيلية تم عمل مقر استقبال لهم تحت إشراف الجماعة الاسلامية بالتنسيق مع المحافظة التي رحبت بالفكرة لتخفيف بعض العبء عن كاهلها، والزام الجهات الامنية كي تتولى حمايتهم”.

كذلك يسعى صندوق الجماعة الإسلامية لتوفير فرص عمل للسوريين فى الأعمال الخاصة بأعضاء التيار الإسلامي أو رجال أعمال آخرين. وأضاف أمين أن الصندوق يقوم بتقديم الدعم للاجئين الذى قد يصل لتوفير فرصة السفر لأي دولة أخرى، فى الوقت نفسه حث أمين الجمهور على عدم منح أي تبرع مادى للسوريين بعد أن شوهد بعض الافراد منهم يقومون بجمع أموال طائلة لأسباب وهمية وانتشار ظاهرة التسول بينهم. من ناحية أخرى أكد أمين أن الجماعة الاسلامية لا تحتكر العمل الخيري، وإنما تقوم ومعها بعض الاحزاب أبرزها الحرية والعدالة والدستور والجبهة بجانب جمعيات خيرية سيتولون كل ما يلزم الاسر السورية وأي تبرع مادى يتم تقديمه له بصفته المنسق العام بين الجهات المعنية بالامر.

“الضنا غالي”

الصلات بين الجماعة الإسلامية والثورة السورية تمتد على صعيد آخر. فقد أفصح الشيخ محمد الطاهر مسئول الجماعة الاسلامية بالاسماعيلية عن تعاون جماعته مع الجيش السوري الحر، مؤكدا أن بعض الإخوة من الجماعة الاسلامية سافروا للجهاد هناك مشيدا بأدائهم القتالي العالي، نافيا أن يكون لهم أى علاقة بتنظيم القاعدة، بل ذهبوا على مسئوليتهم الشخصية واستشهد منهم ثلاثة.

[ibimage==2347==Small_Image==none==self==null]

الشيخ محمد الطاهر

وقال الطاهر إن جماعته خاطبت رئيس الجمهورية من أجل الموافقة الرسمية لفتح باب الجهاد، ورغم عدم حصولها عليها إلا أن الدعم الذي تحدث عنه مرسى للمعارضة السورية  في أكثر من خطاب  كان “كالموافقة الضمنية” كما يقول نائبه المهندس حمدي حسن.

الانضمام إلى الجيش الحر كان حلم “أبو أديب”، ولكن “الضنا غالي” كما يقول مما جعله وأسرته يقررون الرحيل، فى حين ترك شقيقه الاصغر مع الجيش بمدينة حلب، مبديا حزنه على معنويات شقيقه السيئة خلال اتصاله الأخير به، نظرا لقلة إمكانيات الجيش الحر مقابل الجيش السوري المنظم.

ونفى “أبو أديب” سيطرة أي تيارات إسلامية على الجيش الحر أو النظامي وهو كان أحد جنود الاخير مستشهدا على كلامه بأن الإخوان أو السلفيين “أساسا دورهم صغير فى الحياة السياسية أو العامة بسوريا، ولا يعرفهم أحد لتضييق النظام السوري على أي معارضة”.

لكن هل سينجح “أبو ديب” في بدء حياة جديدة في مصر؟ الرجل لا يبدو أنه يتقبل هذه الفكرة، فهو ما زال يحلم بالرجوع قريبا إلى سوريا بعد تنحية بشار عن الحكم، وهو الأمر الذي دفعه لرفض إلحاق نجله “اديب” بالمدارس المصرية، أو أن يلتحق هو شخصيا بأي عمل فى مصر معتمدا على تبرعات ومنح أهل الخير والتي تكفي حاجته كما يقول، مبررا موقفه السلبي من العمل بان استيقاظه المتواصل والتفكير فى حال أسرته وأقاربه وبلده السوري جعله شارد الذهن نحيل الجسم ولا يستطيع  التفكير في أمور أخرى، حتى ولو كان من يبنها العمل المؤقت داخل مصر.