تتماسك حينا و تنهار حينا آخر. تختفي وراء اسم مستعار،  فعائلتها لا تعلم بالأمر حتى الآن. هكذا تعيش “مريم” بعد  حادثة اغتصابها من قبل أعوان أمن.

“التهمة الموجهة ضدي تجعلني أحس أنني اغتصب مرة ثانية” تقول بصوت مرتجف، وتضيف أن الذين أقدموا على اغتصابها يحاولون إقناع القضاء بتورطها في “المجاهرة بالفاحشة”.

أمن فوق القانون

تتماسك حينا و تنهار حينا آخر. تختفي وراء اسم مستعار،  فعائلتها لا تعلم بالأمر حتى الآن. هكذا تعيش “مريم” بعد  حادثة اغتصابها من قبل أعوان أمن.

“التهمة الموجهة ضدي تجعلني أحس أنني اغتصب مرة ثانية” تقول بصوت مرتجف، وتضيف أن الذين أقدموا على اغتصابها يحاولون إقناع القضاء بتورطها في “المجاهرة بالفاحشة”.

أمن فوق القانون

تعود أحداث الواقعة إلى الليلة الفاصلة بين 3 و 4 أيلول/سبتمبر الماضي، حين كانت “مريم” برفقة خطيبها في سيارتها الخاصة في طريق العودة إلى المنزل بعد تناول العشاء بضاحية المرسى شمال العاصمة تونس.

تقول “مريم” إن سيارة من نوع ألفا روميو يستقلها ثلاثة أشخاص باللباس المدني داهمتهما فجأة بينما كانا يتبادلان الحديث في السيارة. وأضافت أن هؤلاء الأشخاص قد عرفوا أنفسهم بأنهم من الشرطة.

“أعوان الأمن قاموا في مرحلة أولى بسؤالي وخطيبي عن سبب وقوفهنا بذلك المكان المقفر في ساعة متأخرة من الليل، ثم شرعوا في تفتيش السيارة بحثا عن مواد كحولية أو مخدرة”.

وتضيف “مريم” أن أحد أعوان الأمن انزل خطيبها من السيارة، محاولا بذلك ابتزازه وإرغامه على دفع مبلغ كبير من المال مقابل إطلاق سراحهما. وقد رافق خطيب الضحية أحد أعوان الأمن للبحث عن موزع ٱلي من أجل تمكينه من المبلغ المطلوب، بينما تداول الآخران على الضحية وواقعاها في العديد دون رضاها وتحت طائلة التهديد، كما تقول مريم.

مسلسل الرعب تواصل لمدة ساعة وربع، قبل أن يقوم أعوان الأمن بإخلاء سراح الخطيبين اللذين توجها في ما بعد إلى مركز الشرطة بحدائق قرطاج لتقديم شكاية في الغرض.

قضية رأي عام

القضية أثارت جدلا واسعا في صفوف المجتمع التونسي، بكافة أطيافه الحقوقية والسياسية والمدنية. وخاصة بعد ظهور العديد من الوجوه الحقوقية المعروفة في وسائل الإعلام وتنديدها بالحادثة الشنيعة، على غرار السيدة راضية النصراوي التي أكدت أن الفتاة في حالة حرجة وأن حقوق الانسان في تونس لا تزال مهددة بالفعل.

السلطات  العمومية بدورها سارعت بفتح تحقيق في الغرض، وجرى إحالة أعوان الأمن المشتبه فيهم على قاضي التحقيق  بالمكتب 13 بالمحكمة الابتدائية بتونس الذي قرر بعد استنطاقهم إصدار بطاقات إيداع بالسجن لفردي الأمن بتهمة “مواقعة أنثى دون رضاها باستعمال خصائص الوظيفة” وفرد الأمن الثالث بتهمة “تهم الارتشاء من موظف عمومي”.

الأمر لم يقتصر على زج المغتصبين في قفص الاتهام بل قرر القاضي توجيه تهمة “التجاهر بما ينافي الحياء” في حق “مريم” لتكون متضررة ومتهمة في نفس القضية وذلك بعد إجراء المنازعة القانونية بينها وبين أعوان الأمن.

الحقوقية ورئيسة المجلس الوطني للحريات بتونس سهام بن سدرين أكدت على موجات إحدى الإذاعات التونسية ان قاضي التحقيق قد مارس على الضحية جملة من الضغوطات من أجل إسقاط الدعوى ضد أعوان الأمن كما هددها بالتقاضي منذ الجلسة الأولى للاستماع.

عديد المنظمات التونسية أكدت على عدم استقلالية القضاء وعلى عدم حيادية النيابة العمومية التي لم تستمع إلى تصريحات المتضررة إلا في مناسبة واحدة و يتيمة.

نواب من المجلس الوطني التأسيسي عبروا أيضا عن تفاعلهم مع القضية على غرار السيدة كريمة سويد النائب عن حزب التكتل المشارك في الائتلاف الحاكم والتي دعت حزبها إلى التوقف عن مساندة الحكومة معتبرة أن قضية الاغتصاب واتهام الضحية تعتبر القطرة التي أفاضت الكأس.

السلطة تشكك والطب الشرعي يؤكد

لم يستفق الرأي العام التونسي من وطأة الصدمة التي خلفتها حادثة الاغتصاب، حتى تلقى بدهشة أكبر  تصريحات الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية السيد خالد طروش الذي أقر بأن الدورية المشتبه بها قد وجدت الفتاة ومرافقها في وضعية غير أخلاقية، داعيا إلى تجنب التوظيف الإعلامي والسياسي للحادثة. الأمر الذي اعتبره الكثيرون شكلا من أشكال تبرير عملية الاغتصاب أو عدم تجريمها بالقدر الكافي.

محاولات الجهات الرسمية، وخاصة وزارة الداخلية، حماية المعتدين وتحصينهم من العقاب، على حساب تشويه سمعتها،  دفعت مريم للتفكير في الانتحار كما تقول. وتضيف “المغتصبين دمروا حياتي بالكامل، أنا لا أنام الليل، لا آكل ولن يهدأ لي بال إلا بعد محاسبة الذين اعتدوا علي فالقضية قضية حياة أو موت”.

وفي شريط فيديو نشرته وزارة العدل على صفحتها الرسمية على الموقع الاجتماعي فيسبوك قال نورالدين البحيري وزير العدل والقيادي في حركة النهضة الإسلامية، التي تحكم البلاد منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي، إنه من المغالطة القول بأن المتضررة في قضية الاغتصاب تحولت إلى متهمة إذ أن المتهمين  ما زالوا موقوفين، و”لو كانت المتضررة تحولت إلى متهمة لتم إطلاق سراح المتهمين الذين ما زالوا موقوفين”.

وكان البحيري قد ندد أيضا بتسرع البعض في التعلق وإصدار الأحكام الجائرة على ملف قضائي دون التأني والتحقيق في الحد الأدنى مما يحتويه الملف وإطلاق التصريحات التي تنال من هيبة القضاء، مما يهدد بإرباك القضاء ومنعه من القيام بواجبه، حسب تعبيره.

محامو الضحية صرحوا بأن تقارير الطب الشرعي تأكّد بصفة قطعيّة وجود “تقرّح في مستوى الفرج سببه ولوج عنيف دون رضى الفتاة”، هذا إلى جانب  تحاليل الحمض النووي للمنيّ الذي تمّ أخذ عيّناته من مناطق مختلفة كملابس المتضررة وبعض المناديل الورقية التي تجزم مطابقة هذا الحمض النووي وعينات أُخذت عن أعوان الأمن المشتبه فيهم.  

الدولة تعتذر

رئاسة الجمهورية بدورها أصدرت بيانا بتاريخ 4 أكتوبر 2012  مفاده أن رئيس الجمهورية السيد المنصف المرزوقي استقبل المتضررة مصحوبة بخطيبها، متعاطفا بصفة مطلقة مع الشابين ومتعهدا بمتابعة رئاسة الجمهورية للقضية لتفادي التوظيف السياسي ولإعلاء صوت الحق، كما قال.

حملات المساندة والتضامن اخترقت حواجز الجغرافيا لتنتقل من العاصمة تونس إلى قلب متحف اللوفر بباريس. حيث تظاهرت مجموعة ناشطات نسويات منتميات للمنظمة الأوكرانية “فيمين” ، عاريات الصدر، كتبن على أجسادهن شعارات مساندة وتنديد من قبيل “لا و لا” و” نعم لمحاكمة المغتصبين” ووقفن أمام التمثال اليوناني الشهير “فينوس دي ميلو” حيث تلتقطهن كاميراهات العالم، مرفوعات الأيدي، مضمومات القبضة، في مساندة مطلقة وقوية للفتاة التونسية المغتصبة.

“اغتصبني فأنا فاسقة”، هو شعار تدلّى من التمثال الشهير الذي يعتقد انه يجسد افروديت آلهة الحب في اللوفر، في إشارة إلى الاغتصاب والتحرش اللذين تعاني منهما المرأة في كامل أنحاء العالم. فهل تسكت مغتصبة؟