منذ الزوبعة التي أثارها عرض مقاطع فيديو الفيلم المزعوم المسيء لرسول المسلمين يطالب مبدعون وسينمائيون مصريون بالتخلص من عقلية الماضي والبدء بإنتاج عمل فني ضخم من شأنه الرد على الدعاية المشوهة للإسلام والوصول إلى شاشات العرض الأوروبية والأمريكية. لكن العائق الاكبر أمام هذا المشروع الطموح يبقى بحسب أولئك، هو الأزهر الشريف، أعلى هيئة دينية في البلاد.

“يجب التخلص من كل القيود”

منذ الزوبعة التي أثارها عرض مقاطع فيديو الفيلم المزعوم المسيء لرسول المسلمين يطالب مبدعون وسينمائيون مصريون بالتخلص من عقلية الماضي والبدء بإنتاج عمل فني ضخم من شأنه الرد على الدعاية المشوهة للإسلام والوصول إلى شاشات العرض الأوروبية والأمريكية. لكن العائق الاكبر أمام هذا المشروع الطموح يبقى بحسب أولئك، هو الأزهر الشريف، أعلى هيئة دينية في البلاد.

“يجب التخلص من كل القيود”

بدأ الكاتب والسيناريست بشير الديك حديثه بالإعراب عن تخوفه الشديد من أن يكون حماس المبدعين لإنتاج أفلام دينية مجرد “حماس وقتي”، خاصة في ظل القيود التي وضعها الأزهر الشريف والتي تمثل عائقا يمنع المبدعين من تناول رموز الدين في الأعمال الفنية.

ويقول الديك “يجب التخلص من كافة القيود خاصة أنه لا يوجد نص قراني أو حديث شريف يحرم تجسيد شخصية الرسول أو الصحابة. لا أعرف حتى الآن سبب  تخوف الأزهر الشريف من اتخاذ تلك الخطوة، وأرى أن هذه القيود مجرد حساسية كذابة وهواية لتعقيد الامور وفرض القيود.” ويضيف : “في الماضي كانت هناك مساحة أكبر للحرية وإذا اطلعنا على كتب التراث القديمة سنجد أن كل شئ مباح وأن هؤلاء الكتاب تحدثوا عن كل الأشياء التي أصبحت ممنوعة وحرام بعد ظهور شيوخ الفضائيات حيث قاموا بتحريم كل شئ بدون أسباب مقنعة”.

أما بالنسبة لتكاليف مثل هذا الفيلم فيقول الديك “نحن ننفق المليارات على أعمال تافهة ولا قيمة لها وأعتقد أن الميزانية لا تمثل عائقا خاصة وأن المنتجين لديهم إمكانيات مادية ضخمة”.

مستوى الفيلم هو العامل الأهم

اتفق الفنان عزت العلايلي مع بشير الديك حيث أكد على أن العائق أمام فيلم يتناول سيرة الرسول الكريم هو الأزهر، ويقول: “الحل الوحيد في أيدي الأزهر الشريف و أنا اتمنى أن نتخلص من هذه القيود التي لا هدف من وراء وضعها”. لكن العلايلي يشير إلى صعوبة أخرى تتمثل في مدى حرفية مثل هذا الفيلم، فيقول: “أعتقد أن هذه القيود لن تزول وحتى إذا تم التخلص منها سنجد صعوبة أخرى تتمثل في إيصال هذه الأفلام للعالمية لأن الغرب ليسوا في حاجة إلينا أو لمشاهدة أعمالنا، ولذلك يجب فرض تلك الأعمال من خلال مستواها وعرضها في المهرجانات العالمية، وهذا ما حدث بالفعل من خلال الفيلم الإسلامي القادسية والذي شاركت في بطولته حيث عرض في مهرجان كان، وتمكن من تغيير العديد من المفاهيم الخاصة بالدين الإسلامي”.

أفلام رغم القيود

أما الناقد السينمائي طارق الشناوي فيسير في اتجاه آخر، فهو يرى أن السينما المصرية بإمكانها إنتاج أفلام دينية واجتماعية توضح مبادئ الدين الإسلامي ومنهجه رغم القيود التي وضعها علماء الأزهر الشريف، ويقول: ” القيود لن تمنع السينمائيين من تقديم أعمال فنية ترد على الفيلم الذي أساء لرسولنا الكريم، لأن بإمكاننا تقديم عمل إجتماعي نجد في عمقه روح الإسلام أو فيلم ديني معاصر يوضح منهج الرسول محمد صلى الله وعليه وسلم”. لكن الشناوي في الوقت نفسه يطالب الأزهر الشريف بإعادة النظر في الفتوى الخاصة بمنع تجسيد شخصية الرسول والرموز الإسلامية، ويرى أنه يجب التحرر من تلك القيود لأنها لا تصلح مع هذا العصر الذي يشهد ثورة التكنولوجيا والإنترنت، حسب قوله.

وعند سؤاله عن كيفية وصول هذه الأعمال إلى العالمية قال: “الوصول إلى الدول الأوروبية يحتاج إلى ميزانية ضخمة ولكن يمكن حل تلك المشكلة بتعاون أكثر من شركة إنتاج سينمائية لانتاج هذا العمل الفني” ويضيف: “يجب أن ننتج من الفيلم نسختين نسخة عربية وأخرى إنجليزية وهذا حدث بالفعل في فيلم الرسالة حيث اُنتجت نسختان، الأولى من بطولة عبد الله غيث والثانية من بطولة النجم الأمريكي أنطوني كوين وتمكن بالفعل من الوصول لملايين المشاهدين في امريكا والدول الأوروبية”.

“احترام الثوابت الدينية”

توجهنا بعد ذلك لعلماء الأزهر لطرح عليهم مطالب المبدعين بشأن ضرور إلغاء الفتوى الخاصة بتحريم تجسد شخصية الرسول الكريم لكي يتمكنوا من تقديم أعمال فنية ترد على الفيلم المسيء للرسول.

الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس جامعة الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أشار إلى أنه يجب على المبدعين إحترام الثوابت الدينية عند تقديم أعمال فنية خاصة وأن عدم تمثيل شخصية رسولنا الكريم أمر مجمع على حرمته، كما يقول، مضيفا: “ليس معنى أننا نعيش عصر التكنولوجيا والإنترنت أن نتجاهل ثوابت ديننا، لأن بإمكان أي مخرج يرغب في تقديم عمل ديني جاد أن يتحدث عن مبادئ الدين الإسلامي وعن رفقة ورحمة الرسول صلى الله وعليه وسلم دون تجسيد شخصيته على شاشة السينما”.

وعن رأيه فيما أكده بعض المبدعين بعدم وجود نص قراني أو حديث شريف يمنع تجسيد شخصية الرسول يعلق:”هذا الكلام غير صحيح فهناك العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تشير إلى عظمة الرسول الكريم، فهو كان شخص معصوم من الأخطاء ومقرب من ربه ولذلك لا يمكن أن يقوم أحد بتمثيل شخصيته”. ويضيف: “أنا لست مخرجا سينمائيا و لكن إذا كانت هناك نية حقيقية لدى المبدعين للرد على الفيلم المسئ من خلال إنتاج عمل فني ضخم فبإمكانهم الإستعانة بقصص عشرات الصحابة الذين تعاملوا مع الرسول ومن خلال تناول سيرتهم نتحدث عن رسولنا الكريم وكيف كان يتعامل معهم و كيف آثر على حياتهم”.

هالة من نور

ولا يبدو أن الهوة التي تفصل السينمائيين عن الأزهريين يمكن تجسيرها، فالدكتورة عفاف النجار عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر أكدت ان ظهور شخصية الرسول على الشاشة خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وتقول: “لا يوجد ممثل قادر على تجسيد هذه الشخصية العظيمة. وكيف نضمن أنه لن يقدم بعد تجسيده لشخصية الرسول أدوارا مبتذلة وأعمالا هابطة”.

دكتور عفاف النجار أكدت في نهاية حديثها على إمكانية تناول سيرة الرسول الكريم من خلال عمل فني بشرط عدم تجسيد شخصيته وظهوره على انه هالة من النور.

وحتى يفض الاشتباك بين السينمائيين والأزهر يبدو أن الحل الأمثل هو التوجه لإنتاج أفلام منصفة تعبر عن سماحة الإسلام دون التطرق إلى سيرة الرسول أو حياته. ويبقى أن يتحمس منتج أو أكثر من جهة انتاج لصنع مثل هذه الأفلام.