التحدث باللغة الامازيغة علنا متعة طالما افتقدها جلول غرقي كغيره من الامازيع التونسيين قبل 14 جانفي 2011. جلول واحد من بين 200 ألف تونسي، وفق إحصائيات رسمية، يتكلمون الأمازيغية فقط ضمن أطر ضيقة. فسياسة الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي كانت تتجه الى “التعريب”، كما يقول جلول.

التحدث باللغة الامازيغة علنا متعة طالما افتقدها جلول غرقي كغيره من الامازيع التونسيين قبل 14 جانفي 2011. جلول واحد من بين 200 ألف تونسي، وفق إحصائيات رسمية، يتكلمون الأمازيغية فقط ضمن أطر ضيقة. فسياسة الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي كانت تتجه الى “التعريب”، كما يقول جلول.

لكن هذه السنة، وبعد مرور 18 شهرا على انهيار النظام السابق، استطاع جلول غرقي، الكاتب العام للجمعية التونسية للثقافة الامازيغية، أن ينشّط ليالي مهرجان تمزرط في دورته العشرين مستخدما لغته الأم “الامازيغية” وأن يكرر على مسامع الحاضرين  كلمة التحية “ازول امقران” بل وأن يطرب لقصائد شعر  امازيغية القاها شاعر ليبي من مدينة نالوت، تصف القرى الامازيغية الممتدة من ليبيا الى المغرب.

“هذا موسم الحج إلى تمزرط” هكذا قال لسعد لبوز، رئيس جمعية الحفاظ على التراث بتمزرط، في إشارة إلى ما يمثله مهرجان المدينة للامازيغ في تونس، فلأول مرة منذ استقلال تونس ترفع راية “ازى” الامازيغية في مهرجان له من الدورات عشرون “فرضت عليه سلطات بن علي ان يحتفل باحتشام وان لا يتجاوز الخطوط الحمراء” وفق ما صرح به لسعد  .

ورفع العلم “الامازيغي” وبروز فنانين يؤدون أغانيهم بالامازيغية والكتابة بحرف التفناق في اللافاتات، وهي الأحرف المستعملة في اللغة الامازيغية، هي الخطوط الحمراء التي تحدث لسعد عن تجاوزها.

استعادة الذاكرة

قصة جلول غرقي لا تختلف عن قصة الهادي هنشير من امازيغ قرية “يفرن” الواقعة في  جبل نفوسة بليبيا، حيث قص الهادي “معانات الامازيغ في ليبيا ومنعهم من التكلم بلغتهم” على مسامع جلول وأصدقائه لدى تواجده في قرية “تمزرط” الواقعة في جبال مطماطة بالجنوب التونسي. وأخبرهم عن سياسة العقيد معمّر القذافي في الملف الامازيغي التي وصفها “بانكار الوجود” وقدم أمثلة لذلك منها تصريحات للعقيد عن أن  الأمازيغ هم من أصول عربية.

نقاط التشابه بين ما مرّ به جلول غرقي والهادي هنشير تختزل واقع الامازيغ في تونس وليبيا، فالسياسة العامة التي انتهجتها أنظمة الحكم في البلدين قامت على التعريب وأعلنت عن ذلك صراحة ومارستها عبر مناهج التعليم وفي التهيئة العمرانية خصوصا في تونس التي شهدت تغيير أسماء أكثر من 100 قرية أمازيغية ليُضاف إلى اسمها القديم كلمة “جديدة” على غرار مطماطة الجديدة وزراوة الجديدة.

غير أنّ  هذه السياسة المنتهجة منذ 1980 لم تؤدي إلى “تعريب الامازيغ” في ليبيا وتونس، ويعود الفضل في ذلك وفق جلول غرقي والهادي هنشير إلى أنّ الثقافة التونسية والليبية استوعبت الثقافة الأمازيغية لتكون بذلك “جزءا ومكونا أساسيا للهوية” في كلى البلدين. ولكن الفضل يعود بالاساس الى تمسك الامازيغ بهويتهم.

ومن ضروب التمسك بالهوية الامازيغية، أو كما فضل الهادي هنشير وصفها بـ”المقاومة”، هو توارث اللغة الامازيغية بين الاجيال في جبال نفوسة أكبر مراكز تواجد الامازيغ في ليبيا. وجبال نفوسة هو الاسم  الامازيغي تم احياءه رسميا إثر انهيار نظام العقيد معمر القذافي بعد أن ظل لعقود يعتمد اسم الجبل الغربي للمنطقة.

ولا يقتصر التمسك بالهوية الامازيغية في الحفاظ على اللغة والأسماء الامازيغية للقرى، فمنذ 20 سنة أطلقت مجموعة من النشطاء الامازيغ مهرجانا سنويا للحفاظ على التراث الأمازيغي بتمزرط او كما تسمي بالامازيغية “تمزرى”.

أما اليوم إثر انهيار أنظمة الحكم بات  جلول غرقي والهادي هنشير يطالبان بتخليص التراث والثقافة واللغة الأمازيغية في البلدين  من” النظرة النمطية الملتصقة بها” وردّ الاعتبار للحضارة وأيضا الكفّ عن “تخوين النشطاء الامازيغ” واتهمامهم بالعمل “على ضرب الوحدة الوطنية في البلدين”، وفق ما صرح بها كلهما.

لكن المطلب الأول للامازيغ في تونس وليبيا اليوم هو الاعتراف بوجودهم رسميا، وذلك بالاقرار بالتعدد والتنوع في المجتمع التونسي ودسترة الحقوق الامازيغية في الدستور القادم بالنسبة للنشطاء الامازيغ التونسيين. أما مطالب الامازيغ الليبيين فهي بالأساس الإقرار بأن الامازيغية لغة وطنية.

المطالب السياسية

تظل مطالب الاعتراف بالوجود ودسترة الهوية الامازيغية كمكون لهوية البلدين في نظر النشطاء الامازيغ هي خطوة اولى في مسار الضغط على السلطات الجديدة والفاعلين السياسيين من أجل إدراج الامازيغية كلغة رسمية ثانية تضاف الى اللغة العربية.

فرئيسة الجمعية التونسية للثقافة الامازيغية خديجة  بن سعيدان تتمسك بمطالب  جمعيتها الداعي إلى الاعتراف بـالأمازيغ كمكون أساسي من مكونات الهوية التونسية، ورد الاعتبار لتاريخهم عبر إحياء تراثهم المادي والمعنوي والاعتراف بثقافتهم، إلى جانب المحافظة على العادات والتقاليد الأمازيغية، وصيانة الطابع المعماري للقرى التونسية ذات الطابع الأمازيغي والعمل على إدراجها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

هذه المطالب التي سبق أن أعلنتها خديجة في مؤتمر صحفي كان للإعلان عن تأسيس جمعيتها في افريل 2011. لم تتغير فمطلب اعتراف الحضارة الأمازيغية. وإقرار ذلك في الدستور ما زالت خديجة ترفعه اليوم بعد أن تعرضت هي وجمعيتها إلى حملة تشكيك وتخوين والاتهام بإثارة نعرات عرقية.

الهادي الهنشير بدوره اشتكى من “التخوين” الذي يتعرض له النشطاء الامازيغ في ليبيا، واللافت للنظر في حديث الهادي الهنشير “حبه” كما قال هو، للرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، الذي اعتبره زعيما امازيغيا مستشهدا بحداثة جمعت بورقيبة بجمال عبد الناصر في الستينات قال فيها بورقيبة لعبد الناصر “بلدي من أين ينطلق الكسكس إلى اين ينتهي اكله” في إشارة إلى جذوره الامازيغية.