في ورشته الصغيرة في مدينة نابل السياحية، كان سكاح حسامي يعكف على ترتيب عشرات الأواني الخزفية التي اعتلاها الغبار دون أن تجد طريقها إلى السوق.

يقول هذا الحرفي ذو 53 عاما، إن أوضاع المهنة تشهد تدهورا تدريجيا وإنها بصبغتها التقليدية شارفت على الانقراض. ويضيف متحدثا من خبرة 40 عاما في العمل كخزّاف “هناك تهديدات قائمة بأن أغلق ورشتي إذا استمرت الأوضاع على حالها”.

في ورشته الصغيرة في مدينة نابل السياحية، كان سكاح حسامي يعكف على ترتيب عشرات الأواني الخزفية التي اعتلاها الغبار دون أن تجد طريقها إلى السوق.

يقول هذا الحرفي ذو 53 عاما، إن أوضاع المهنة تشهد تدهورا تدريجيا وإنها بصبغتها التقليدية شارفت على الانقراض. ويضيف متحدثا من خبرة 40 عاما في العمل كخزّاف “هناك تهديدات قائمة بأن أغلق ورشتي إذا استمرت الأوضاع على حالها”.

في مدينة نابل (70 كلم شمال شرقي تونس) التي تشتهر بصناعة الفخار، هناك 600 ورشة تشبه ورشة حسامي وتقاسمه المخاوف نفسها، يعمل فيها نحو 2000 حرفي يحملون رسميا البطاقة المهنية، فضلا عن 70 مؤسسة تصدّر الخزف إلى الخارج.

ويقول حسامي إن تراجع أعداد السواح بفعل التحول السياسي الذي تشهده البلاد أصاب أصحاب الحرف في الصميم. ويضيف أن العشرات من تلك الورش عرضة للإغلاق بسبب الكساد، مشيرا إلى أن السياحة لوحدها كانت تستوعب أكثر من 80 بالمئة من المنتوج قبل نحو سنتين.

ولا يعود تدهور الحرف التقليدية بحسب متابعين إلى تراجع السياحة فحسب، بل إلى اختفاء أساليب الصناعة التقليدية مع تدخل الآلات الحديثة. فمعظم الحرفيين يستخدم اليوم أفران الغاز بدلا من أفران الحطب التقليدية لأن هذه الاخيرة “مرهقة” وأكثر تكلفة وتتطلب مجهودات أكبر، على حد قولهم.

وبحسب استقصاء قام به موقع “مراسلون”، فإن عدد الحرفيين الذين يعملون وفق الطريقة التقليدية لا يتجاوز أربعة أنفار، تقدّموا في السنّ ولم يورثوا أبناءهم المهنة.

[ibimage==2060==Small_Image==none==self==null]

مئات الأواني الفخارية معروضة للبيع في ورشة حسامي

في هذا الصدد يقول سكاحي بمرارة إنه رضخ مرغما الى صناعة أواني حديثة هو غير مقتنع  بها، وذلك كي  يحافظ على مورد رزقه و تستمر مهنته على قيد الحياة، “ولو بطريقة مشوهة”، يقول. 

ومن بين الأسباب التي ساهمت في انتكاسة هذه الحرفة، بحسب حسامي وغيره من الصناع، هو اكتساح المنتجات الصينية البخسة الأسواق التقليدية ومنافستها المنتوج المحلي، مثلها مثل المنتجات الافريقية التقليدية التي تشهد انتعاشة في السنوات الأخيرة بالنظر الى العدد المتزايد للطلبة الأفارقة في تونس.

في هذا الصدد يروي حرفيون مفارقة لا تخلو من طرافة. فحتى وقت قريب كان “الملّاس” أي صانع الخزف يعتمد في الزخرفة على ما يسمّى “الرشّام” وهو الذي يضع الأشكال الهندسية على الأواني الفخارية، وكلاهما حرفة تلقّن في الصغر.

لكن الدولة تفطنت في بداية الثمانينات إلى أن ما يعوز هذه الصناعة هو أعمال التزويق التي يبرع فيها الصينيون، فأرسلت عشرات الحرفيين الى الصين لتعلّم تقنيات الرسم على الخزف، وهذه الخطوة اتت أكلها وخلقت مختصين في فن التزويق أرسوا قواعد لهذه المهنة فيما بعد. 

لكن الصينيين عادوا اليوم من وراء البحار ليكسبوا الجولة على أرض التونسيين، إذ أن سعر قطعة الخزف الصينية يصل إلى أقل من نصف سعر تلك المصنعة داخل البلاد.

ويعيب جل من التقاهم موقع “مراسلون” على الحكومات السابقة والحالية عدم إيلاء العناية اللازمة للمنتوجات التقليدية وعدم تشجيع الشباب على امتهان مهنة الأسلاف للمحافظة على ديمومتها وحمايتها من الانقراض.

بل إن تيجاني مخلوف، صاحب ورشة في نابل، يرى أن الدولة “تساهم في ضرب المهنة من خلال السماح بالمنتوجات الصينية المقلدة بالعبور الى أسواقنا”.

كما يعتبر مخلوف أن قرار نقل مصانع الحرفيين من داخل المدينة الى خارجها بدعوى المحافظة على التهيئة العمرانية ساهم الى حدّ كبير في تقلّص الاقبال على تعلّمها، ويضيف متنهّدا “يا ابنتي من فقد ماضيه ..لا حاضر ولا مستقبل له”.