قبل الثورة حاول البوليس السياسي توظيفها للتجسس على زملائها وعلى الزبائن، وهي تقول اليوم أن الأحوال تغيرت إذ لم يعد هناك جواسيس في الحانة، أما هموم الزبائن فما زالت كما هي، يشتكون من ضبابية المستقبل ومن تواصل التهميش.

سلوى عياري التي كانت ترتدي بدلة رجالة سوداء لم تنجح في أن تخفي ملامحها الجميلة، نادلة تقدم المشروبات الكحولية في إحدى حانات العاصمة، رحبت بموقع “مراسلون” وكان لنا معها اللقاء التالي:

س- ما الذي جعل امرأة مثلك ان تقتحم هذا الميدان “الرجالي” في مجتمع محافظ تحكمه المظاهر؟

قبل الثورة حاول البوليس السياسي توظيفها للتجسس على زملائها وعلى الزبائن، وهي تقول اليوم أن الأحوال تغيرت إذ لم يعد هناك جواسيس في الحانة، أما هموم الزبائن فما زالت كما هي، يشتكون من ضبابية المستقبل ومن تواصل التهميش.

سلوى عياري التي كانت ترتدي بدلة رجالة سوداء لم تنجح في أن تخفي ملامحها الجميلة، نادلة تقدم المشروبات الكحولية في إحدى حانات العاصمة، رحبت بموقع “مراسلون” وكان لنا معها اللقاء التالي:

س- ما الذي جعل امرأة مثلك ان تقتحم هذا الميدان “الرجالي” في مجتمع محافظ تحكمه المظاهر؟

ج- انقطعت عن الدراسة في سن يناهز الخامسة عشر سنة و لازمت البيت،  لذلك لم يكن لدي اي شهادة تذكر. شظف العيش  كان وراء خروجي الى الشارع للبحث عن شغل. عملت في البداية نادلة بحانة في نزل فاخم في جهة سوسة ثم في العديد من الحانات السياحية. وبعد وفاة والدي اضطررت إلى الرجوع الى تونس لإعالة والدتي التي بقيت وحيدة، فوجدت عملا في حانة في وسط مدينة تونس.

أما عن كوني امرأة فهذا لا يفسد للود قضية، وأنا أشتغل لمجابهة المصاريف اليومية وأعتز بكوني لا  أتسول ولا أسوق جسدي كبضاعة رخيصة فالحرة تجوع ولا تأكل بثدييها.

س- كيف يتعامل معك الزبائن، وخاصة الرجال منهم؟

ج – أغلبهم يتعامل معي بطريقة لبقة وباحترام، خاصة منهم رواد الحانات السياحية أو المطاعم الفاخرة فهم من النوع الهادئ الذي لا يثير الكثير من المشاكل ويلتزم بأدبيات التعامل. بينما تكمن الصعوبة في التعامل مع رواد الحانات الشعبية أو المتواضعة. ففي هذه الحانات يكثر الخارجون عن القانون ومدمنو الكحول العبثيون ويختلط الحابل بالنابل ولا ينجو أحد من بذيء الكلام ولا من زجاجات الجعة المهشمة أحيانا. لكن الجميع يعرفني هنا ولا أحد يتجرأ على التهجم عليّ أو إزعاجي .

س- ما الفرق بين العمل في حانة روادها أناس عاديون وأخرى ترتادها فصائل معينة مثل النخب كالحال هنا؟

ج-الفرق كان جليا قبل الثورة .فرواد الحانات من غير المعنيين بالشأن السياسي كانوا يخوضون في جل المواضيع تقريبا إلا السياسية. فهم يتحدثون مثلا عن نتائج المقابلات الرياضية وعن المشاكل الزوجية وعن بعض المشاكل الاجتماعية، كالبطالة والتهميش، بينما اعتاد مرتادو الحانات المعروفة باستقطابها لمن اختاروا الحديث عن التابوهات السياسية في علاقة بالنظام الحاكم وملفات الفساد والرشوة والمحسوبية والتحركات العمالية الى غير ذلك من المواضيع الشائكة، وهو ما جعل هذه الحانات مرتعا لجهاز البوليس السياسي الذي يرصد تحركات الرواد، بل تصل بأعوانهم الوقاحة إلى درجة مطالبتنا بالتجسس على الزبائن وتقصّي أحاديثهم ورصد شبكة علاقاتهم. أما بعد الثورة فقد اختلف الأمر، وأصبح الجميع يخوض في كل المواضيع دون استثناء .

س- هل انتخبت في أكتوبر 2011 ولمن منحت صوتك؟

ج- نعم انتخبت، وأحتفظ بباقي الإجابة لنفسي.

س- هل أخافك صعود الإسلاميين للحكم وما يروج من حديث عن محاولات أسلمة المجتمع التونسي؟

ج- إطلاقا ، فأنا أؤمن إيمانا قاطعا أن المجتمع التونسي هو مجتمع متفتح ومعتدل بطبعه وأن محاولات فرض نمط عيش معين عليه لن تزيده إلا تشبثا باعتداله.

س- ما رأيك في هجمات العنف التي تقوم بها أطراف محسوبة على التيار السلفي على الحانات واستهداف روادها وعملتها ؟

ج- الكل يعلم أن موجات العنف هذه ممنهجة وتحركها أطراف من مصلحتها التشويش على المطالب الاجتماعية المتعلقة أساسا بتحقيق أهداف الثورة من شغل و كرامة و حرية. إن مثل هذه الاعتداءات لا تقع إلا عندما تكون هناك موجة من الاحتجاجات الشعبية تعم كامل أنحاء البلاد. مثل هذه السيناريوهات لم تعد تنطلي علينا.  

س- بغض النظر عن كونك امرأة، ما هي المصاعب التي يتعرض لها النادل بصفة عامة وماذا عن الوضعية الاجتماعية للنادل؟

ج- كما قلت لك سابقا، نضطر أحيانا الى استقبال زبائن من نوع خاص، مزيج من متشردين خارجين عن القانون وأيضا مثيري شغب فنتحمل بذلك أبشع النعوت والشتائم خاصة عندما يكون هذا الزيون غير راض. ونحن أيضا نتعرض لأخطار أكبر، فبعض العابثين عادة ما يلجؤون إلى التخريب وإلى مهاجمتنا بأسلحة بيضاء يحملونها للغرض .نحن دائما في حالة تأهب والحراس الواقفون امام الحانة هم كفيلون بتخليصنا من شر هؤلاء. أما عن الوضع المادي فنحن نستعين كثيرا بالهبات التي يتركها لنا الزبائن وخاصة الأوفياء منهم تقديرا لهم لتعبنا وحسن خدماتنا . شخصيا أنا مستورة والحمد لله فأنا أستطيع أن أتدبر مصاريف علاج الوالدة وغير ذلك من مستلزمات الحياة.

س- كيف ترين انعكاس الجو العام على مزاج الزبائن وعلى الاستهلاك  كذلك؟

ج- لاحظت مؤخرا أن مزاج العديد منهم أصبح متقلبا وعصبيا، حيث كثرت المشادات الكلامية وغابت البسمة عند البعض. وأعتقد أن هذا التحول نابع من التدهور اليومي للوضع عامة في ظل ضبابية المستقبل و تواصل التهميش والإقصاء خاصة للفئة الشبابية. رواد الحانة من الشباب العاطل عن العمل و المقصى من الحياة السياسية أصبحوا أكثر كآبة من ذي قبل وأكثر ميلا للحديث في مواضيع اخرى بعيدة نوعا ما عن السياسة. أما عن انعكاس هذا الوضع المتردي على الاستهلاك فقد سجلت الحانة ارتفاعا ملحوظا في الطلب والاستهلاك، إذ يقول البعض إن ” الثمالة هي الحل لنسيان الظروف الصعبة”.

س – بعد الثورة يقال انه تم تسييس المساجد فأصبحت منابر للخطب الانتخابية ومرتعا للمزايدات الحزبية، فهل هو الحال  بالنسبة للحانات؟

ج- صحيح ان الكل يخوض في المواضيع السياسية هنا والسياسة هي خبز يومي بالنسبة للبعض لكن لم يقم اي طرف حزبي بنشاط في الحانة ولم يتم توزيع بطاقات حزبية او ما شابه ذلك وأقصى ما تقوم به النخب السياسية الوافدة على الحانة هو رفع بعض الشعارات السياسية أو القيام بحلقات نقاش حول ما يجري في البلاد من تطورات .

س- في الختام، كيف تتصورين مستقبل المرأة وخاصة العاملة في تونس؟

ج- المرأة التونسية العاملة هي ضحية عدم تكافؤ الفرص، فهي تتقاضى أجرا متدنيا مقارنة بالرجل خاصة في الاعمال الحرة والفلاحة رغم توليهما نفس الوظيفة. وهي كذلك ضحية نسق الحياة فهي بالكاد توفق بين ساعات العمل الطويلة وشؤون المنزل، فالكثير منا نحن النساء يريد المشاركة في الأنشطة الثقافية مثلا والتظاهرات السياسية لكننا لا نجد الوقت الكافي لذلك. ونصبح بذلك أسرى دوامة الحياة الرتيبة والمكبلة لكل نفس متجدد. نريد أن نكون مواطنات كاملات وفاعلات في بلد يضمن لنا حرياتنا وحقنا في العيش الكريم.