لا يمكن لزائر تونس والراغب في تذوق بعض خمورها إلا أن يستذكر بيت أبي نواس “عاج الشقي عن طلل يسائله، وعجت أسأل عن خمارة البلد”.

ففي مساء كل سبت، وهو اليوم الاول في العطلة الأسبوعية في تونس، يتزايد في العاصمة وأحيائها الرئيسة الإقبال على المشروبات الكحولية وعلى رأسها “سلتيا” محلية الصنع.

ويحتل هذا النوع من الجعة ما تيسر من حانات و خمارات منتشرة بين شارع مرسيليا والأنهج والأزقة المجاورة للشارع التاريخي الحبيب بورقيبة.

الواقع كذب التوقعات

لا يمكن لزائر تونس والراغب في تذوق بعض خمورها إلا أن يستذكر بيت أبي نواس “عاج الشقي عن طلل يسائله، وعجت أسأل عن خمارة البلد”.

ففي مساء كل سبت، وهو اليوم الاول في العطلة الأسبوعية في تونس، يتزايد في العاصمة وأحيائها الرئيسة الإقبال على المشروبات الكحولية وعلى رأسها “سلتيا” محلية الصنع.

ويحتل هذا النوع من الجعة ما تيسر من حانات و خمارات منتشرة بين شارع مرسيليا والأنهج والأزقة المجاورة للشارع التاريخي الحبيب بورقيبة.

الواقع كذب التوقعات

وفقا للأرقام الصادرة عن شركة التبريد ومعمل الجعة بتونس ارتفع بيع واستهلاك “سلتيا” بنسبة عشرين بالمئة خلال النصف الأول من 2012 بالمقارنة مع الفترة نفسها من 2011. كما حققت الشركة في الربع الأول من سنة 2012 مبيعات بنحو عشرين مليون دينار مقابل حوالي 14 مليون دينار في الربع الأول من سنة 2011.

هذه الأرقام تبدو للوهلة الأولى متناقضة مع المشهد السياسي القائم في البلاد، مع انتخاب التونسيين – أو ثلثهم على الأقل- لحزب النهضة الإسلامي في تشرين اول/ اكتوبر من العام الماضي ووصوله بالتالي إلى ترؤس الحكومة الانتقالية.

لكن البعض يقول أن الخيارات السياسية للشارع التونسي قد لا تتطابق بالضرورة مع الأذواق والعادات اليومية.

فرغم أقدام شركة الخطوط التونسية في سابقة هي الأولى من نوعها على إقرار منع تقديم الخمر والمشروبات الكحولية على متن رحلاتها، وذلك خلال كامل شهر الصيام الفائت، إلا أن انتاج المعمل حقق زيادة في معدله خلال الشهر نفسه.

وعلى العكس من ذلك، معمل الجعة الذي اعتاد على التوقف عن الانتاج وإغلاق أبوابه خلال رمضان، قرر هذه السنة وعلى نحو استثنائي الحفاظ على نشاطه الإنتاجي، وهو ما عزته الشركة إلى زيادة الاستهلاك.

البيرة والنهضة

ولئن اعتقد البعض أن تدهور الوضع السياحي بعد سقوط النظام السابق ودخول البلاد مرحلة انتقالية فضلا عن وصول “النهضة” سينعكس بصفة سلبية على استهلاك الخمور وإنتاجها، إلا أن النتائج كانت في مكان آخر، والحانات ما زالت تغصّ الحانات بمرتاديها الهاربين من أجواء السياسة المشحونة.

وتفسر الشركة الارتفاع غير المسبوق بزيادة الاستهلاك في السوق المحلية، لكن أيضا بتطور المبيعات في السوق الليبية، إذ ارتفعت قيمة الصادرات من الجعة التونسية باتجاه ليبيا إلى نحو 777 ألف دينار تونسي بزيادة قدرها 283 بالمئة.

وكان تصريحات لرموز حزب النهضة حول استهلاك الخمور قد أثارت جدلا واسعا في أوساط التونسيين، لا سيما أولئك الذين يرون في الخمور رمزا لانفتاح البلاد الثقافي وجزء لا يتجزّأ من اقتصاد السياحة.

فبينما صرح راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، قبيل انتخابات أكتوبر أن تحريم الخمر في تونس سيكون “بصفة تدريجية” و ليس دفعة واحدة من خلال تقليص أوقات عمل الخمارات ورفع الضرائب على استهلاك الجعة والخمور، أكد حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية وأمين عام الحزب أن منع الخمر لن يزيد الوضع إلا تعقيدا و أن حكومته لن تقوم بغلق الخمارات، متسائلا في الوقت نفسه عن أسباب انتشار الخمر و المخدرات في البلاد بهذه الحجم.

موجات عنف

وقد دعت أطراف محسوبة على التيار السلفي مثل عادل العلمي رئيس الجمعية الوسطية للتوعية والإصلاح (التي كانت تسمى جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الحكومة التونسية إلى سحب رخص الحانات.

لكن الأمر لم يقف عند التصريحات، بل اجتاحت موجة العنف السلفي مناطق مختلفة من البلاد التونسية على غرار ولايات جندوبة وسيدي بوزيد و الكاف و بنزرت، مستهدفة بذلك العديد من النزل والخمارات و مخازن للمشروبات الكحولية أمام صمت حكومي، خصوصا من وزارة الداخلية التي يترأسها علي العريض، رئيس الهيئة التأسيسية وعضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة الإسلامية.

ويبدو أن العنف الموجه ضد المشروبات الكحولية ومحاولات ترويع تجارها ترك آثاره. فقد أعلن المدير العام لشركة التبريد ومعمل الجعة بتونس، حمادي بوصبيع، عن قرار تغيير اسم الشركة حيث وقع التخلي عن كلمة “الجعة” و استبدالها بكلمة “مشروبات”.

وبرر ذلك  بان الشركة ترغب في فصل نشاطها المتعلق بالمشروبات الخفيفة عن نشاط إنتاج الجعة (البيرة) للتعرف على النشاط الأقل ربحية.

وتجدر الإشارة إلى أن ارتفاع مبيعات واستهلاك الكحول وخاصة الجعة، لم تشهد له مثيلا شركة التبريد والجعة منذ بداياتها في الخمسينات، كما لم تنجح سياسات حكومة النهضة إلى اليوم من الحد منه.