“ثلاث سنوات سجن” هي عقوبة تسعة أشخاص من مدينة منفلوط محافظة أسيوط (حوالي 600 كلم جنوب القاهرة) قادوا، بحسب الجهات الرسمية، تظاهرة من حوالي 150 شخصا تندد بنقص اسطوانات الغاز.

“ثلاث سنوات سجن” هي عقوبة تسعة أشخاص من مدينة منفلوط محافظة أسيوط (حوالي 600 كلم جنوب القاهرة) قادوا، بحسب الجهات الرسمية، تظاهرة من حوالي 150 شخصا تندد بنقص اسطوانات الغاز.

[ibimage==1696==Small_Image==none==self==null]

قطع السكة الحديدية

وكان من ضمن فعاليات التظاهرة – وهنا يكمن جسم الجريمة – قطع طريق السكة الحديد المارة بالمدينة.واستندت المحكمة في قرارها، بحسب قانونيين، بشكل خاص إلى المادة (167) من قانون العقوبات التي تنص على أن “كل من عرض للخطر عمدا سلامة وسائل النقل العامة البرية أو المائية أو الجوية أو عطل سيرها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو بالسجن”.

عودة للقديم

الحكم الذي صدر في 16 آب/ أغسطس الماضي تزامن مع تصريحات لوزارة الداخلية تناشد المواطنين “الإلتزام بأساليب وضوابط التعبير السلمي عن الرأي الذى كفلة الدستور والقانون..”، إلا أن ثمة غموض يحيط ولا يزال بقرار المحكمة، فقطع الطرق بغرض التظاهر السلمي ظاهرة شائعة في مصر ما بعد الثورة، فلم صدر حكم بالسجن في هذه الحالة بالذات، وهل يعني استشهاد وزارة الداخلية بـ “ضوابط التعبير السلمي” أنه تم بالفعل ترسيخ آليات ومعايير تحكم عملية الاحتجاج السياسي، وهي ما افتقر إليه نظام مبارك؟

يبدو صدى تلك الأسئلة واضحا في تعليق جابر عبد المنعم، محامي أحد المدانين في القضية، على الحكم، إذ قال: “هناك سوابق لظاهرة قطع الطرق في المحافظات الأخرى، وبالرغم من ذلك لم يصدر فيها حكم بالسجن كما صدر في حق مواطني منفلوط، كما أنه ليس هناك معايير واضحة تأخذ بها المحكمة، فالقاضي يحكم ضميره”.

فيما يرد عليه الدكتور ثروت عبد العال، أستاذ ورئيس قسم القانون العام بجامعة أسيوط، قائلا: “هناك فرق، من الناحية القانونية، بين التجمهر والتظاهر، فالتظاهر يكون بقصد المطالبة بأشياء معينة والتجمع في أماكن محددة وبإذن من السلطات العامة، أي يكون وسيلة مشروعة للمطالبة بحق مشروع ويخضع للتنظيم القانوني، أما التجمهر فإنه تجمع عشوائي يترتب عليه قطع الطرق وتعطيل مصالح الناس، بمعني أنه وسيلة غير مشروعة للمطالبة بحق مشروع أو غير مشروع وهو في جميع الأحوال فعل مؤثّم جنائيا ويخضع لقانون العقوبات”.

كلمة السر: الإخطار

ووفقا لهذا التعريف، فإن إخطار الجهات الرسمية مسبقا هو ما ينقذ المتظاهرين من الملاحقة القانونية، وهو ما يؤكده  اللواء محمد إبراهيم، مدير أمن أسيوط، فالإخطار بحسب قوله عبارة عن طلب عادي يقوم بتقديمه لمديرية الأمن من يسعي للخروج في تظاهرة، فيحدد فيه توقيتها وعدد المشاركين ومطالبهم.

قد تثير تصريحات كهذه الريبة في نفوس البعض، فالمصريون في عهد مبارك اعتادوا جهازا أمنيا يفعل ما بوسعه لإحباط أبسط مظاهر الاحتجاج السياسي، وهو الجهاز نفسه بعد الثورة لم يتغير كثيرا، بل بعض قادته يزاولون مهنتهم بينما القضاء يفصل في اتهامات موجهة إليهم بقتل متظاهري 25 يناير، فهل يعقل أنه في غضون عام ونصف، تحول حق التظاهر في مصر من مسألة حياة أو موت إلى مسألة إجرائية ليس إلا؟

بين الأمن والمواطن ما صنع الحداد

لا شك أن الماضي مازال حيا، ولو في أذهان الناس. فالملفت للنظر أن مديرية أمن أسيوط، بحسب اللواء محمد إبراهيم، لم تتلق أية إخطارات بشأن تنظيم مظاهرات منذ اندلاع الثورة وإلى الآن، بينما بلغ عدد الفعاليات الاحتجاجية المئات. العلاقة بين المواطنين وأجهزة الأمن إذن كما هي عليه، على الرغم مما يغلب على تصريحات بعض قادتها من نبرة لين توحي بأن الدولة البوليسية مسألة ولت، وأن الخروج على سطوة أجهزة الأمن إجراء “عادي”.   

القانوني جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، يبرز المسألة ذاتها في تعليقه على الحكم الصادر ضد متظاهري أسيوط، فهو يعزو عدم قيام المواطنين بإخطار الشرطة بمظاهراتهم إلى أزمة ثقة بينهم وبين المسئولين، ويضيف: “الناس لا يزال لديها قناعة بأنها لن تتعامل بشكل آدمي وعادل.” بل وكثيرا ما يتعدى الأمر كونه مجرد توجس من أجهزة الأمن يرجع لخبرات سلبية سابقة، فعلى حد قول عيد لا تزال وزارة الداخلية بالفعل، ورغم ادعائها العكس، تتعامل بشكل غير آدمي مع التحركات الشعبية.