ملف الأمن في ليبيا هو الأكثر إثارة للجدل في الوقت الراهن، فغياب دور مؤسسات الدولة المسؤولة عن الأمن شجع على زيادة حالات الاختراق الأمني، ليس أقلها الهجوم الذي تعرضت الأضرحة الصوفية في عدة مدن، أوالتفجيرات التي حدثت أول أيام العيد في أحد الشوارع الرئيسية والأكثر حيوية في العاصمة طرابلس.

الجهات ذات العلاقة ما انفكت تنسب كل هذه الأفعال لأزلام النظام السابق أو المتعاونين معهم أو قابلي الرشاوى منهم، إلا أن المواطن الطامح إلى الاستقرار لا يرى أي خطوات جادة تمت في اتجاه ملاحقة هؤلاء المجرمين والقبض عليهم أو محاسبتهم.

ملف الأمن في ليبيا هو الأكثر إثارة للجدل في الوقت الراهن، فغياب دور مؤسسات الدولة المسؤولة عن الأمن شجع على زيادة حالات الاختراق الأمني، ليس أقلها الهجوم الذي تعرضت الأضرحة الصوفية في عدة مدن، أوالتفجيرات التي حدثت أول أيام العيد في أحد الشوارع الرئيسية والأكثر حيوية في العاصمة طرابلس.

الجهات ذات العلاقة ما انفكت تنسب كل هذه الأفعال لأزلام النظام السابق أو المتعاونين معهم أو قابلي الرشاوى منهم، إلا أن المواطن الطامح إلى الاستقرار لا يرى أي خطوات جادة تمت في اتجاه ملاحقة هؤلاء المجرمين والقبض عليهم أو محاسبتهم.

[ibimage==1590==Small_Image==none==self==null]

تفجير في طرابلس

هاشم بشر رئيس فرع طرابلس باللجنة الأمنية العليا يشرح لـ “مراسلون”  الظروف التي تواجه عمل اللجنة، ويروي القصة الكاملة لتفجيرات العيد في طرابلس.

س- ما هو آخر ما توصلت له تحقيقات اللجنة الأمنية العليا بخصوص التفجيرات التي وقعت صبيحة يوم العيد في طرابلس؟

ج- تفجيرات يوم العيد نستطيع القول بأنها لم تأتِ فجأة، وكنا نتتبع التحضيرات لها منذ حوالي ثلاثة أشهر، وعند مداهمة بيت أحد المشتبه بهم في منطقة العامرية بمدينة العزيزية جنوب طرابلس ويدعى (ص ع)، تثبتنا من وجود اتصال قوي بين بعض خلايا مؤيدي النظام السابق الموجودة في طرابلس، وخلايا في مدن أخرى من بينها الخلية التي قمنا بمباغتتها في منطقة العامرية.

المعلومة الأولية وصلتنا عن طريق اعترافات أحد المتهمين الرئيسيين المقبوض عليهم ويسمى (خ ج)، والذي اعترف بتقديم أموال لـ (ص ع) بهدف شراء صواعق ومتفجرات، وقد اكتشفنا أول عبوة منها بتاريخ 25/6/2012 في طرابلس قبل تفجيرها.

توالى بعد ذلك اكتشاف العبوات الأخرى بتواريخ متلاحقة، وتمكن أفراد اللجنة الأمنية العليا من تفكيكها جميعاً باستثناء التي انفجرت في شارع الرشيد المتفرع من شارع عمر المختار يوم 4 آب/ أغسطس واستهدفت مقراً للشرطة العسكرية، والجدير بالذكر أن العبوات التي قمنا بتفكيكها كانت جميعها مرقمة بتسلسل منتظم من 1 إلى 17.

ثم وقعت حادثة العيد المعروفة، وقد أفشلنا في ذلك اليوم أربعة تفجيرات في عدة مناطق من العاصمة، ثم جرى استهداف أفراد من الثوار واللجنة الأمنية بوضع عبوة أمام مطعم معروف بترددهم عليه في شارع عمر المختار، وقد انفجرت بالفعل وراح ضحية الانفجار شخصان، وبعد ساعات وقع انفجار آخر في شارع جاكرتا خلف وزارة الداخلية، حيث تمكنا من إفشال تفجير قنبلة بينما الأخرى سبقتنا للانفجار.

وللعلم لم تكن القنبلة التي تم إفشال انفجارها مرقمة كالمعتاد، بل كُتبت عليها كلمة “عيد”، ومن هنا بدأ تحرك أفراد قسم التحري وجمع الاستدلالات، والذي كان يملك مسبقا بعض المعلومات بهذا الخصوص، وبالتعاون مع التحريات في موقع التفجير ومن خلال رقم السيارة المتفجرة، تم تتبع المشتبه به الرئيسي، والذي قادنا للوصول إلى الفاعل عند الساعة الثانية والنصف ظهراً من نفس اليوم، تمكنا بعدها من الوصول إلى بقية المتهمين والذين اتضح ارتباطهم بالهاربين من أعوان القذافي في تونس ومصر.

س- لماذا لم تُخرج اللجنة الأمنية العليا المتهمين على وسائل الإعلام؟

ج- أنا أعتب في الحقيقة على وسائل الإعلام التي تطالبنا بالإفصاح عن جميع المعلومات وإظهار المتهمين فور الوصول إليهم، فهذا ينافي أبسط أبجديات العمل الأمني، أما عن عامة الشعب فهم يتفهمون دوافعنا لإخفاء بعض المعلومات، وهم يدركون أنهم الدافع والمحفز الحقيقي لنا.

كما أنه من واجبنا طمأنة الرأي العام طالما أن الأمور تحت السيطرة، وخير دليل على الثقة التي يشعر بها المواطنون وتواجد أعداد هائلة منهم في صلاة العيد بميدان الشهداء بعد وقوع الحادثة، وهو لا يبعد إلا مسافة قريبة عن موقع التفجير.

س- كيف تمكنت هذه “الخلايا النائمة من الأزلام” كما تسميها من العمل بأريحية كل هذه الفترة مع علمكم بتحركاتها وأماكن تواجدها؟

ج- أغلب هؤلاء في الحقيقة يستخدمون أوراقاً مزورة، وبعضهم للأسف يحمل بطاقة الثوار، هذا من جهة، من جهة أخرى لا يخفى على أحد أن هناك مناطق في ليبيا لازال أهلها يدينون بالولاء للقذافي، يعني بعبارة أخرى (أجسادهم معنا وقلوبهم تلعننا).

نحن نحاول ألا نقع في أخطاء أو نظلم أحداً، فمن يؤيد نظام القذافي في نفسه لا علاقة لنا به، نحن مشكلتنا مع من يحاول التوجه بالبلاد نحو العنف و يسير عكس اتجاه شرعية الدولة.

لتحقيق هذا الهدف تم إنشاء أقسام للتحري وجمع الاستدلالات في كل أفرع اللجنة الأمنية، وظيفتها متابعة الأزلام والمتربصين بليبيا وبالثورة.

تبقى القبلية والجهوية هي العائق الأكبر الذي يواجهنا، فلا نستطيع القبض على مطلوب من مدينة أخرى إلا بالتوجه إلى فرع اللجنة في تلك المدينة، ويحدث عادة أن يفشل الأمر بسبب التعصبات القبلية، وحتى عند إمساكنا بأحد المطلوبين نجد الوفود تتهافت من مدنهم للإفراج عنهم، وأحيانا يتدخل بعض مسؤولي الدولة لذلك.

س- هل نستطيع الجزم بأن هؤلاء المخربين يتلقون دعماً من خارج ليبيا سواء من مسؤولي النظام السابق الهاربين أو من غيرهم؟

ج- هذا مما لاشك فيه، أقسام التحري وجمع الاستدلالات استطاعت تتبع وإثبات هذا الأمر على أرض الواقع، ولوحظ تكرار دخول المشتبه بهم إلى تونس ومصر والنيجر والجزائر، كذلك عند القبض على المشتبه بهم وجدنا مكالمات تمت بينهم وبين بعض المشبوهين الفارين في الخارج.

س- هنالك اتهام من الشارع للجنة الأمنية العليا بالمشاركة في عمليات هدم الأضرحة ونبش القبور التي حدثت مؤخرا في ليبيا، كيف ترد ولماذا غبتم عن المشهد الأمني حينها؟

ج- نحن نستنكر بشدة الأعمال التي حدثت، ونحن كمؤسسة أمنية لم نشارك بتاتاً في مثل هذه العمليات، ولكن شارك فيها عدة أفراد ينتمون للجنة بصفتهم الشخصية، وهم لا يمثلون اللجنة.

نحن لم نتمكن من مواجهة تلك العمليات بالقوة نظراً لكثرة أعداد المشاركين فيها، وتوزع العمليات على ستة أو سبعة مواقع في ذات الوقت مما صعب علينا المهمة.

س- كيف أثر موضوع استقالة وزير الداخلية السيد فوزي عبد العال ومن ثم تراجعه عنها على أداء الجهات الأمنية في ليبيا؟

ج- اللجنة الأمنية العليا مهمتها المحافظة على الأمن في كل الظروف،  بغض النظر عن أي شخص مسؤول يترك منصبه أو يبقى فيه، كما أننا نتجنب الولوج في أي نقاشات بعيدة عن صلب عملنا.

س- لو تطرقنا إلى عمليات القبض والاعتقال التي تقوم بها سرايا اللجنة الأمنية، هل جميعها تتم بمذكرات اعتقال وبآلية سليمة؟

ج- للأسف 70% من مثل هذه العمليات تتم دون مذكرات أو أوراق اعتقال، حيث تقع عمليات المداهمة والقبض غالباً في حالة تلبس، خاصة من قبل سرايا الإسناد، أما عن أقسام التحري والقبض والتوثيق والمعلومات فهم يقومون بذلك بآلية سليمة وباستخدام أوامر قبض رسمية.

س- هل جميع السجون الموجودة بطرابلس تحت مظلة وزارة العدل؟

ج- ليست كل السجون منضوية تحت مظلة وزارة العدل، السجون التابعة لوزارة العدل هي السجن المفتوح الذي سلمناه في شهر نوفمبر الماضي، وسجن عين زارة، أما سجن الرويمي فقد تم ضمه لوزارة الداخلية.

لقد قمنا بإصدار أوامر بإلغاء جميع السجون التابعة لسرايا الثوار في طرابلس، ولم يعد يسمح لأي سرية بإقامة سجن أو معتقل داخل مقراتها، وقد كلفنا مكاتب تفتيش ومتابعة تتابع هذه العملية، وسمحنا كحد أقصى بتوقيف المتهمين لمدة 48 ساعة داخل السرية ثم يتم تحويلهم إلى اللجنة الأمنية.

س- ما هو مستقبل اللجنة الأمنية العليا في ظل انتقال السلطة والاقتراب من تشكيل مؤسسات الدولة؟

ج- هذا الأمر هو تشريعي محض، وهو بيد المؤتمر الوطني العام المنتخب من الشعب، والحكومة القادمة المنبثقة عنه، ما أود التنويه إليه هو أن الإلغاء المباشر للجنة الأمنية أو أي إجراء آخر غير مدروس بدقة سيسبب كارثة، لأنها كانت البوابة الرئيسية لاحتواء أعداد كبيرة جداً من الثوار، وهو ما جنب البلاد الكثير من المشاكل.

س- يصل عدد العاملين في اللجنة الأمنية العليا إلى حوالي مائة وخمسين ألف عضو، عدد قليل منهم فاعلون على أرض الواقع. كيف تتعاملون مع هذا الخلل؟

ج- هناك الآن خطة تعد لتنظيم هذه الأعداد ودمجها بطريقة علمية في الأجهزة الأمنية الدائمة في الدولة، وتحويل الملاك الوظيفي الزائد على وزارة العمل لتقرر الأفضل بشأنه.

س- أخيرا هل نستطيع القول بأن الوضع الأمني في العاصمة منفلت؟

لكي نستطيع الحكم على المشهد الأمني لا بد من أخذ كافة الظروف بعين الاعتبار، ففي ظل وجود أصحاب السوابق والمجرمين الذين أخرجهم القذافي من السجون واستخدمهم كبلطجية ضد الثوار ولازالو يتمتعون بالحرية، فضلاً عن الأزلام الذين يتربصون بالبلاد في الخارج والداخل، وكذلك انتشار السلاح وعدم تفعيل مؤسسات الدولة نستطيع القول بأن الوضع الأمني جيد.

لضمان الأمن لا بد أن يقوم المؤتمر الوطني العام بإصدار قوانين تقضي بتجريم امتلاك الأسلحة والمتاجرة بها، كذلك لا بد من وجود إرادة سياسية للمطالبة بتسليم الأزلام، بذلك نغلق باباً كبيراً للفتنة والانفلات الأمني.