على الرصيف النهري في مرسى قرية دير البرشا بمركز المنيا كان عاطف شوقي شيخ صيادي الشاطئ يتابع من الخصّ (بيت القصب) أحوال مراكبه وشئون زملائه.

وبرغم خبرته الطويلة في تمثيل الصيادين يجد شوقي صعوبة كبيرة في شرح واقع الحال “المعقد بيروقراطيا” بحسب وصفه.

ففي هذا المكان الذي يبعد نحو 250 كلم جنوب القاهرة، “تتداخل مسئوليات أجهزة الدولة مع بعضها البعض وتتشابك التعليمات المتصلة بالصيد”، يقول.

على الرصيف النهري في مرسى قرية دير البرشا بمركز المنيا كان عاطف شوقي شيخ صيادي الشاطئ يتابع من الخصّ (بيت القصب) أحوال مراكبه وشئون زملائه.

وبرغم خبرته الطويلة في تمثيل الصيادين يجد شوقي صعوبة كبيرة في شرح واقع الحال “المعقد بيروقراطيا” بحسب وصفه.

ففي هذا المكان الذي يبعد نحو 250 كلم جنوب القاهرة، “تتداخل مسئوليات أجهزة الدولة مع بعضها البعض وتتشابك التعليمات المتصلة بالصيد”، يقول.

[ibimage==1560==Small_Image==none==self==null]

صياد بدير البرشا

ويوضح أن الصيادين بلا جهة واضحة يمكن التعامل معها، فالصيد في النيل تشرف عليه وزارة الزراعة والري المسئولة عن المجرى المائي ووزارة شئون البيئة التي تتحقق من شروط انضباط البيئة المحيطة، ولكل من هاتين الجهتين قوانينه المتضاربة مع الآخر، وبالتالي “لا يعرف الصياد الضوابط ولا الفوارق القانونية أو مساحات مسئولية كل منهما”.

من هنا، يقول شوقي، جاءت الحاجة إلي نقابة تستطيع التفاوض بين الطرفين، “فالجهتان تهملان مصالح الصيادين، تطبقان القانون وتحصلان الغرامات دون فهم لطبيعة المهنة”.

نقابة للصيادين

جاءت فكرة إنشاء نقابة للصيادين كمبادرة ذاتية من أصحاب المهنة لتوحيد صفوفهم، وبالرغم من أنها لا تزال قيد الإنشاء أصبحت موطن آمال الكثير منهم.

في مقر مركز “الحياة الأفضل” بمدينة المنيا لخّص ماهر بشري أحد الأعضاء المؤسسين مهام نقابته في تحقيق بضعة مطالب على رأسها رفع معاش الصيادين التقاعدي ليزيد عن الـ 80 جنيه الحالية شهريا (حوالي 16 دولار أمريكي)، وتخفيض سن التقاعد من سن 65 سنة إلي 55 سنة، وتغطية أسر الصيادين بتأمين صحي شامل، وتعديل التشريعات التي تنتهك حقوقهم، كذلك المساهمة والتعاون في مجال مكافحة التلوث والصيد الجائر، وتأسيس صندوق زمالة لرعاية الصيادين في أشهر التكاثر السمكي التي يمنع فيها الصيد.

ويكشف بشري أن “النقابة ستكون جزءً من سلسلة نقابات يجري إنشاءها لضم كل صيادي النهر علي مستوي الجمهورية”.

مشكلة الأخوار   

إلا أن من أبرز المشكلات التي تؤرق شيخ الصيادين ومؤسسي النقابة الجديدة هي مشكلة الأخوار، والمقصود تلك الممرات الفرعية في وسط النهر أو علي جانبيه، والمعروفة بأنها بيئة ممتازة للصيد حيث تكثر الرواسب ويستقر وليد الأسماك فيما يشبه المزارع الطبيعية. هذه الممرات تتعرض للردم، كما أن حق الانتفاع بها أصبح مقصورا على عدد محدود من الصيادين بحسب شوقي.

[ibimage==1566==Small_Image==none==self==null]

الصيادون هجروا النهر

إضافة إلى مشكلة الأخوار يؤدي استخدام بعض محتكري الصيد الكبار لأنماط من الصيد الجائر المخالف للبيئة، يؤدي إلى تلوث السمك وتأثيره على صحة المستهلك. فبعض الصيادين يلجأ إلى إستخدام بوردة قاتلة تعمل علي تخدير الأسماك وتلوثه كمنتج غذائي، كما انتشرت أنواع صيد مخالفة أكثر فتكا في غياب أو فساد أجهزة البيئة مثل الصيد بأنابيب الغاز، وفقا لقول الصياد.

مافيات الصيد

على الضفة الأخرى من النهر بالبر الغربي، كان وصول الصياد أشرف سيد بمركبه فرصة لمعاينة الوضع في عرض المجري أثناء عمله.

يشير سيّد إلى مناطق الأخوار قائلا إن”الترخيص بالصيد في الأخوار يخضع لعلاقتك بمافيا مكونة من كبار الصيادين والعاملين في الهيئة العامة للحفاظ علي الثروة السمكية، وبعض العاملين في الجمعيات الأهلية”.

ويضيف أن “الترخيص بالصيد مقصور على الكبار ممن يستطيعون دفع الرشى والقادرين على إقامة شبكة مصالح، ثم يتم تأجير الأخوار لصغار الصيادين من الباطن مقابل أضعاف ثمن ما أخذه كبار الصيادين”.

ويوضح أشرف أن “الصياد الكبير يستأجر الخور من الدولة بـ 300 جنيه (حوالي 48 دولار أمريكي) مقابل الفدان، ثم يعطيه للصياد الأصغر بـعشرة أضعاف الرقم”.

الجمعيات الأهلية

وسط هذا الواقع الذي يعيش فيه الصيادون تقوم جمعيات أهلية في المنيا بجهود لتحسين ظروف الصيادين.

نيسان عادل مدير “مشروع حماية الصيادين” وهي واحدة من ست جمعيات أهلية عاملة في المنطقة، يقول أن هذه الجمعيات تأسست منذ فترة طويلة، إلا أنها كانت تعاني ضعف التمويل، وكل ما تفعله حاليا هي مساعدة الصيادين في تصريف الإنتاج أو تحسين مساكن عيشهم.

فمن بين 10 ألاف صياد يعملون هناك 1883 مسجلون ومرخص لهم بالصيد، في حين يلجأ معظم الباقين إلي الصيد بطرق غير مشروعة. والجمعيات بحسب عادل “حاولت أن تمنع تدهور هذا الوضع إلي كوارث، خاصة وأن النظام وأجهزته قاوموا فكرة إنشاء نقابة للصيادين”.

وزارة للصيد

لكن دور الجمعيات الأهلية وطريقة عملها مثار انتقادات من قبل الصيادين أنفسهم. إذ يشتكي الصياد سيد من أن بعض الجمعيات الأهلية كانت تتلقى تمويلا لدعم الصيادين لكنها دخلت على حد قوله في “منظومة الفساد مع الأجهزة الحكومية”.

في المقابل يتمنى سيد أن تنجو النقابة الجديدة من مسار الفساد، فدور النقابة سيكون “الدفاع عن مصالح أعضاءها بالإضافة لعمل تأمين صحي للعاملين، كما أنها ستكون الذراع التفاوضي لإقامة تعاونيات مسئولة عن تسويق المنتج بعيدا عن احتكار الكبار من الصيادين”، يقول سيد.

ويشير إلى أن صلاح بيئة النهر للصيد هو هم الصيادين الحقيقي، فلابد من منع الصيد وقت التكاثر وعدم ردم الأخوار، فهذه المشكلات لا تخص صيادي المنيا فقط، بل كل صيادي النهر وأفرعه التي يزيد طولها عن ألف وخمسمئة كيلو في مصر، لذا يقترح ضرورة إنشاء وزارة للصيد البحري والنهري.