سماح أو “سوسو” كما تحب ان تناديها ابنتها ذات الربيع الرابع من عمرها هي أم عزباء تعمل كمعينة منزلية لدى احدى العائلات الثرية بالضاحية الشمالية للعاصمة.
ترددت كثيرا قبل موافقتها على سرد قصتها لموقع “مراسلون” ورفضت نشر صورتها احتراما لسمعة ابنائها في المستقبل كما تقول، فهي تعتبر ان المجتمع التونسي “مستبد وقاسٍ” على الحالات الاجتماعية الفريدة كحالتها.
هذه الشابة هي واحدة من بين حوالي ألف امرأة يحملن سنويا لقب “أم عزباء” عن رغبة أو خارج إرادتهن وذلك نتيجة ولادة خارج إطار الزواج.
سماح أو “سوسو” كما تحب ان تناديها ابنتها ذات الربيع الرابع من عمرها هي أم عزباء تعمل كمعينة منزلية لدى احدى العائلات الثرية بالضاحية الشمالية للعاصمة.
ترددت كثيرا قبل موافقتها على سرد قصتها لموقع “مراسلون” ورفضت نشر صورتها احتراما لسمعة ابنائها في المستقبل كما تقول، فهي تعتبر ان المجتمع التونسي “مستبد وقاسٍ” على الحالات الاجتماعية الفريدة كحالتها.
هذه الشابة هي واحدة من بين حوالي ألف امرأة يحملن سنويا لقب “أم عزباء” عن رغبة أو خارج إرادتهن وذلك نتيجة ولادة خارج إطار الزواج.
تقول سماح إن قصّتها لا تشبه قصص الآخريات وأنها عاشت أمومتها بطريقة غريبة مرتين على التوالي، الأولى كانت من دون زواج، والثانية كانت “شرعية” لكن ينقصها الإشهار وإعلام من يهمهم أمرها.
طردوها من المنزل
تقول سماح التي تنتمي لأسرة متوسطة الحال من ولاية بن عروس (جنوب العاصمة تونس) بينما كانت تتكّئ على الأريكة تحضن بقوة ابنها الرضيع ذا الشهور التسعة الذي أنجبته من علاقتها الثانية:
“لن أكذب عليك وأدعي أنني قادمة من الريف واني دخلت سرداب العاصمة المظلم بكل براءة واني فتاة لا تفقه في عالم العلاقات الاجتماعية أي شيء، على العكس تماما، كنت أعمل موظفة بإحدى مراكز النداء الكبرى بالعاصمة”.
وتضيف “أحببت بصدق وتمنيت لنفسي مستقبلا أفضل لكني كنت على عجلة من امري ربما يكون هذا هو السبب في تعاستي اليوم”، تقولها وتتنهد بعمق.
وعن تفاصيل ما حصل لها تقول “تعرفت على زميل لي كان يعمل معنا بعد الظهر لأنه كان في الآن نفسه يزاول تعليمه في كلية الهندسة بتونس وكان يسعى لتحسين ظروفه المادية من خلال هذا العمل المؤقت”. وتستعيد شريط الأحداث قائلة “أحببته بصدق ولم اتردد في اقامة علاقة جنسية كاملة معه ومنذ اليوم الذي عرف فيه حملي لم أجد له أثرا”.
ذهبت سماح الى الكلية التي يدرس بها زميلها فكانت الصدمة الكبرى حينما علمت أنه كان بالفعل طالبا سابقا في كلية الهندسة لكنه منقطع عن الدراسة منذ ثلاث سنوات تقريبا. وكان وجودها دون سند وقلة خبرتها فضلا عن خوفها الشديد من الأسباب التي منعتها ،كما تقول، من إجهاض الجنين.
ولمّا لم تستطع سماح مواصلة اخفاء الحمل عن أسرتها واجهتهم بالحقيقة فطردها أهلها من المنزل كي لا تتسبب بـ “فضيحة” بحسب قولها، ومرت الشهور وأصبحت أما لابنتها التي اختارت لها من الأسماء “أمل”.
زواج سرّي
قصة سماح ليست حالة منفردة بل تتكرر مع فتيات من مختلف الأوساط الاجتماعية. الملفت أن مأساتها تكررت مرة أخرى لكن بفصول مختلفة حينما تعرفت على صاحب المطعم الذي عملت فيه كطباخة والذي وعدها بالزواج لكن بشروط أهمها السرية وعدم التفكير في الانجاب.
وتعترف سماح بأن صاحب المطعم وفّر لها كل شيء وأجّر لها بيتا وكان يهتم بابنتها ويعاملها بحنان، إلا أنه في اليوم الذي عرف انها حامل “جن جنونه”، تقول وتضيف: “عاملني بكل قسوة لأني رفضت تنزيل الجنين”.
اما اليوم، وبعد مرور قرابة السنة على زواجها السرّي، عادت سماح امرأة مطلقة تعول طفلين. وتقول “لم أستطع اثبات نسب ابني الا بعد 7 شهور من ولادته لتهرب والده من اجراء فحص الحمض النووي”.
90 بالمئة أميّات
لم تتلق سماح أية مساعدة من الجمعيات الخيرية التي تعنى بالأسرة والطفل وبالأمهات العازيات بل قالت إنها لم تكن تعرف بوجود مثل هذه الجمعيات أصلا.
وتفتقر تونس بشكل واضح الى الجمعيات او الهياكل المتخصصة في احتواء وتمكين الامهات العازبات. وتعتبر جمعية “أمل” للإحاطة بالأمهات العازبات هي الرائدة في هذا المجال والوحيدة التي تتعهد بكافلة الام وطفلها معا. وتستقبل سنويا معدل 50 أمّاً عزباء بصحبة الاطفال الرضّع.
وتعمل الجمعية على توفير المساندة النفسية والقانونية لهذه الام وتوفر لها التأطير الاجتماعي اللازم من صحة وسكن علاوة على متابعة الادماج الاجتماعي للأم ومساعدتها على ايجاد عمل.
وفي تصريح لـ”مراسلون” أفاد مالك الكفيف رئيس جمعية “أمل” أن 90 بالمئة من الامهات العازبات اللاتي تطلبن المساعدة من الجمعية هن أميات أو مستواهن التعليمي لا يتعدى المرحلة الابتدائية.
ويؤكد أن معظمهنّ ينتمين إلى الفئة العمرية بين 20 و30 سنة وذلك بنسبة 33% من مجموع الأمهات العازبات، تليها الفئة العمرية بين 15 و20 سنة وذلك بنسبة 27%.
ويضيف الكفيف “نحن لا نكتفي بتقديم الرعاية الصحية والاجتماعية للام العزباء وطفلها فقط بل نسعى الى توجيهها قصد التحصل على حقوقها بصفة قانونية إما عن طريق محامي الجمعية او عن طريق هيئات حقوقية مختصة في المجال”.
كما تفتح الجمعية أبوابها للأم العزباء حتى قبل الولادة. فبعض الأمهات الشابات يلتجئن للجمعية قبل الولادة لافتقارهن لمصاريف الولادة والعلاج وحتى لأسباب نفسية هروبا من سطوة العائلة والمحيط الاجتماعي.
لا حرية مطلقة
وعلى خلاف نشاط هذه الجمعية، سبق لأعضاء عن حركة النهضة الإسلامية في المجلس التأسيسي (البرلمان المؤقت) أن رفضوا التضامن مع النساء العازبات بوصف الظاهرة “مثيرة للاستغراب” لا تتفق مع تقاليد المجتمع الإسلامي.
وقالت سعاد عبد الرحيم عضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة ذات الغالبية البرلمانية “ليس هناك حرية مطلقة ويجب أن تحترم المعتقدات”.
وأضافت عبد الرحيم في حديث إذاعي بث على هواء إذاعة موني كارلو أواخر العام المنصرم وأثار زوبعة من ردود الفعل “ليس من المعقول أن يكون هناك قانون لحماية الأمهات العازبات في مجتمع عربي مسلم إلا في حالات الاغتصاب”.
إحصاءات رسمية
وتشير احصائيات قدمتها سامية بن مسعود منسقة برنامج رعاية الامهات العازبات في جمعية “أمل” الى ان معدل الولادات خارج اطار الزواج سنويا يقدر بـ 1060 ولادة أي بمعدل نحو 3 أطفال يوميا.
ولئن كانت هذه الاحصائيات ناتجة عن رصد ودراسة إلا أنها لا تعكس الواقع، ذلك ان بعض الولادات لا يعلن عنها مثل الولادات بالمصحات الخاصة أو الولادات بالمنازل اضافة الى التصاريح الخاطئة التي تعمد فيها الام الى القول بأنها متزوجة في حين انها ليست متزوجة.
ويقول المختصون ان عدد الولادات خارج اطار الزواج المسجلة سنويا يشهد ارتفاعا لا يمكن تحديده لافتقار الاليات العلمية والمادية لإجراء هذه الاحصائيات بصورة دورية.
إنصاف القانون
وكان المشرع التونسي أعطى الأم التونسية منذ سنة 1998 الحق في إثبات نسب طفلها الذي انجبته خارج إطار الزواج الرسمي، وذلك بطرق عدة من بينها التحليل الجيني أو توفر الشهود، وهو ما يمكن المولود من التمتع بكافة حقوق الابن الشرعي.
هذا القانون وقع تنقيحه سنة 2003 وأصبح القانون الجديد يلزم المدعى عليه (أي الأب المفترض) باجراء التحليل الجيني بحكم قضائي ويعتبر القانون تخلف الأب إثباتا ضمنيا للأبوّة.
ويقول مراقبون إن القانون الجديد من أكثر القوانين دعما لموقف الأم العزباء قياسا بقوانين بلدان عربية وإسلامية تجد أعذارا مخففة حتى لقتل المرأة في حالات الحمل غير الشرعي.