في ورشة كبيرة تقع على شاطئ الآنفوشي بمنطقة بحري (غربي الاسكندرية) يقف “حضورني” وسط عماله ممسكا بمنشار خشبي موزعا مهمات اليوم عليهم. ملامح وجهه الصلبة تعكس رحلة الشقاء والمتعة مع مهنته التي يمارسها منذ طفولته وهي بناء السفن.

[ibimage==1602==Small_Image==none==self==null]

“حضورني” وسط عماله

البدايات

يقضي محمد محمود قاسم الشهير بـ “الحضورني” معظم وقته في ورشته، يصنع السفن ومراكب الصيد والقوارب واليخوت ويتفنن بشكلها الجمالي وكأنها قطعه فنية يقوم بنحتها.

في ورشة كبيرة تقع على شاطئ الآنفوشي بمنطقة بحري (غربي الاسكندرية) يقف “حضورني” وسط عماله ممسكا بمنشار خشبي موزعا مهمات اليوم عليهم. ملامح وجهه الصلبة تعكس رحلة الشقاء والمتعة مع مهنته التي يمارسها منذ طفولته وهي بناء السفن.

[ibimage==1602==Small_Image==none==self==null]

“حضورني” وسط عماله

البدايات

يقضي محمد محمود قاسم الشهير بـ “الحضورني” معظم وقته في ورشته، يصنع السفن ومراكب الصيد والقوارب واليخوت ويتفنن بشكلها الجمالي وكأنها قطعه فنية يقوم بنحتها.

تربى هذا الرجل في المنطقة نفسها التي يعمل فيها وتعلم المهنة وهو في سن الرابعة عشرة أي منذ 37 عاما، وسط رائحة البحر وبين المراكبية والصيادين والنجارين. وهو يبدأ يومه بالقدوم إلي ورشته في السابعة من صباح كل يوم، ينظف الورشة من بقايا الأخشاب والنواشر ثم يرش المياه لكي “تجيب الخير والبركة علي الأرض”، بعدها يستكمل العمل في القوارب التي بدأ فيها في اليوم السابق.

الصناعة حرفة في الأساس

“ام أتعلم ولم أحصل على شهادة، ولا احسن القراءة ولا الكتابة”، يقول “حضورني”.  وإنما تعلم المهنة عن خاله عندما بدأ العمل وهو طفل في ورشته.

ويتذكر “حضورني” مبتسما أن أول مركب صنعها في حياته كانت عندما شاهده ضابط بحري بالصدفة وهو يعمل في الورشة وأعجب بعمله، ثم جاء في أحد الأيام وطلب منه أن يصنع قارب صيد صغير له، وسأله عن تكلفته، فأجابه “حضورني” دون أن يفكر “5 الاف جنيه” فوافق وصنع له القارب وأعجب الضابط به جدا. يقول “حضورني” “كان لهذا الرجل تأثير كبير في حياتي لأنه شجعني علي العمل. ومنحني أول فرصة لأثبت مهارتي”.

خطوات العمل

ويشرح “حضورني” طبيعة عمله كالتالي، أول خطوة في تصنيع المركب أيا كانت هو إعداد الرسوم الهندسية، مؤكدا أنه يقوم برسمه بذاته دون الاستعانة بخبراء أو مكتب هندسي، فالرسم الجيد من وجهة نظره يأتي “بالخبرة والفن وليس محتاجا لتعليم أو شهادات”.

الخطوة الثانية هي تحضير المواد اللازمة لبدء التنفيذ، وهي معظمها من الخشب أو الحديد.

[ibimage==1614==Small_Image==none==self==null]

مراكب صيد تحت التصنيع

ويقول إن استخدام الخشب فقط في بناء السفن  يقلل من درجة الأمان لذلك فإن سعره رخيص، عكس الحديد الذي يزيد من التكلفة الكلية. ثم يستعين بـ”السباك والبوهيجي والميكانيكي والحداد والكهربائي والنجار” من أجل تركيب الأجزاء المختلفة.

ويوضح “حضورني” أن عملية تصنيع المركب تستغرق من 6 أشهر إلى عام كامل حسب إمكانيات المالك، مشيرا إلى أن تكلفة اليخت تبدأ من نصف مليون جنيه(83 ألف دولار)، وتصل إلى نحو 18 مليون جنيه(6 مليون دولار)، مؤكدا أن تكلفة مركب الصيد الحديد تصل 600 الف جنيه(90 ألف دولار)، بينما يصل سعر المركب الخشب 130 ألف جنيه(22 ألف دولار)، لافتا إلى انه صنع أكثر من 20 مركب وسفينة طيلة حياته.

المهنة تعاني بسبب الثورة

يتذكر “حضورني” أن أول يومية أخدها كانت عبارة عن 25 قرشا بالإضافة إلى 10 قروش من أجل الغداء، وبذلك تكون الحصيلة جنيهان في الاسبوع. ثم زاد دخله تدريجيا حتى وصل في فترة من الفترات إلى 100 ألف جنيه (22 ألف دولار) في السنة، كما يقول. لكن ذلك تغير على نحو كبير بعد الثورة.

فقد أصبح العمل شبه متوقف بسبب ارتباك الأوضاع الاقتصادية بعد الثورة، وأصيب السوق بركود وكساد غير عادي حتي وصل به الآمر الآن أن يقوم بتصنيع مراكب الزينة صغيرة الحجم وبيعها للسائحين بـ40 جنيهاً حتى يتمكن من إسكات جوع أولاده، علي حد قوله.

[ibimage==1608==Small_Image==none==self==null]”حضورني”

ويروي “حضورني” أنه كان قد تعاقد قبل قيام الثورة مع رجل أعمال ليبي على تصنيع يخت صغير قيمته 500 ألف جنيه، ودفع الرجل مقدما يبلغ 10 ألاف جنيه، ثم حدثت الثورة ولم يأتِ من لحظتها ولم يتصل، وهذا ليس سوى مثال وهناك غيره من الاتفاقات الكثيرة والتي قضت عليها الثورة، كما يقول “حضورني”.

مستقبل المهنة

ويوضح “حضورني” أن عدد نجاري السفن الذين يعملون في منطقة الميناء كان يصل قبل الثورة إلى نحو ألفين نجار، لكن هذا العدد قل تدريجيا، وأصبح عدد الذين لا يزالون يزاولون المهنة لا يتجاوز المائة نجار، كما قال .

لكن ترى ما هو مستقبل مهنة بناء السفن في ظل هذه الظروف؟ يقول “حضورني” إن معظم زملائه بالمهنة، وكان أشهرهم المعلم منتصر وأولاده، تأثروا بالثورة فتركوا المهنة تصنيع القوارب الصيد وأصبح عملهم في صيد السمك، وتساءل “حضورني” مهموما عن مستقبل المهنة قائلا “ماذا يفعل النجارون بعد أن قضت الظروف المصاحبة للثورة على المهنة التي تربوا فيها، وعلى آلاف الأسر معهم. لا سبيل أمامهم إلى البحث عن أعمال أخرى بحثاً عن الرزق حتي يتمكنوا من العيش وتربية أولادهم”.