“أنا أدافع على امرأة وسطية، معتدلة، لا أتهمها بالهذيان الديني إذا ما ارتدت الحجاب أو النقاب ولا أقول أنها اجتثت من جذورها العربية الإسلامية إذا كانت سافرة”. بهذه الكلمات لخّصت سعاد عبد الرحيم عضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة موقفها من المرأة المحجبة وأيضا السافرة، وبهذه الكلمات ترد على خصومها الذين يعتبرون سفورها في حزب ذي مرجعية إسلامية نشازا مثيرا للجدل.

“أنا أدافع على امرأة وسطية، معتدلة، لا أتهمها بالهذيان الديني إذا ما ارتدت الحجاب أو النقاب ولا أقول أنها اجتثت من جذورها العربية الإسلامية إذا كانت سافرة”. بهذه الكلمات لخّصت سعاد عبد الرحيم عضو المجلس التأسيسي عن حركة النهضة موقفها من المرأة المحجبة وأيضا السافرة، وبهذه الكلمات ترد على خصومها الذين يعتبرون سفورها في حزب ذي مرجعية إسلامية نشازا مثيرا للجدل.

صعود سعاد عبد الرحيم المباغت على المسرح السياسي، ملامحها الجادة، نمط لباسها الغربي في مقابل انتمائها لحزب يستلهم أدبياته من الشريعة الإسلامية، جعلها أكثر امرأة تونسية خطفت الأضواء واحتكرت أركانا قارة في الإعلام المحلي والعالمي لأسابيع قبل موعد الحسم في انتخابات المجلس التأسيسي.

الصيدلانية البالغة من العمر 47 عاما والأم لطفلين تضع حياتها العائلية والأسرية تحت عنوان “سرّي للغاية” ولا تسمح لأحد بالنبش فيها، ناهيك عن مسارها السياسي الذي ما زال يكتنفه الغموض وتطرح حوله التساؤلات رغم الشهرة السياسية التي باتت تحظى بها.

لا أحد يعلم حقيقة بداية العلاقة بين سعاد عبد الرحيم التي توقّف نشاطها السياسي “عمليا” عند أسوار الجامعة التي تخرّجت منها سنة 1992 -وهو أيضا تاريخ استفحال أزمة الإسلاميين مع نظام بن علي الذي زجّ بأكثر من 30 ألفا منهم في غياهب السجون– وبين حركة النهضة التي لم ينج تقريبا مناضل من مناضليها نساء ورجالا من السجن أو التهجير الإرادي أو القسري.

تزامن التحاق سعاد عبد الرحيم بكلية الصيدلة في 1984 مع أزمة سياسية واجتماعية استبدت بالبلاد توجت بـ “انتفاضة الخبز” التي اندلعت على خلفية رفع سعر الرغيف، وجعلت الشعب التونسي ولأوّل مرة يخرج عن عصمة الزعيم بورقيبة ليثور ضدّ التهميش والفقر والإقصاء.

أحداث الانتفاضة أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، وكان للرئيس مخلوع دور البطولة في قمعها.

هذه اللحظة الفارقة أثّرت في الشابة سعاد التي تحوّلت فجأة من تلك الصبية المهتمة بعلوم الصيدلة إلى فتاة متمرّدة رافضة لوصاية الزعيم، فكان انخراطها في الاتحاد العام التونسي للطلبة ذي التوجهات الإسلامية سنة 1985 بداية نشاطها الطلابي السياسي والنقابي.

نشطت عبد الرحيم سياسيا في رحاب الجامعة وكانت عرضة للطرد من الحرم الجامعي أكثر من مرة ولكن كل مرة تعود أكثر إصرارا على النجاح وأكثر استبسالا في الدفاع على إيمانها الراسخ بأن البلاد كما تقول كانت تحتاج لمن يقول “لا”.

جاء طردها من كلية الصيدلة على خلفية نشاطها السياسي وبدعوى تحريضها الطلبة على الثورة ضدّ نظام الحكم، ممّا اضطرها للالتحاق بالعاصمة تونس لتدرس اختصاصا آخر هو علوم الزراعة ومن ثم عادت لتستكمل دراستها في كلية الصيدلة بالمنستير لتحصل على الشهادة العليا في علوم الصيدلة بداية التسعينات.

قبل الثورة وحتى بعدها بأسابيع لم يكن اسم سعاد عبد الرحيم يعني شيئا في الساحة السياسية إلى أن حانت اللحظة التي ستجعل منها معادلة صعبة وغريبة في الحياة الحزبية والسياسية المحلية.

فعندما رشّحها حزب حركة النهضة ذو المرجعية الدينية لخوض انتخابات تشرين أول /أكتوبر على رأس قائمة دائرة تونس 2، هذه الدائرة التي أطلق عليها الساسة اسم “دائرة الموت” لصعوبة النجاح فيها بالنظر للوزن السياسي للشخصيات المتنافسة، حبس أنصار الحركة أنفاسهم خشية أن يضيع المقعد من امرأة “سافرة” تتبع حزبا ذا مرجعية إسلامية.

وسط جحافل المحجبات من حركة النهضة تصدّرت عبد الرحيم المشهد ليعتبرها الخصوم عملية تجميلية قامت بها الحركة لإقناع المجتمع أنها حركة مدنية لن تسلط سيف الشريعة على رقبة الشعب ولن تقمع الحريات العامة. وقد اعتبرها البعض الآخر بالون دعاية انتخابية. لكنها لم تلتزم الصمت وقالت “لست رياضية أو مطربة أو اسما لامعا لتتاجر بي النهضة انتخابيا”، مؤكدة أن الحركة منفتحة على كل أطياف المجتمع وتؤمن بمدنية الدولة وبالحريات، وأن تواجدها في صفوف النهضة هو رسالة مشفرة للشعب التونسي بأن لا نكوص على المكتسبات الحضارية للبلاد.

لكن موقف عبد الرحيم من الأمهات الغير متزوجات من على هواء إذاعة “مونت كارلو” أطفأ الكثير من الأضواء التي أحاطت بها، وخيب آمال بعض ناخبيها. فاعتبارها أن “الحرية لا يمكن أن تكون مطلقة” وقولها أن “ليس من المعقول أن يكون هناك قانون لحماية الأمهات العازبات في مجتمع عربي مسلم إلا في حالات الإغتصاب” رأى فيه الكثيرون إقصاءً وتهميشا لفئة من الشعب في بلد يفتخر بالمكاسب التي حققتها المرأة.

ومنذ هذه الحادثة تواجه سعاد عبد الرحيم عضو المجلس التأسيسي انتقادات من علمانيي تونس والحركات النسوية رغم سعيها لتكون “منصفة للحقوق والحريات” كما تقول.

سعاد عبد الرحيم لم تهادن السلفيين ودعت إلى ضرورة تطبيق القانون على كل من يدعو إلى العنف أو يمارس الاعتداء على الآخر تحت مظلة الدين وتقول “نحن في مفترق طرقات ولا بد من اتخاذ قرارات جريئة في هذا الشأن مع التأكيد على ضرورة احترام الرأي والرأي المخالف والتأكيد على مبدأ حرية الانتماء والتفكير”.

خصومها وأنصارها يقولون أن المسار السياسي للجريئة سعاد عبد الرحيم لن ينتهي بنهاية عمل المجلس التأسيسي بل “للسيدة السافرة ذات الجلباب النهضوي” جولات أخرى في حلبة السياسة.