قبالة جامع الفتح في شارع الحرية بالعاصمة تونس، ينتصب باعة بجلابيبهم ولحاهم الكثيفة، يبيعون كتب القرآن والعطور التقليدية والتشادور الأفغاني والحبة السوداء، بل ومراهم ومقوّيات جنسية مصنوعة من الأعشاب.

طارق الشحيمي زبون مداوم على زيارة هذه البسطة، له من العمر 37 عاما، يعرف نفسه بلا تردد بأنه “سلفي”، موضحا أنه يتبع منهج السلف الصالح من الرسول والصحابة في فهم القران والسنة وفي السلوك الاجتماعي.

قبالة جامع الفتح في شارع الحرية بالعاصمة تونس، ينتصب باعة بجلابيبهم ولحاهم الكثيفة، يبيعون كتب القرآن والعطور التقليدية والتشادور الأفغاني والحبة السوداء، بل ومراهم ومقوّيات جنسية مصنوعة من الأعشاب.

طارق الشحيمي زبون مداوم على زيارة هذه البسطة، له من العمر 37 عاما، يعرف نفسه بلا تردد بأنه “سلفي”، موضحا أنه يتبع منهج السلف الصالح من الرسول والصحابة في فهم القران والسنة وفي السلوك الاجتماعي.

[ibimage==1330==Small_Image==none==self==null]

طارق الشحيمي

هذا الشاب انقطع عن الدراسة قبل اتمام المرحلة الثانية من التعليم الأساسي، وكان يرتدي الجلباب القصير والعمامة.

وقبل أن نبدأ نطرح الأسئلة عليه أعرب عن رفضه “الاهتمام الإعلامي المبالغ فيه بالسلفيين”، وكذلك “التضخيم” الذي تمارسه الصحف والتلفزيونات بحقهم. وأضاف مستنكرا: “لماذا يركز الإعلام على ارتداء نسائنا النقاب في حين يصمت عن ارتداء إحدى النسوة لباساً فاضحا”.  

 

أوساط غير متعلمة

 

على الرغم من سياسة “تجفيف المنابع” التي قام بها الرئيس المخلوع ومن قبله الراحل الحبيب بورقية ضد التيارات الإسلامية عموما، إلا أن السلفيين حافظوا على وجود لهم – ولو متواضع- داخل البلاد.

وبحسب مراقبين تعاظم وجود هذا التيار بعد الثورة خصوصا ضمن الاوساط غير المتعلمة أو في المناطق المهمّشة.

محمد القوماني، مختص في التيارات الإسلامية واحد مؤسسي الحركة الإسلامية التقدمية في تونس قال لموقع “مراسلون” إن “اغلب المتأثرين بالفكر السلفي في بلادنا هم ممن لم يحصلوا على مستوى تعليمي عال”.

وأضاف أن “السلفيين يتعاطون مع المراجع والكتب الدينية بشكل مباشر، فينحصر فهمهم في المظاهر الشكلية كإطلاق اللحى وارتداء الجلابيب”.

يستند هذا الباحث بشكل خاص إلى تقرير حديث أصدرته “الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين”، تضمَّن تحليلاً لملفات 1208 من المعتقلين السلفيين خلال حكم بن علي.

ويبين أن أغلب المعتقلين السلفيين تتراوح أعمارهم بين 25 و30 سنة ولم يحصلوا على مستوى تعليمي جيد، وبـأنهم ينحدرون من مناطق وجهات معدمة أو مهمشة اقتصاديا، إذ ان 46% منهم ينحدرون من مناطق شمالي تونس و31% من وسط البلاد في حين أن 23% هم من أبناء الجنوب.

 

كتاتيب وحلقات دينية

 

يقرّ رفيق العوني، القيادي في حزب جبهة الإصلاح السلفي المرخص حديثا، بوجود “أزمة تعليم” في أوساط التيار السلفي، لكنه يحيلها إلى ابتعاد الشباب عن “منهج السلف الصالح”.

[ibimage==1342==Small_Image==none==self==null]

رفيق العوني

ويقول العوني لموقع “مراسلون” إن “بعض الشباب الذين التحق بالإسلام حديثا شديد الحماسة وتفكيره محدود، والارتقاء بوعيه الديني لملامسة جوهر الإسلام و منهج السلف الصالح يتطلب وقتا”.

وفي مقابلات أجراها موقع “مراسلون” مع بعض المنتمين لتيارات سلفية، قال هؤلاء إنهم يخشون على اولداهم من زيارة المدارس بل حتى رياض الأطفال، وبأنهم يفضلون إلحاق أطفالهم الذين بلغوا سن الرابعة أو الخامسة “بالكتّاب التقليدي”، أما الآباء فيزورون أيضا الحلقات الدينية كأحد مصادر التعليم.

مثلا، يرسل نجم الدين الخويلدي طفله إلى كتّاب يديره شيخ يقوم بدور المعلم، يلقن القرآن للأطفال إضافة إلى الأحاديث النبوية. ويعلق الخويلدي هنا قائلا: “هل هناك أفضل من تلقين أبنائنا القرآن الكريم وتنشئتهم على تعاليم الإسلام بدلا من الميوعة التي تغرسها فيهم رياض الأطفال؟”.

من جهة أخرى، يجتمع عشرات من السلفيين الشباب مرتين اسبوعيا بالشيخ حسان إمام مسجد البركة جنوبي العاصمة تونس، لنيل علوم الدين.

يقول الشيخ السلفي، 37 سنة، لموقع “مراسلون”: “أجتمع مع الأخوة  في اغلب الأحيان بأحد المنازل التي تسوغناه للغرض وأحيانا نلتقي على شاطئ البحر وأقوم بتلقينهم ما لم يفقهوه بعد من تعاليم الإسلام وأجيب عن استفساراتهم بخصوص نظرة الفكر السلفي لمختلف المسائل”.

 

حرب ثقافية

 

بحسب الباحث في علم الاجتماع النفسي أيمن بن ابراهيم، فإن أبناء التيار السلفي يخوضون “حربا ثقافية” بكل معنى الكلمة ضد بقية المجتمع، تتعلق بطريقة عيش معينة ، لذا “فمن الطبيعي ان ينتهجوا هذه الطرق في تعليم وتنشئة أبنائهم”.

كأحد أبرز الإشارات على “الحرب الثقافية” تلك يشير الباحث إلى الاستعراض الكبير في 28 تشرين الثاني/نوفمبر في كلية الآداب في محافظة منوبة.

ففي ذاك اليوم، اعتصم عشرات الطلاب في الكلية التي يدرس فيها حوالى 13 الف طالب مطالبين بالسماح للطالبات المنقبات باجتياز الفروض دون الكشف عن وجوههن وإقامة مصلى داخل الجامعة فيما اتهمهم عميد الكلية بالسعي إلى فرض الفصل بين الجنسين.

وتطورت الأحداث فيما بعد إلى مشاجرات واعتداءات على أساتذة، وإلى تمزيق العلم التونسي ورفع علم أسود يحمل عبارة “لا إله إلا الله” من قبل محسوبين على التيار.

كما تظاهرت آنذاك عشرات المنقبات في العاصمة تونس، طالبن باحترام حريتهن في اختيار اللباس ورفعن شعارات من قبيل “لم ننكر حقكم في التعري فلماذا تنكرون حقنا في النقاب”.

الباحث بن ابراهيم عزا هذه “الاستعراضات السلفية” إلى فترة الاضطهاد والتضييق التي لاقاها الاسلاميون عموما إبان حكم النظام السابق. ويقول “لقد ولدت لديهم نوعا من الكبت مما يجعلهم الآن يقبلون بشدة على الظهور في العلن والتعبير عن أنفسهم”.

 

أعمال عنف

 

وينقسم السلفيون التونسيون بحسب تقارير منشورة إلى تيارين رئيسيين، أحدهما يتبنى الفكر الدعوي او العلمي الذي لا يخرج عن إطار النصح والدعوة وهم الغالبية العظمى، فيما يتمثل الثاني –ومعظمه خارج البلاد- في الفكر الجهادي، الذي يعرف المنتمون إليه بالتشدد.

قيادات الشقّ الثاني كانت قد اضطلعت في عمليات اغتيال كبيرة خارج البلاد أشهرها تصفية القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود في 2001، التي خطط لها طارق المعروفي احد المنتمين للتيار السلفي الجهادي في تونس والعائدين بعد الثورة.

أما داخل البلاد، فأبرز التحركات التي صاحبها عنف وأعمال شغب كانت بعد الثورة، عندما هاجم محسوبون على التيار السلفي عددا من محال بيع الخمور والحانات والفنادق في محافظات متفرقة كسيدي بوزيد بالجنوب التونسي وجندوبة بالشمال الشرقي للبلاد وحطموها، وأيضا قبلها بأشهر، وتحديدا في حزيران/يوليو العام الفائت، هاجمت مجموعات من السلفيين إحدى قاعات السينما في العاصمة للحيلولة دون عرض فيلم “لا ربي لا سيدي”، معتبرين أن الفيلم يشكك في وجود الله ويدعوا إلى الإلحاد.

المخاوف التي أثارتها هكذا أعمال لدى أوساط المجتمع التونسي المتنوعة، جعلت رفيق العوني، القيادي في حزب الإصلاح السلفي، يرفض تبني هذه الأحداث ويشدد على أن “السلفية هي الاقتداء بالسلف في معاملاتهم الطيبة مع الناس وخدمتهم”.

ويعلق العوني على أعمال الاعتداء والتخريب قائلا: “ما نراه اليوم من استعراض للعضلات لا علاقة له بالسلفية التي يقع تشويهها إذا ما انحصرت في الجانب الشكلي أو العنف”.