بين المصبات العشوائية داخل أحد الأحياء الشعبية بمحافظة بن عروس (شمال شرق) يتنقل سليم ومروان بحثا عن قوارير وعلب وصناديق صنفها من ألقاها في خانة الفضلات فيما تمثل للطفلين مورد رزق ثمين.  

هذان الطفلان اللذان يقطنان الحي نفسه دفعتهما ظروفهما الاجتماعية الصعبة وإرادة التعويل على الذات للتجول بين النفايات عوض الاستمتاع بعطلة الصيف كغيرهما من الأطفال. فمع انتهاء العام الدراسي اختارا العمل سوية في جمع النفايات البلاستيكية وبيعها لأحد المجمعين في منطقتهما بثمن لا يتجاوز 400 مليم للكيلوغرام الواحد أي أقل من 0.2 يورو.

بين المصبات العشوائية داخل أحد الأحياء الشعبية بمحافظة بن عروس (شمال شرق) يتنقل سليم ومروان بحثا عن قوارير وعلب وصناديق صنفها من ألقاها في خانة الفضلات فيما تمثل للطفلين مورد رزق ثمين.  

هذان الطفلان اللذان يقطنان الحي نفسه دفعتهما ظروفهما الاجتماعية الصعبة وإرادة التعويل على الذات للتجول بين النفايات عوض الاستمتاع بعطلة الصيف كغيرهما من الأطفال. فمع انتهاء العام الدراسي اختارا العمل سوية في جمع النفايات البلاستيكية وبيعها لأحد المجمعين في منطقتهما بثمن لا يتجاوز 400 مليم للكيلوغرام الواحد أي أقل من 0.2 يورو.

فرص عمل

لا يعلم سليم ومروان كثيرا عن نقطة التجميع التي يوصلان اليها أكياس النفايات يوميا ولا يهتمان كثيرا بخلفية انشائها. كل ما يريدانه في آخر النهار هو الحصول على القليل من المال يلبي احتياجاتهما الشخصية.

وبحسب الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، فإن جمع النفايات الصلبة كان في بدايته مشروعا انطلق في نيسان (أبريل) 2001 بهدف حماية المحيط من خطر التلوث والمحافظة على النظافة العامة بالمدن والتجمعات السكانية عبر إعادة تدوير النفايات. ويمول المشروع أساسا من ضريبة تدفعها المؤسسات التي تنتج مواد بلاستيكية كشركات المياه المعدنية والمشروبات الغازية.

لكن الظروف الاجتماعية الصعبة لبعض الأسر من ناحية، وتزايد عدد مصبات القمامة العشوائية من ناحية ثانية دفع الكثير من الأطفال للالتحاق بدورة تجميع البلاستيك، يمثلون فيها الحلقة الضعيفة والمستغلة. والى حدود حزيران (يونيو) 2012 ناهز عدد نقاط تجميع النفايات البلاستيكية 300 نقطة يعمل في معظمها اطفال مثل مروان وسليم.

بدلة وحذاء

تنطلق رحلة الطفلين صباح كل يوم لتنقطع مع اشتداد حرارة الشمس ومن ثم تتواصل قبيل المساء لينتهي بهما المطاف أمام منزل احد المجمّعين الصغار، فيكدسان كل ما جادت به أيديهما من مواد بلاستيكية في انتظار الحصول على ما يقابلها من مال.

سليم وعمره 14 عاما ويدرس بالمرحلة الإعدادية يقول لموقع “مراسلون”: “لا أجد أي حرج في القيام بهذا العمل، لأنني أستطيع من خلاله توفير المال لشراء بعض الحاجيات خاصة في بداية السنة الدراسية الجديدة”، ويستدرك “أعمل حتى خلال السنة الدراسية ولكن بدرجة اقل”.

لكن مروان، شريك سليم الذي يصغره بسنتين أكد على أنه يعمل دون علم والديه، ويقول “والدي لا يسمحان لي بالعمل فهما يقولان أني لا أزال صغيرا ولكن في المقابل والدي لا يستطيع توفير كل ما اطلبه من حاجيات”. ويستدرك “أريد توفير بعض المال لشراء بدلة رياضية وحذاء، وجمع النفايات البلاستيكية يمكنني من ذلك”.

غياب الأرقام

حالة هذين الطفلين ليست الوحيدة في تونس رغم غياب الإحصاءات الرسمية. ويؤكد الخبراء أن تشغيل الاطفال في تزايد مستمر مع التحولات التي تشهدها البلاد في المرحلة الانتقالية.

معز الشريف، رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل أشار إلى أن غياب أرقام ودراسات معمقة وحقيقية حول تشغيل الأطفال في تونس زاد من انتهاكات حقوق الطفل.

وشدد الناشط الحقوقي على أهمية الدور الموكل إلى المؤسسات التربوية وضرورة مراجعة الزمن المدرسي وإدراج حقوق الطفل في الدستور التونسي الجديد، وطالب بإحداث “هيئة دستورية مستقلة تتكفل بمتابعة تطبيق حقوق الطفل في تونس”.

القانون يمنع

ويمنع القانون التونسي استغلال الأطفال اقتصاديا، وصادقت تونس على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 29 تشرين ثاني (نوفمبر) من العام 1991، كما أصدرت في 1995مجلة (قانون) حماية الطفل رقم 92 التي تعد بحسب مختصين مكسبا لأطفال البلاد. 

وتتضمن مجلة الشغل مواد تؤكد على ضرورة تمتع الطفل بالراحة، وتحدّد السن الدنيا لعمل الأطفال بـ 16 سنة في القطاعات غير الفلاحية، كما تسمح للمؤسسة العائلية بتشغيل الطفل دون السن القانونية شريطة أن لا يؤثر ذلك على صحته أو تعليمه.

في هذا السياق يقول عبد الستار المناعي وهو محامي تونسي أن “القوانين لم تمنع تنامي ظاهرة عمل الأطفال خاصة خلال العطل الصيفية”. ويعتقد هذا المحامي أن المسالة مرتبطة بتفعيل القوانين لا بإصدارها، فضلا عن ضرورة توعية الأولياء والمشغلين بخطورة تشغيل الأطفال وأثره على بنيتهم النفسية والجسدية.

وفيما يخص ما يسمى “أطفال البلاستيك” يقول المناعي “المسألة هنا معقدة بعض الشيء فليس هناك مشغل مباشر يمكن ان يقع تحت طائلة القانون حيث أن الأطفال يجمعون النفايات البلاستيكية بصفة فردية ويبيعونها إلى مراكز التجميع أو النقاط التي أصبحت منتشرة في الأحياء الشعبية”.

امتصاص البطالة

ومن المفترض أن تخصع عملية جمع ونقل النفايات البلاستيكية إلى المراقبة الصحية وفقا لكراس شروط ممارسة جمع النفايات البلاستيكية، لكن الطفلين سليم ومروان غير مشمولان على ما يبدو بهذه الحماية.

رمزي عبيد الملحق الصحفي بالوكالة الوطنية للتصرف في النفايات قال لـ”مراسلون” إن “من المبادئ الأساسية لمنظومة التصرف في النفايات البلاستيكية هو جمعها من المصدر مباشرة كالمنازل والمطاعم، حيث يحظر جمع هذه النفايات من المصبات العشوائية التي قد توجد بصفة ظرفية على مشارف التجمعات السكانية” وأضاف أن “الوكالة لا تتعامل إلا مع مراكز التجميع المرخص لها”.

وبالنسبة للوكالة فإن المشروع يساعد على تأمين فرص عمل لمئات أرباب الأسر الذين يعملون في 116 نقطة تجميع منشاة من قبل حاملي الشهادات العليا و110 وحدة إعادة تدوير (رسكلة) متعاقدة مع وكالة التصرف في النفايات، فضلا عن نقاط تجميع اخرى، مما يجعل منظومة التصرف في النفايات البلاستيكية احد المستوعبين للبطالة في تونس.

لكن هذا المشروع البيئي بحسب مراقبين وناشطين، فتح في الوقت نفسه المجال لتشغيل واستغلال الأطفال وتركهم عرضة للشمس والأمراض والإهانات اليومية، دون أن تشملهم أي فوائد سوى دنانير قليلة.