ما أن تعبر غرب العاصمة الليبية طرابلس حتى تنتهي بك مدن الضواحي المتتالية إلى صحراء تجاور الحدود التونسية، تتناثر على أطرافها مدنٌ وقرى متقاربة.

هذه التجمعات تبدو للوهلة الأولى وكأنها منزوعة من الخارطة الرسمية، لا شيء يربطها بعالم المدن الكبيرة وعجلة الاقتصاد الوطني، تدور بينها نزاعات وقودها المال والرصاص، أبرزها هجومات مسلحة متبادلة وقعت بعد الثورة بين منطقتي زوارة و رقدالين اللتان تتقاسمان جزءً لا بأس به من خطوط التهريب.

تحت شرعية الثورة

ما أن تعبر غرب العاصمة الليبية طرابلس حتى تنتهي بك مدن الضواحي المتتالية إلى صحراء تجاور الحدود التونسية، تتناثر على أطرافها مدنٌ وقرى متقاربة.

هذه التجمعات تبدو للوهلة الأولى وكأنها منزوعة من الخارطة الرسمية، لا شيء يربطها بعالم المدن الكبيرة وعجلة الاقتصاد الوطني، تدور بينها نزاعات وقودها المال والرصاص، أبرزها هجومات مسلحة متبادلة وقعت بعد الثورة بين منطقتي زوارة و رقدالين اللتان تتقاسمان جزءً لا بأس به من خطوط التهريب.

تحت شرعية الثورة

الخبراء بتضاريس المنطقة وأهلها يقولون أن عشرات القرى هنا تعتبر مراكزاً للتزود بالبضائع المعدة للتهريب أبرزها البنزين والكحول والمواد الغذائية. بحسب هؤلاء، فإن الجانب التونسي من الحدود أنشط بكثير من الليبي، إذ يعد التهريب بالنسبة لهم مجال عمل أساسي بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة.

زيارة موقع “مراسلون” إلى تلك المناطق كانت في يوم تمّوزي مشمس ومناسب لاقتناص بعض الحالات التي تقتات من وراء هذه الأعمال. وصلنا إلى مدينة زلطن على الحدود بين ليبيا وتونس لتلاقينا بوابة مشتركة للجيش الوطني واللجنة الأمنية العليا للمدينة.

أحد الشبان الذين يعملون باللجنة الأمنية العليا فضل عدم ذكر اسمه، قال إن التهريب الذي يمتد من العهد السابق، كانت على أشده في فترة التحرير، وحتى الآن مازال في معدلات عالية.

السلطات الليبية الجديدة بحسب هذا الحارس، لم توفر الدعم لتأمين الحدود الليبية التونسية، والعمليات أصبحت تتم بطريقة أكثر احترافاً، مع توفر سيارات حديثة الطراز كانت تملكها كتائب القذافي، والتي تم بيعها أو تسخيرها في نقل البضاعة. “ذلك كله يحدث في ظل شرعية الثورة” يقول الشاب.

الكثير من العاملين باللجنة الأمنية العليا التابعة لوزارة الداخلية الليبية أو أفراد الجيش الوطني يتحفظون في التحدث بوجود جهاز التسجيل، رغم اتفاقهم جميعاً على تقصير الحكومة في توفير أي نوع من أنواع الدعم المادي أو اللوجستي لهم، وكذلك تأخرها في رفع رواتب أفراد شرطة الجمارك لتقليل فرص انسياقهم لقبول الرشاوى وتمرير هكذا عمليات.

مساعدات للمتضررين

في الطريق إلى منطقة رأس جدير، ومن بعيد تبرز محطات الوقود التي تصطف فيها طوابير طويلة من السيارات المتهالكة والأخرى الخاصة بالنقل وبها خزانات كبيرة لنقل الوقود، وتظهر أيضا السيارات التي بدأت تشق طريقها لقطع الحدود من المعبر متجهة إلى تونس وبها أحمال غير ظاهرة تنوء السيارة بحملها.

عند البوابة الأمنية الأولى كان الحرس يتحلقون حول سيارة ضبط في داخلها غالونات من البنزين كانت مخفية ومعدة للنقل إلى الجانب الآخر من الحدود. تابعنا الطريق إلى بوابات الضبط حيث كان ضباط من اللجنة الأمنية العليا وشرطة آخرون يقومون بعملية التفتيش.

أحد أفراد الشرطة -رفض هو الآخر الإفصاح عن اسمه- أتى من قرية قريبة من الحدود، قال إنه لم يغادر هذه البوابة منذ حوالي شهر، وهو يقوم مع الآخرين بعملية الحراسة والضبط. وأضاف “إن ما نضبطه من محروقات ومواد غذائية وأخرى يحرم تداولها أو التعامل بها كالمشروبات الروحية و المخدرات في بعض الأحيان لا يشكل شيئاً مما يتم تهريبه في صحراء العسة”.

وبحسب هذا الشرطي، فإن التهريب في تلك المناطق القاحلة التي تقع على بعد يناهز 60 كيلو متراً جنوب الساحل زاد بشكل كبير في أيام الثورة وفي فترة الحسم مع كتائب القذافي.

ويؤكد أن “البضائع المهربة كانت تمرر في كثير من الأحيان إلى ليبيا على أنها مساعدات لإحدى المدن المتضررة، وأحيانا أخرى إلى تونس كمساعدات إلى المناطق الصحراوية التي تعاني من الفقر أو المدن التي شهدت كوارث طبيعية”.

موقع “مراسلون” اطلع على مستودع يتم فيه التحفظ على تلك البضائع، ووجد هناك أن أكثر المواد التي يتم تهريبها هي مادة البنزين، بالإضافة إلى مواد غذائية بكميات كبيرة.

وروى الشرطي كيف أن عمليات إخفاء البضائع تتم في العادة ببطرق مختلفة يبتدعها المهربون، بهدف تمويه رجال الشرطة. فبعضهم – وفي أقل الحالات حنكة-  يلجأ إلى توسيع خزانات الوقود، أو إلى تحويل كراسي الركاب بالسيارة إلى خزانات تتم تغطيتها و تغليفها بالإسفنج، وهي أساليب تهدد حياة المهربين أنفسهم، بحسب توضيحه.

وعلى بعد عشرات الامتار من المستودع قادنا الشرطي إلى مكان تم فيه احتجاز بعض المهاجريين غير الشرعيين، قبض عليهم حرس الحدود خلال عبورهم من دون جوازات سفر.

أحد المهاجرين وهو تونسي أتى للعمل في ليبيا في مجال البناء، قال إنه لم يجد عملاً له في تونس خصوصاً بعد الثورة، وأضاف “إن حالة الاستقرار المعيشي في ليبيا تجعل الكثير من التونسيين الذين يعانون البطالة يتوجهون إلى ليبيا طلباً للرزق”.

رجالات القذافي

أكملنا الرحلة في منطقة راس جدير إلى المنفذ المؤدي إلى مدينة “بن قردان” التونسية. هناك قال نائب مدير المعبر أن مشكلة الحدود البرية المفتوحة هي اكبر مشكلة تعانيها ليبيا، وأضاف “إن عملنا هنا غير ذي فائدة في غياب القوة الكبيرة التي نحتاجها للسيطرة على الخروقات التي تحدث”.

في المنفذ أيضاً قال أحد موظفي الجمارك أنهم قبضوا على مطلوبين للعدالة من الموالين للقذافي والمتورطين في جرائم ضد القانون خلال محاولتهم عبور هذه البوابة، موضحاً أنه وخلال الورديتين الماضيتين القي القبض على أكثر من 5 أفراد، ومن ثم إحالتهم كلٌّ إلى المجلس المحلي لمنطقته.

إلا أن المشكلة بحسب الموظف أن بعض المناطق التي تنشط فيها عمليات التهريب والتي تورط بعض أبنائها في دعم القذافي، يدخل ويخرج منها هؤلاء دون أي رقابة أو إجراء من الحكومة الليبية.

في طريق العودة، وعند المرور بمنطقتي رقدالين و زوارة المتنازعتين، وتحديداً عند الحد الفاصل للمعركة الأخيرة التي دارت بينهما في نيسان/أبريل الماضي، تتضح ورغم مرور الأيام مظاهر المواجهة المسلحة، حيث المنازل المحروقة والمحال التجارية التي تم اقتحامها وتخريبها وكذلك العبارات التي كتبت على الجدران.

بعض أفراد الشرطة العسكرية وآخرين من “لواء درع ليبيا” قابلناهم على الطريق إلى مدينة زوارة قالوا أن الحالة الأمنية في المنطقة مستقرة حالياً. لكن عناصر من اللواء حذّروا من أن عمليات تهريب البضائع والمهاجرين والمجرمين في تزايد، وبأنها تثير الفتن والمطامع بين القرى الحدودية. وأضافوا أن مسؤولية وقفها ملقاة على عاتق الحكومة التي تعجز لحد الآن عن منع اندلاع المواجهات المسلحة.