تخرج يوسف محمد سالم من قسم اللغة الفرنسية بكلية اللغات في 2003، ومنذ ذلك التاريخ يحرص على الالتزام بعمله اليومي كسائق حافلة في إحدى الشركات في العاصمة طرابلس. هكذا انتهت به الظروف بعد أن تقاذفته أمواج البطالة، ويقول “معظم خريجي قسم اللغة الغرنسية اتجهوا إلى أعمال أبعد ما تكون عن اختصاصهم”.

تخرج يوسف محمد سالم من قسم اللغة الفرنسية بكلية اللغات في 2003، ومنذ ذلك التاريخ يحرص على الالتزام بعمله اليومي كسائق حافلة في إحدى الشركات في العاصمة طرابلس. هكذا انتهت به الظروف بعد أن تقاذفته أمواج البطالة، ويقول “معظم خريجي قسم اللغة الغرنسية اتجهوا إلى أعمال أبعد ما تكون عن اختصاصهم”.

ومع أن ليبيا تقع بين دولتين عضوين في منظمة الدول الفرنكوفونية (منظمة الدول الناطقة باللغة الفرنسية)، والتي تأسست على يد الرئيس التونسي الراحل “الحبيب بورقيبة” ونظيره السنغالي “سانغور” عام 1970، فإن اللغة الفرنسية لم تكن مجال دراسة جاذبٍ لليبيين كونها مؤهلاً غير مطلوب في سوق العمل. فعدد الشركات الفرنسية العاملة في ليبيا محدود جداً، والتعاملات مع الشركات الأجنبية الأخرى تتم في أغلبها باللغة الإنجليزية.

تاريخ الخصام

بوادر الخصام الليبي مع اللغة الفرنسية التي يتحدث بها حوالي 200 مليون شخص حول العالم بدأت تظهر مع التغيرات السياسية في البلاد، والتي برزت بشكل واضح في عام 1985 حيث شهدت ليبيا إلغاء تدريس هذه اللغة في المدارس، بعد أن كانت تدرس إلزاما في المراحل الثانوية حتى التاريخ المذكور.

كان السبب الرئيسي في ذلك تدهور العلاقات الليبية الفرنسية التي مرت بعدة أزمات من أبرزها الصراع في تشاد، حيث ساند كلّ من البلدين أحد طرفي النزاع، وتعزز التباعد عقب حادث تحطم طائرة الركاب الدي سي 10 (UTA) في 19 أيلول 1989 فوق صحراء النيجر، والذي أسفر عن وقوع 179 قتيلاً، حيث اتهمت فرنسا حينها نظام العقيد القذافي بالضلوع في تفجيرها .

أثَّرت هذه القطيعة بشكل مباشر على المتخصصين والمحبين للغة الفرنسية، فلم تساعدهم لغتهم الجديدة في الحصول على وظيفة تفي بمتطلباتهم، الأمر الذي جعلهم يتجهون لممارسة أعمال أخرى لا ترضي طموحاتهم.

يقول يوسف بأن أصدقاءه الذين توجهوا إلى تعلم تخصصات أخرى كانو أوفر حظاً منه، فمخاوف الشباب من البطالة بين خريجي اللغة الفرنسية وغيرها من التخصصات غير المطلوبة دفع بالكثيرين إلى التوجه لدراسة التخصصات التقليدية كالطب والهندسة ومعاهد إعداد المعلمين، معتقدين بأنها تضمن لهم الأمان الوظيفي بعد التخرج، وتحصنهم من داء البطالة المنتشر في البلاد.

الخبير التعليمي عبد الرزاق محمد الكوني يقول بأن توجه الشباب إلى الاختصاصات التقليدية المذكورة مع نهاية التسعينات، وهي الفترة التي شهدت تضخم أعداد المنتسبين للجامعات في ليبيا بصورة كبيرة، وعدم وجود تغيير مصاحب في منظومة التوظيف الليبية، نتج عنه تراكم في سوق العمل أو ما يعرف علمياً بالكتلة الجامدة لليد العاملة المحلية، التي انصبت بشكل أساسي وواسع في بوتقة العمل الحكومي.

تفاؤل فرنسي

من جهته أبدى المنصف العمدوني، المسؤول عن تنمية التعليم العالي الفرنسي في السفارة الفرنسية في ليبيا، قدراً كبيراً من التفاؤل بشأن مستقبل اللغة الفرنسية، وأشار إلى حدوث تغيرات واضحة على وضعية اللغة الفرنسية في المجتمع الليبي بصفة عامة بعد الثورة.

يقول العمدوني إن أعداد المتدربين الليبيين في المركز الثقافي الفرنسي ارتفع بنسبة عالية، ليصل إلى قرابة 300 طالب وطالبة في الدورة، بعد أن كانت الأعداد في السابق لا تتجاوز خمسة عشر طالب بالإجمال، فضلاً عن عودتها إلى المدارس الثانوية بعد الإقصاء المتعمد لسنوات.

 وتمثلت هذه العودة كما يقول العمدوني بدايةً في حوالي عشر مدارس ثانوية متخصصة عام 2007، وانتشرت بالتدريج إلى أن وصلت الآن إلى شبه تعميم على المدارس الثانوية المتخصصة في ليبيا.

وتحاول السفارة الفرنسية المساهمة في نشر الفرنسية وحل مشكلة خريجيها، وذلك بحسب العمدوني “عن طريق تمكين أكبر عدد من الخريجين من زمام اللغة بصورة جيدة، الأمر الذي من شأنه تلقائياً ضمان فرص عمل لهم، خاصةً مع توافد الشركات الفرنسية وبقوة لسوق العمل الليبي”.

كما تسعى السفارة الفرنسية لإيفاد أكبر عدد من الطلبة إلى فرنسا بالمجان المشروط بالتفوق، أو على حساب الدولة الليبية على أمل تحقيق الاستفادة القصوى لغوياً من البلد الأم.

السياسة الخارجية لليبيا في عهد نظام القذافي كانت عثرة في طريق الشباب العاطل عن العمل اليوم من خريجي اللغة الفرنسية، وهذا ما يجعل يوسف وغيره من متحدثي هذه اللغة يأملون فتح صفحة جديدة في كتاب حياتهم تحمل بين سطورها فرصة عمل قادمة على بساط العلاقات الجيدة بين ليبيا وفرنسا بعد الثورة.