لم يتوقع أنصار الحكومة الانتقالية التونسية (بقيادة حزب النهضة الإسلامي) من سعيد الخزامي، الرجل الذي دعّموه بشدة وهلّلوا لتسنّمه منصب رئيس تحرير قسم الأخبار بالقناة الوطنية الأولى بالتلفزة العمومية، أن يلتحق بصف المطالبين بوضع حد لمحاولات السيطرة على الإعلام من طرف الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي.

لم يتوقع أنصار الحكومة الانتقالية التونسية (بقيادة حزب النهضة الإسلامي) من سعيد الخزامي، الرجل الذي دعّموه بشدة وهلّلوا لتسنّمه منصب رئيس تحرير قسم الأخبار بالقناة الوطنية الأولى بالتلفزة العمومية، أن يلتحق بصف المطالبين بوضع حد لمحاولات السيطرة على الإعلام من طرف الحكومة التي يرأسها حمادي الجبالي.

الخزامي الذي فاجأ كان الأصدقاء قبل الخصوم، قال في ملتقى عقد بالعاصمة تونس نهاية شهر تموز (يوليو) الماضي حول واقع الإعلام التونسي، أن مؤسستي رئاسة  الحكومة  ورئاسة الجمهورية تمارسان  ضغوطا عليه وعلى العاملين بقسم الأخبار لتعديل محتوى النشرة بإدراج الأنشطة العادية لكلا الرئاستين ونقل إنجازاتها إلى عموم المواطنين.

بين الحكومة والصحافة

تتميز علاقة حزب النهضة بوسائل الإعلام بالشد والجذب. ويبدو ذلك جليا في تصريحات قادة الحزب.

وسبق أن حذرت نقابة الصحافيين في عدة مناسبات، من محاولة الحكومة الانتقالية السيطرة على الإعلام وضرب استقلاليته. ومن جهتها صعّدت حركة النهضة من حدة انتقادها للإعلام العمومي وصنفته كـ “عدو للثورة” و”ورأس حربة الثورة المضادة”، واتهمته بالانحياز للتيارات اليسارية ولـ “أزلام” نظام بن علي، بل وصل الأمر إلى حد التهديد بخصخصة الإعلام العمومي.

وتستخدم الحكومة باستمرار، وخاصة أنصار حزب النهضة، تهمة “الانتماء للنظام السابق” لوصف الصحفيين والناشطين الذين ينتقدونها، وأيضا وسائل الإعلام التي تنتهج سياسة تحريرية مناوئة للحكومة، وهو ما تستغربه نقيبة الصحفيين التونسيين نجيبة الحمروني وتعتبر انه يندرج ضمن “مخطط تشويه” الصحفيين الذين لا يخضعون لأوامر الحكومة، وضرب الإعلام وتركيعه.

وتعتبر نقيبة الصحفيين التونسيين، أن الحكومة الانتقالية تريد “وضع يدها على الإعلام”. وشدّدت على وجود عدة مؤشرات على الرغبة في “تدجين” الإعلام والهيمنة عليه، من ذلك تأخير تفعيل المرسومين 115 (قانون الصحافة) و116(مرسوم إحداث هيئة تعديلية تنظم قطاع الإعلام السمعي البصري) الصادرين منذ نوفمبر 2011.

وتتمسك نقابة الصحفيين وهيئة إصلاح الإعلام بالمرسومين وخصوصا المرسوم 116. ويعتبرانه هاما لأنه سينظم قطاع الاعلام السمعي البصري، ويحصر مهمة الرقابة والتعديل في هيئة عمومية مستقلة تتكون تركيبتها  من تسع شخصيات مستقلة مشهود لها بالخبرة والكفاءة و النزاهة في مجالات الإعلام والاتصال.

وأكّدت نجيبة الحمروني لـ”مراسلون” أن الحكومة الانتقالية غير راضية عن تركيبة الأعضاء وتطالب بأن تكون لها تمثيل أكبر فيها. خصوصا وان المرسوم عدد 116 أقر في بنده التاسع عشر للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري سلطة تعيين المسؤولين عن المؤسسات العمومية” وهو ما يعنى إنهاء حقبة من هيمنة الحكومة على أجهزة الإعلام.

معاداة الإعلام

الهجوم على الإعلاميين انتقده وضاح خنفر، المدير السابق لقناة الجزيرة الإخبارية. وفي تصريح لـ”مراسلون” أثناء حضوره حفل افتتاح المؤتمر التاسع لحركة النهضة في 12 تموز (يوليو) الفائت، شدد خنفر على ان “معادة الإعلام” خطأ يجب أن لا يتواصل. واعتبر ان معيار تقييم أداء الإعلام هو”المهنية والحرفية وليس الولاء السياسي”.

ولعل انتقاد خنفر لمحاولات الهيمنة على وسائل الإعلام العمومي يحرج الحكومة الانتقالية وحركة النهضة. فقد سبق لهما أن تغنّيا بحرفية قناة الجزيرة و”بنزاهة القائمين عليها”.

غير أن ما أحرج أكثر الحكومة هو الاستقالة الجماعية لأعضاء هيئة إصلاح الإعلام والاتصال. وقد أرجع كمال العبيدي، رئيس الهيئة، أسباب الاستقالة الى “التجاوزات القانونية التي قامت بها الحكومة تجاه قطاع الإعلام” وعدم اتخاذ أي مبادرة أو خطوة في اتجاه إصلاحه.

[ibimage==1070==Small_Image==none==self==null]

كمال العبيدي

كما انتقد العبيدي عدم الأخذ بعين الاعتبار التوصيات التي قدمتها الهيئة في التقرير الذي أعدته منذ نيسان (أبريل) المنقضي وقدمته للرئاسات الثلاث ولأعضاء المجلس التأسيسي وللرأي العام.

وسبق أن قاطعت الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين “الاستشارة الوطنية حول الإطار القانوني لقطاع الإعلام”. التي نظمتها الحكومة في نيسان الماضي دون التشاور مع الهيئات والمنظمات المعنية.

لكن الحكومة استغربت هذا القرار وأعربت في بيان عن اندهاشها من قرار الاستقالة الجماعية للهيئة دون تشاور أو إعلام مع الجهات المعنيّة في سلطة الإشراف. واعتبرت، وفق البيان، أنها ” ضمنت استقلالية الهيئة وسهلت أعمالها”.

وقال سمير ديلو، المتحدث الرسمي باسم الحكومة الانتقالية، في تصريح لـ”مراسلون” إن “اتهامنا بمحاولة الهيمنة على الإعلام باطل”. كما أكد أن الحكومة وحركة النهضة يؤمنان بضرورة توفير “مناخ من الحرية والاستقلالية للإعلام”.

ولم تمر مناسبة دون ان يلمح ديلو إلى أن بعض وسائل الإعلام تتحامل على الحكومة وعلى حركة النهضة. ولكن هذا التحامل لا تقابله أية “نية للهيمنة على قطاع الإعلام” حسب رأيه.

سيف الخصخصة

غير أن رئيس حركة النهضة  راشد الغنوشي سبق له وان وصف الإعلام العمومي بـ “المتحامل على النهضة وعلى الحكومة” من اجل “خدمة توجهات إيديولوجية معينة معادية للثورة وللنهضة”.

كما أن الإعلام الحكومي بحسب الغنوشي “يضخم السلبيات ويطمس الحقائق ويعتم على كل ما هو إيجابي”، وهدّد في ندوة صحفية  بـ “خصخصة” قطاع الإعلام، وهو ما اثار حفيظة الإعلاميين والمواطنين العاديين على حد سواء.

وتستند احزاب المعارضة لهذه التصريحات  لتحذر من رغبة الحركة في  الهيمنة على الإعلام لتوظيفه كـ”بوق دعائي” و”لتسويق انجازات وهميّة” تمهيدا للانتخابات القادمة، وفق ما صرّح به إياد الدهماني عضو المجلس الوطني التأسيسي عن الحزب الجمهوري.

ويخشى الصحفيون من تكرر الاعتداءات عليهم من مجموعات مقربة من الحكومة. هذه المجموعات نظمت خلال الربيع الماضي اعتصاما أمام مقر التلفزيون العمومي، قالت أن الهدف منه “تطهير الإعلام”.وانتهى الاعتصام باشتباكات بين الصحفيين والمعتصمين، مما دفع نقابيين آنذاك بوصف ما جرى بالسحابة السوداء التي تخيم على الإعلام التونسي، بعد فسحة من الحرية.

وقد أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” ومنظمة “هيومن رايس وتش” بيانات نددت فيها  بتكرر الاعتداءات على الصحفيين التونسيين والتضييق على هامش حرية الإعلام  الذي يعتبر أهم مكسب تحقق منذ انهيار النظام السابق في 14  كانون الثاني (يناير) 2011. هذه الحرية التي يتطلع الإعلاميون للمحافظة عليها عبر تضمينها في القوانين وخاصة في  الدستور المقبل.

لكن مع ما يجري حاليا من تهديدات واتهامات يتساءل الجميع هل سيتم لهم ذلك أم أن حرية التعبير والصحافة ستكون مضمونة “بما لا يتعارض مع المقدسات” بعد أن كانت في السابق رهينة “وفق ما يضبطه القانون” ؟