أرجوحات وألعاب نارية وبائعو الحلوى منتشرون في كل مكان، محاطون بأطفال ونساء باسمين. وحين تلتفت بناظريك تجد رجالا يسيرون في قوافل منظمة ويطوفون حول ساحة المسجد، مرتدين جلابيب مختلفة الألوان، تقودهم مجموعة تتميز عمن حولها بارتدائها لشارات خضراء على جلابيب بيضاء، مدون عليها الطرق الصوفية التي ينتمون إليها. وفي مقدمة ذلك كله: الطبال والزمار والراقص ينشدون ويهللون “الله أكبر… الله حي .. لا إله إلا الله.. سيدنا المرسي حبيب الله.”

أرجوحات وألعاب نارية وبائعو الحلوى منتشرون في كل مكان، محاطون بأطفال ونساء باسمين. وحين تلتفت بناظريك تجد رجالا يسيرون في قوافل منظمة ويطوفون حول ساحة المسجد، مرتدين جلابيب مختلفة الألوان، تقودهم مجموعة تتميز عمن حولها بارتدائها لشارات خضراء على جلابيب بيضاء، مدون عليها الطرق الصوفية التي ينتمون إليها. وفي مقدمة ذلك كله: الطبال والزمار والراقص ينشدون ويهللون “الله أكبر… الله حي .. لا إله إلا الله.. سيدنا المرسي حبيب الله.”

[ibimage==1030==Small_Image==none==self==null]

جلابيب بيضاء

أسبوع من كل عام تقف فيه الإسكندرية على قدم وساق، فيفد إليها الناس من مختلف الأرجاء للاحتفال بمولد “المرسي أبي العباس”، أحد أهم أولياء الصوفية والذي وجد مثواه الأخير بالمدينة الساحلية.

أهالي المدينة أنفسهم، تكسر الاحتفالية لديهم النمط المألوف لحياتهم اليومية، فيخلعون عباءة مهنهم ومشاغلهم ويرتدون عباءة إحدى المهن والأنشطة المصاحبة للمولد. وهو المولد الذي شهد ذروته باحتفالية الليلة الكبيرة منتصف شهر يوليو/ تموز الماضي.

خراط وفي المولد “طبلجي” حبا في الله

أمام مسجد وضريح المرسي أبي العباس يقف الموكب الصوفي للطريقة “الحامدية الشاذلية”، ويتوسط الموكب مجموعة من مريدي آل البيت يحملون طبولا ومزاميرا ويرقصون. يقودهم شاب قوي البنية يحمل طبلة كبيرة يطرقها بعنف ويردد عبارات “الله وأكبر.. الله حي.. سيدنا النبي حبيب الروح.. ولا إله إلا الله المرسي الحبيب الله”، وحين تراه لأول مرة تظن إنه متمرس في المهنة ويعمل “طبلجي” أبا عن جد.

يزير مصطفي إبراهيم، يحكي انه يعمل “خراطا” منذ طفولته وهي المهنة التي ورثها عن والده، وورث عنه أيضا عشق “الطبلة”، فجده ووالده كانوا ينتمون إلى الطرق الصوفية وكان يرافقهم في الموالد منذ سن صغيرة.

“الطبلة” ليست “فنا” بالنسبة له بل عبادة. يقول: “عندما ألعب بأصابعي على “الطبلة” أسرح مع الله وفي حب الله ولا أشعر بأحد حولي، كأنني طائر هائم في حب الله.”

يزير يترك عمله تماما في فترة المولد، فيبيت في خيمة بجوار مسجد المرسي أبي العباس نصبتها الطريقة “الحامدية الشاذلية”، أما الطعام والشراب فمصدره تبرعات مريدي المولد القادرين – “النفحات” بلغة الصوفية.

السقا .. أروي العطاشى لأجل ثوابك يا نبي

تلك “النفحة” هي بمثابة العملة الرسمية للمولد، تهيمن على علاقات المريدين بعضهم ببعض، يتسابقون على استضافة بعضهم البعض وتقديم العون ولو بأقل القليل. فها هو محمد سيد يجلس في ساحة المسجد وأمامه “جركن” ماء أبيض كبير محاط ببعض الأكواب. يردد قائلا: “أنا خدامك يا نبي.. أروي العطاشى لأجل ثوابك ومحبتك…”

محمد سيد، أو الشيخ محمد كما يسميه زوار المولد، رجل بشوش ذو لحية شهباء يبلغ من العمر 85 عاما، أتي من محافظة البحيرة المجاورة للأسكندرية حيث يعمل بالفلاحة ليقضي أيام المولد السبعة بجوار المسجد، ويساهم في طقوس تبادل “النفحات” مساهمة “بسيطة، تتوافق وقدراته المادية” على حد قوله، فيحمل مياه الشرب من صنبور داخل المسجد ويضيف لها ماء الورد ثم يسقها للعطاشى من المريدين.

عبد الرحيم وزوجته لا يجيدون سوي مهنة “التوابيت”

وهناك من المصريين من يقضي حياته كلها في رحاب الأولياء، فتتحول “النفحة” إلى دخله الأساسي، ومجاورته للمساجد والأضرحة إلى شبه مهنة يزاولها سعيا وراء الرزق كما وراء التجربة الروحانية. فعلى حصيرة مفروشة أمام المسجد، يجلس عبد الرحيم محمد، 55 عاما، وزوجته أم مصطفى، كلاهما يرتدي جلبابا أخضر وهو رداء “الدراويش” من الصوفية، ويتناولان أرزا ولحما أتى بهما أحد المريدين. 

يحكي عبد الرحيم أنه لم يعمل في حياته بأية مهنة سوي مهنه “التابوتي” ولا يعرف غيرها، وهي مهنة تتمثل في تنظيف الأضرحة والتوابيت الخاصة بالأولياء وتعطيرها وجمع النفحات من أحباب ومريدي آل البيت والحفاظ علي تابوت الولي بمنع وصول أي مريد إلي داخل التابوت.

ويضيف عبد الرحيم أنه أتى من الأقصر منذ 7 أيام، هو وزوجته، فالتابوتي لا يتوقف عن الترحال من مولد إلى مولد ومن ضريح إلى ضريح فلا يترك محافظة من محافظات مصر الـ 24 إلا وتطأها قدمه.