لا تبعد قرية أبو غالب سوى أمتارا قليلة عن مجري نهر النيل في منطقة أمبابة شمالي الجيزة، ورغم ذلك يعاني أهلها من العطش، بسبب محطة توليد كهرباء نُفذت كمشروع إنمائي بواسطة البنك الدولي، ودخلت بالفعل إلى شبكة محطات الكهرباء القومية منذ أشهر.

في هذه القرية التي تعيش على زراعة الفواكه والنخيل والموز لا صوت يعلو اليوم فوق صوت انقطاع الكهرباء، وإن علا فهو أنين “ضحايا التنمية”، أي المواطنين البالغ عددهم 5 آلاف نسمة الذين تتضرر حياتهم باسم المنفعة العامة، والذي كان لمحطات كهرباء دورا أساسيا في تدمير بيئتهم الزراعية وتعريضهم للعطش.

لا تبعد قرية أبو غالب سوى أمتارا قليلة عن مجري نهر النيل في منطقة أمبابة شمالي الجيزة، ورغم ذلك يعاني أهلها من العطش، بسبب محطة توليد كهرباء نُفذت كمشروع إنمائي بواسطة البنك الدولي، ودخلت بالفعل إلى شبكة محطات الكهرباء القومية منذ أشهر.

في هذه القرية التي تعيش على زراعة الفواكه والنخيل والموز لا صوت يعلو اليوم فوق صوت انقطاع الكهرباء، وإن علا فهو أنين “ضحايا التنمية”، أي المواطنين البالغ عددهم 5 آلاف نسمة الذين تتضرر حياتهم باسم المنفعة العامة، والذي كان لمحطات كهرباء دورا أساسيا في تدمير بيئتهم الزراعية وتعريضهم للعطش.

[ibimage==1018==Small_Image==none==self==null]

أشجار الموز من ضحايا البنك الدولي أيضا

كل شيء بموافقتكم!

سعيد المصري محمد مزارع بالقرية يروي قصة محطة الكهرباء ويقول “قبل عامين فوجئ الأهالي ببيع نحو 72 فدانا من الأراضي لرجل أعمال خليجي بسعر أعلى من الأسعار العادية، وتركت المساحة لنحو عام دون استغلال يذكر، حتى وجدنا في صباح أحد الأيام معدات للحفر والبناء، وعندما سألنا قالوا إنهم سيبنون محطة كهرباء”.

مسئولوا الحي دعوا الأهالي إلى حفل كبير بمناسبة افتتاح المشروع بحسب المزارع الذي أضاف “كنا نتخيل أن المشروع يوفر لأبنائنا فرص عمل وسيحدث رواجا خدميا بالمنطقة الريفية التي نقطنها، وأنه سيرفع سعر أراضيها”.

وتابع قائلا إن المسئولين وزعوا خلال الحفل جوائز مالية بسيطة على الحضور وطالبوهم بالتوقيع علي كشف حضور مع تصوير بطاقات الأهالي الشخصية.

وما أن مضت أيام قليلة على افتتاح المحطة حتى بدأت مشكلة النقص في المياه الجوفية بالظهور.

ويوضح خالد عبد الرحمن من أهالي القرية أن “مياه الآبار الجوفية التي نعتمد عليها صارت تقل يوما بعد يوم، وعللنا ذلك في البداية بارتفاع درجة الحرارة ومعدلات البخر، لكن لاحقا عرفنا أن صب الخرسانة لبناء المحطة والذي وصل إلى عمق 120 متر سد ممرات الآبار الجوفية كلها”.

ويقاطعه المزارع سعيد المصري شارحا ما يصفها بالكارثة: “لك أن تتخيل جفاف أشجار أستغرق زرعها سنوات، ها هي تحترق أمامك”.

المصري وزملاؤه من المزارعين كانوا قد حاولوا علاج المشكلة بالاعتماد على مياه مصرف الرياح البحيري في منطقتهم، لكن ملوحة المياه وتلوثها أضافت كارثة جديدة على حد تعبير، فبارت الأراضي.

ويقول هذا المزارع “عندما ذهبنا لوزارة الكهرباء نشكو، قالوا لنا لقد أخذنا موافقتكم علي المشروع وأشهروا توكيلات محررة بالبطاقات الشخصية التي جمعوها يوم الحفل”.

إلى القضاء

هل كانت مسألة كشف الحضور والتوقيع خدعة بالفعل من وزارة الكهرباء لانتزاع موافقة الأهالي على المشروع؟

على الأقل هناك منظمات مدنية عديدة تؤيد هذه الرواية وتدعم الفلاحين في مطالبهم، وأرسلت شكاوى إلى البنك الدولي الممول الأساسي للمحطة، فقام الأخير قبل شهر بإرسال فريق تحقيق استمع إلى المتضررين، وجمع معلومات وأجرى أبحاثا على المنطقة، لم تظهر نتائجها بعد، بحسب مزارعين التقتهم “مراسلون”.

ويقول المزارع خالد عبد الرحمن ” الفلاحين لم يستسلموا لليأس، وفي مواجهة إعلان الحكومة عن بدأ تنفيذ المحطة عبر جريدة الجمهورية الحكومية، توجه ممثلي 5 ألاف فلاح بأسرهم إلي مديرية الزراعة وحرروا للحكومة ووزارة الكهرباء محاضرا وبلاغات بالتعدي على أراضي زراعية بمخالفة للقانون، فالأراضي ممنوع البناء عليها، لكن النيابة لم تحسم الأمر حتى الآن”.

وفي إطار رده على هذه الاتهامات، قال أكسم أبو العلا المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة أن إجراءات بناء المحطة “قانونية”، مؤكدا أن البنك الدولي أرسل منذ البداية لجنة للتأكد من صلاحية المكان للبناء، وأكدت اللجنة صلاحيته فجاء التمويل وبدأ البناء.

وأشار أبو العلا إلى أن طاقة انتاج المحطة البالغة 1000 ميجاوات ستصل نهاية هذا العام إلي 2500 ميجاوات، مؤكدا أن القضية “محسومة”، خاصة في ظل أزمة الكهرباء الدائرة الآن، وأن وزارته تأمل في أن تكون للمحطة دورا في حل الأزمة. ولم يفسر أبو العلا حادثة جمع التوقيعات، كما لم يتطرق إلى ما إذا كانت التوقيعات المجموعة استخدمت في غير محلها أم لا.

انتقادات للبنك الدولي

البنك الدولي من جانبه، وبعد اتصالات ومراسلات بـ”مراسلون”، رفض الإجابة على أسئلة متعلقة بمسئولية المؤسسة الدولية في أزمة أبو غالب، واكتفى بإرسال نشرة إعلامية تتحدث عن مشروعات البنك التنموية في مصر، لكن ما أكده الفلاحون إنه قبل أيام أرسل لجنة أخرى لمعاينة الأضرار في صمت.

“أبحث عن كلمة “مشروع قومي” تجد السر”، يعلّق محمد عبد العظيم مدير المركز المصري للإصلاح المدني والتشريعي على الحادثة، مشيرا إلى أن العاملين في المجال الحقوقي والمدني يعرفون على أي مشروعات تطلق هذه التسمية.

“فباسم المنفعة القومية يجري التلاعب والفساد على حساب مواطنين من أهالي المناطق التي تدخل بها مشاريع الدولة”، يقول عبد العظيم.

ويكشف أن أراضي قرية أبو غالب “بيعت إلى مستثمر سعودي أعاد بيعها للبنك الدولي بنحو 2,2 مليار جنيه، ولأن البنك الدولي يشترط موافقة الأهالي جاءت خدعة البطاقات والجوائز المالية”، مشيرا إلى أن سلوك البنك الدولي مرصود من قبل مؤسسته.

الخبير بالسياسات المائية والباحث الاقتصادي عبد المولي إسماعيل يعدد مخالفات مشاريع البنك الدولي في مصر، منها حالة مشروعه في قرية ابو القطا بمنشية القناطر شمال الجيزة، ومحطة كهرباء التبين بحلوان جنوب شرق القاهرة، ومحطات توليد الكهرباء بالسويس والعين السخنة.

أما في حالة ابو غالب فيرصد كيف أضرت المحطة المبنية على 72 فدانا وبوّرت 350 فدانا من أجود الأراضي بالقرية، بل وتعدي سور المشروع على حرم المصرف المائي نفسه، وهو ما يرشح بوار أراضي أخرى مجاورة لقرية ابو غالب، مندهشا من اختيار أراضي زراعية خصبة لتبويرها، ثم الإضرار بنمط حياة الآلاف وقتل ماشيتهم باسم التنمية.

ولفت إسماعيل إلى أن معظم مشاريع البنك تسعى إلى خصخصة المرافق والخدمات المجانية وتساعد الدولة على رفع تكلفة تلك الخدمات الأساسية، لافتا إلى أن منظمات المجتمع المدني أرسلت شكاوى إلى مركز مراقبة مشاريع البنك الدولي في واشنطن تحديدا حول أزمة ابو غالب، وهو ما أدى لإرسال البنك لجنة التحقيق الأخيرة.

لكنه يتوقع أن لا يلتفت أحد لمعاناة الأهالي، فالدولة المصرية على حد وصفه “تحمي هذه المشروعات باسم المصلحة القومية، وفي سبيلها لا يحق للفقراء الشكوى”.