في عام 2009، وبينما كان القذافي يحتفل بالعيد الأربعين لتوليه الحكم، وقف جمال الحاجي على بعد أمتار من الساحة التي يتواجد فيها العقيد مع رؤساء أكثر من أربعين دولة، وقال متحدثا في مداخلة مع قناة “سي ان ان” الامريكية بأن هذا الرجل دكتاتور مجنون وأنه لابد أن يتنحى عن حكم ليبيا.

في الأول من شباط (فبراير) العام الماضي قبيل انطلاقة الثورة، نشر بيانا طالب فيه الشعب الليبي بالخروج إلى الشارع، دفع ثمنه اعتقالا وشتى صنوف التعذيب، إلى نال الحرية في 24 من آب (أغسطس) من العام نفسه بعد سقوط العاصمة بيد الثوار.

في عام 2009، وبينما كان القذافي يحتفل بالعيد الأربعين لتوليه الحكم، وقف جمال الحاجي على بعد أمتار من الساحة التي يتواجد فيها العقيد مع رؤساء أكثر من أربعين دولة، وقال متحدثا في مداخلة مع قناة “سي ان ان” الامريكية بأن هذا الرجل دكتاتور مجنون وأنه لابد أن يتنحى عن حكم ليبيا.

في الأول من شباط (فبراير) العام الماضي قبيل انطلاقة الثورة، نشر بيانا طالب فيه الشعب الليبي بالخروج إلى الشارع، دفع ثمنه اعتقالا وشتى صنوف التعذيب، إلى نال الحرية في 24 من آب (أغسطس) من العام نفسه بعد سقوط العاصمة بيد الثوار.

موقع “مراسلون” التقى الحاجي الذي استعاد سنوات النضال ضد الكتاتورية، وهنا نص المقابلة:

س- حدثنا عن جمال الحاجي في زمن القذافي.. 

[ibimage==484==Small_Image==none==self==null]

جمال الحاجي

ج-  بصراحة أخجل أن أتحدث عن الشجاعة والبطولة أمام أحرار وحرائر الشعب الليبي.. بالمناسبة معظم من كان يساعدني من داخل ليبيا هم بنات وسيدات، قاموا بأخطر الأدوار من نقل معلومات وتقارير خطيرة إلى خارج ليبيا، وكذلك تزويدي بتقارير وأنا داخل معتقلات الطاغية الحصينة كسجن “الرويمي” السياسي..

كانت لي العديد من الكتابات وكنت أَستفز جداً حين ينفجر البعض من معارضة الخارج واصفاً الشعب الليبي بالجبان، وشعب الرقص والولاء، مردداً الوصف الظالم الذي وصف به أحد مشايخ الجزائر الشعب الليبي.

كان كثيرون يعبرون عن خوفهم عليَّ من مصيري المحتوم على يد الطاغية وأعوانه، بسبب مواجهتي المباشرة لنظامه من داخل طرابلس، وعلى بعد أمتار من حصنه داخل أسوار معسكر باب العزيزية. ولكن ثقتي في الشعب الليبي كانت تدفعني للمواجهة..

كنت أدرك أن قيام الثورة في ليبيا هو مسألة وقت، وقد تشكلت لدي هذه القناعة منذ عام 2004، وصرحت بها في العلن عام 2006، وذلك في حوار صحفي مسجل أجراه معي الأستاذ حسن الأمين، عندما سألني عن وجود أي علاقة لي بسيف القذافي أو أي محاولات له للاتصال بي فأجبته “أنه لا علاقة لي بهم ولم ألتقيهم ولن أفعل، وأن سيف وأشقاءه عليهم أن لا يورطوا أنفسهم بأي دور سياسي في هذا النظام الهش والمنتهي والمتهالك، وأن كل من يزج بهم في السلطة إنما يسعى إلى توريطهم ليس إلا”.

كما كان لي لقاء خطير جداً في شهر أيار (مايو) عام 2010 بمقر السفارة الدانماركية بطرابلس، مع وفد برلماني ألماني يضم عدة شخصيات بينهم السفير الألماني والقائم بالأعمال الدانمركي، كانوا في زيارة إلى ليبيا لمدة يومين، وقد اضطررت للخروج من المستشفى كي لا أفوت فرصة مقابلتهم، من أجل أن أنقل رسالة واضحة إلى العالم بأن الثورة قادمة لا محالة، وأنه لا خيار للشعب الليبي غير الثورة، ولا مجال للحديث لا عن التوريث ولا الإصلاح الكاذب.

كنت وهم تحت المراقبة، لكنني كنت مصراً على إرسال هذه الرسالة إلى العالم بأي ثمن، وقد وجدت تجاوباً وتعاطفاً كبيراً منهم، وأحدهم أبلغني بأنهم يطلعون حرفياً على كل ما كنت أكتبه، فوضعت القائم بالأعمال الدانماركي في صورة ما قد يحصل لي بسبب هذا اللقاء، ورتبت مع أسرتي للاتصال بمنظمتي “هيومن رايتس ووتش” والعفو الدولية (امنستي) ومنظمات وشخصيات حقوقية أخرى في حال تأخري عن الاتصال بهم.

س- كثيرون يسمعون عن المناضل فتحي الجهمي، لكن سيرته تم إخفاؤها من قبل النظام السابق، من خلال عشرتك معه كيف تصفه لهم، وكيف استُشهد؟

ج- كنا ثلاثة.. الشهيد البطل فتحي الجهمي والمهندس محمد الزنكولي رحمه الله وأنا. كنا نعلم جيداً أنه لا بد من اقتلاع القذافي ومن معه كخيار وحيد للخروج بالبلاد من أزماتها، ونحاول قدر استطاعتنا أن نعمل على تحقيق ذلك.

جاحد من لا ينسب لفتحي الجهمي الدور الرئيسي في الحراك السياسي السلمي الداخلي في ليبيا منذ عام 2004، وذلك عندما أطلق صيحته الشهيرة في وجه الطاغية القذافي عبر قناة الحرة واصفاً إياه بالدكتاتور ومطالباً بتنحيه عن حكم ليبيا، وكانت تلك أول خطوة تأسس عليها الحراك الداخلي، وكسرت حاجز الخوف وشكلت مساساً مباشراً بما كان يُعتبر هيبة الدولة.

 كنت معه في منزله أنا والسيد محمد الزنكولي تلك الليلة، وكان صلباً شجاعاً حريصاً على التمسك بموقفه، وبرز من بعده الشهيد ضيف الغزال الذي كان أبرز المدونين على الانترنت وأكثرهم صراحةً وشجاعة، وطالب بإسقاط النظام مراراً، فدفع ثمن ذلك حياته، حيث تم اختطافه ومن ثم قتله وتقطيع أطرافه ورميه في مكب للقمامة، كما برز في ذات الوقت الكاتب الشجاع عبد الرازق المنصوري وآخرون سيذكرهم التاريخ جميعاً.

لقد تم قتل فتحي الجهمي بعد أن مُنع من العلاج وهو مريض في القلب لأكثر من عام كامل داخل سجنه، ما ترتب عليه تدهور صحته ووفاته، وذلك حسب ما صرح به الطبيب الذي تولى متابعته.

س- ما الفرق بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج؟

ج- بالنسبة للمعارضة الليبية في الخارج أنا لا أعرف عنهم الكثير، فعلاقتي بهم كانت محصورة في بعض الأشخاص، وهؤلاء كان بيني وبينهم تنسيق وتعاون مباشر.

أما بالنسبة لمعارضة الداخل فقد بدأت حراكها منذ عام 1969، ومنذ ذلك التاريخ والقذافي يعدم ويشرد ويسجن أبناء شعبنا بالداخل، فكل من ليس مع القذافي كان يعتبره ضده، وكان الشعب الليبي يواجه على مدى الاثنين والأربعين سنة الماضية شتى أنواع العذاب، ما دفع لتشكُّل المعارضة الليبية المسلحة، وهي معارضة ذات جذور عميقة، وجديرة بالاحترام، قدم أعضاؤها وأهلهم تضحيات كبيرة، القدافي كان يتعمد التعامل معهم بأسلوب العقاب الجماعي.

الشهيد فتحي الجهمي والشهيد ضيف الغزال بدؤوا مرحلة مختلفة، فكانوا نواة الحراك السياسي السلمي الداخلي الذي أسقط القذافي، هم من كسر حواجز الخوف، ونشر الحراك في كل الساحة الليبية من خلال الكلمة، وكان لوجود الانترنت الدور الرئيسي في التعبئة الداخلية والتنسيق فيما بين المعارضين بالداخل، وكان لأبناء ليبيا من أحرار وحرائر الدور الكبير في الدعم الإعلامي عبر الانترنت.

المعارضة الداخلية بحكم أن عملها كان سرياً وطويلاً على مدى أكثر من أربعة عقود، فإنه يحتاج إلى مجلد كامل لسرد القصص والتضحيات التي قدمها أفرادها والذين صمدوا بدعم الشعب الليبي العظيم.

س- سجنت في عدد من سجون القذافي ما هو اسوأ السجون ولماذا؟

ج- في ليبيا لا توجد سجون، ولكن معتقلات مثل زمن النازية وأسوأ، تتبع أجهزة المخابرات، ممنوع أن تدخل إليها الشرطة القضائية أو أي جهة غير المخابرات، وبكل تأكيد الأسوأ من بينها هو معتقل “النصر” الذي يشرف عليه أحد منفذي مجزرة أبوسليم ويدعى عبد الحميد السايح.

وهو عبارة عن زنازين قذرة لا تهوية فيها، حجم الحجرة 60 X 190 سم، عليها قوم من أحط عباد الله، لا دين ولا أخلاق ولا علم، مجرمون ولصوص ومتعاطو مخدرات، وولائهم كبير جداً لمسؤوليهم، كما أنه من المستحيل اختراقهم، ومسألة التلذذ بتعذيب الأبرياء هواية مفضلة لديهم.

وهذا المعتقل مخصص لمن يصنف على أنه خطير، وكل من يراد معاقبته من السجناء في المعتقلات الأخرى يُرمى به في هذه الزنازين لعدة أيام كعقاب له.

أمضيت فترتين في هذا المعتقل كل منها امتدت لستة أشهر، في عام 2008 قضيت الأشهر الستة في عزل كامل عن العالم لم أشاهد فيها سجيناً واحداً، والفترة الثانية كانت في عام 2010 إبَّان الثورة. 

س- اعتقلت قبل ثورة 17 فبراير، متى بالضبط، وماذا كانت التهمة؟

ج- كان يوم 1 فبراير 2011، وقت أذان المغرب، وذلك بعد ساعات من نشري بيان طالبت فيه كل الشعب الليبي بالخروج إلى الشارع، ورفع شعار “نحن الشعب الليبي فمن أنتم؟”، ودعوت فيه لتشكيل حكومة إنقاذ، كان هذا السبب الرئيسي.

س- كيف كنت تتابع أحداث الثورة من داخل السجن؟

ج- في المرحلة الأولى من السجن فُرض عليَّ عزل تام، فكنت أقرأ الوضع من خلال سلوك السجانين وحركاتهم وحتى خطواتهم، وما أسمعه من أصوات الأسلحة والرصاص من وراء الجدران، ثم بعد حوالي خمسة أشهر وتحديداً بعد شهر حزيران (يونيو)، ونظراً لظروف المعتقل وكثرة عدد المعتقلين، اضطروا لوضعي مع السجناء بسبب حاجتهم للقاطع الذي كنت فيه وحيداً، إلا أنني بقيت في سجن انفرادي، وهذا ما أتاح لي فرصة أن التقي ببعض المعتقلين لحظات معدودة من حين لآخر، وأسمع منهم الأخبار، ومررنا بكثير من المواقف والقصص الرائعة والكثيرة ولابد أن يأتي يوم لذكرها بالتفصيل.

س- يرى البعض بأن الكثير من الدول تحاول بسط هيمنتها على ليبيا بعد الثورة، هل نجحت؟ وإلى أي حد يحسن الشعب الليبي صياغة تاريخه على الارض؟

ج- العديد من القوى الدولية تحاول أن تكون سباقة لدور كبير في ليبيا لأهميتها من جميع النواحي، سواء من حيث الموارد أو الموقع والثروات، وأعتقد أنهم وصلوا لنتيجة أنه من الصعب الهيمنة على هذا الشعب، وهذه حقيقة، الشعب الليبي لن يتعامل سوى مع من ينظر إليه بندية واضحة، وسيكسب ليبيا والشعب الليبي من يسير بهذا الاتجاه.

أما حول صياغة الشعب الليبي لتاريخه على الأرض، فالتجارب القليلة والمهمة أثبتت قدرته على ذلك، سواء كشعب ثائر أو كشعب متعطش للحرية، وكيف برهن على الارض تلك القدرة من خلال الانتخابات، والتي مرت بسلام رغم وجود ملايين قطع السلاح الموزعة في كل ليبيا، إلا أن إرادة الشعب بنجاح الانتخابات صنعت الفارق.

س- ونحن نقترب من مرور عام على انتصار الثورة أين ترى ليبيا اليوم؟

ج- أرى ليبيا غير مستقرة، وأعزو ذلك لفقدانها لقيادة وطنية تستطيع أن تتخذ القرار الشجاع وتضع مصلحة وخيار الشعب على رأس أولوياتها.