“إلى أين تأخذونني .. الجو مظلم، لا أرى شيئاً”، بهذه الكلمات دخلت علينا السيدّة المعمّرة مباركة المعادني، تتكئ على حفيدتها ذات الخمسة والستين سنة عن يمينها، وعلى حفيدها ذي الخمس والأربعين سنة عن شمالها.

كاهلها بدا مثقلا بما قاسته من متاعب الدهر الذي أطفأ معظم بصرها وأفقدها القدرة على المشي بمفردها، لكنها نجحت رغم ذلك -بمساعدة أولادها وأحفادها- في تسجيل اسمها في كشوفات الانتخابات المحلية والمؤتمر الوطني العام، وشاركت في التصويت.  

“إلى أين تأخذونني .. الجو مظلم، لا أرى شيئاً”، بهذه الكلمات دخلت علينا السيدّة المعمّرة مباركة المعادني، تتكئ على حفيدتها ذات الخمسة والستين سنة عن يمينها، وعلى حفيدها ذي الخمس والأربعين سنة عن شمالها.

كاهلها بدا مثقلا بما قاسته من متاعب الدهر الذي أطفأ معظم بصرها وأفقدها القدرة على المشي بمفردها، لكنها نجحت رغم ذلك -بمساعدة أولادها وأحفادها- في تسجيل اسمها في كشوفات الانتخابات المحلية والمؤتمر الوطني العام، وشاركت في التصويت.  

المرأة المعروفة اليوم كأكبر ناخبي ليبيا لا تدري يوم ولادتها بالتحديد، لكن أحفادها يؤكدون على أنها ناهزت القرن، مشيرين إلى وجهها الذي غزته التجاعيد والدهر الذي سرق أسنانها والقصص التي ترويها والتي تعود إلى عقود مضت.

في منزلها المتواضع في حي القوارشة في مدينة بنغازي، وبينما كانت تجر قدميها بصعوبة بالغة، منحنية الظهر ذابلة العينيين، روى حفيدها واسمه “امراجع” إنه سألها قبل 15 سنة عن عمرها فقالت “عندما دخل الطليان إلى ليبيا (عام 1911) كنت أرعى الغنم وكان عمري سبع أعوام”، أي أنها من مواليد 1904.

طيلة حقبة الاحتلال الإيطالي عاشت الحاجة مباركة في مسقط رأسها في مدينة مصراتة، وهي تتذكر جيدا هزيمة الجيش الإيطالي أمام الانجليز في 1943.

وتقول بصوت بالكاد يفهمه السامع، بينا يفسّر حفيدها المقصود من كلامها: “عامذاك قُتل زوجي وأبنائي الثلاثة إثر غارة إنكليزية على أحد الأسواق في المدينة، فأخذت على عاتقي تربية أحفادي والاهتمام بأمورهم وقضاء حاجياتهم”.

في 1960، هاجرت مباركة مع أحفادها وبعض أهلها وكثير من أهالي المدينة إلى الشرق الليبي، إثر موجة جفاف اجتاحت مصراتة ومحيطها، ومنذ ذلك الوقت وهي تعيش مع أحفادها وأزواجهم وأبنائهم في مدينة بنغازي.

الذاكرة لا تسعف هذه السيدة الطاعنة بالسن في الإدلاء بشهادة عن بلدها. أكثر الصور التي ترافقها ،بحسب أولادها، كانت عن مجازر ارتكبها الطليان في حق الليبيين زمن الاحتلال. قصص ظلَّت ترددها للأحفاد وعلامات الحسرة والألم مرسومة علي محياها. اما فترة حكم الملوك السنوسيين ومن ثم أسرة القذافي فكانت تقفز عنها كما لو كانت لم تعشها.  

مع كل ما تعانيه هذه السيدة العجوز، من ضعف في الذاكرة وهشاشة في العظام وصعوبة في الحركة، عبرت عن رغبتها في المشاركة في الانتخابات، فلبى أبناؤها طلبها.

حفيدها “امراجع” ليس متاكدا تماما من غرض الجدة من وراء المشاركة، لكنه يبتسم كلما يخطر في باله أن كلاهما اختبرا التجربة الديمقراطية للمرة الأولى في حياتهما.

“امراجع” أضاف أن أبناء المدينة يعتبرون الحاجة مباركة “نموذجا” للإنسان الذي لا بد أن يكون فاعلاً مادام فيه قلب ينبض، وأن كثيرين يرون فيها “محفزا للمتراخين والمتكاسلين والسلبيين”.