أيام قليلة بعيد الثورة، وتحديدا في آذار (مارس) 2011، حكم القضاء الإداري بعودة شركات “عمر أفندي وطنطا للكتّان” و”المراجل البخارية” و”غزل شبين”، إلى ملكية القطاع العام، وهي شركات كان قد جرى خصخصتها في تسعينيات القرن الماضي.

قرار المحكمة شكل سابقة من نوعه منذ عمليات التأميم الناصرية، وبعث الأمل لدى عمال مصنع أسمنت أسيوط لكي يستصدروا حكما شبيها بخصوص مصنعهم المباع.

أيام قليلة بعيد الثورة، وتحديدا في آذار (مارس) 2011، حكم القضاء الإداري بعودة شركات “عمر أفندي وطنطا للكتّان” و”المراجل البخارية” و”غزل شبين”، إلى ملكية القطاع العام، وهي شركات كان قد جرى خصخصتها في تسعينيات القرن الماضي.

قرار المحكمة شكل سابقة من نوعه منذ عمليات التأميم الناصرية، وبعث الأمل لدى عمال مصنع أسمنت أسيوط لكي يستصدروا حكما شبيها بخصوص مصنعهم المباع.

وطبقا لما ورد في مسوغات الحكم، فإن فساد مالي شاب عملية بيع المعامل نظرا لسعر البيع الزهيد والذي لا يتناسب مع قيمتها الحقيقية، وهو ما يشبه الحال عندما بيع معمل أسيوط.

العمال لم يحصلوا على أرباح منذ 2004

المعمل الضخم الذي يمتد على مساحة 1300 فدان، يعد من أكبر مصانع الأسمنت في مصر، وينتج نحو 5.7 مليون طن سنويا، أي ما يقدر بنسبة 11.5 بالمائة من الإنتاج المحلي. وفي خضم سياسة الخصخصة المثيرة للجدل التي انتهجتها الحكومة نهاية التسعينات للخروج من مأزقها الاقتصادي، تخلت الدولة عن ملكية لمعمل أسيوط، ما أدى لتسريح أكثر من ألف عامل.

لكن لماذا يرغب العاملون اليوم في إلغاء قرار الخصخصة؟

يقول أحد العمال الذين يبلغ عددهم اليوم نحو 1200 عامل إنهم يرزحون تحت أوضاع معيشية تتدهور يوما بعد يوم. فقبل بيعه للقطاع الخاص كان من حق كل عامل الحصول على نصيب من الأرباح الكلية للمصنع، لكن الوضع تغير اليوم.

محمد سيد، يعمل منذ سنوات في هذا المكان، قال إن المصنع قبل الخصخصة كان يحقق أرباحا سنوية تبلغ قيمتها 400 مليون جنيه (حوالي 80 مليون دولار). “هذا المبلغ تضاعف بعد ان تملكه القطاع الخاص ليصل إلى مليار جنيه، لكن العمال لم يتقاضوا حصص الأرباح منذ 2004، وهو ما دفعنا إلى رفع قضية على الإدارة، ما زالت أمام المحاكم”، يقول.  

وبحسب شهادات هذا العامل وزملائه، فإن المصنع الذي أنشئ عام 1986 في قرية “جحدم” التابعة لمركز منفلوط كشركة مساهمة ليخدم احتياجات نحو 10 محافظات، يعتمد حاليا بشكل كبير على العمالة المؤقتة. ويقول محمد سيد إن “الإدارة لا تريد ربط نفسها بالتزامات مادية أو عينية تجاه العمال”.

ويصف سيد الخدمات الصحية بـ “المترهلة” على عكس السابق. ويشير إلى أن الدولة كانت تجري كشوفات دورية على جميع العمال، وهو ما يفتقده العمال مع الإدارة الحالية، علما أن الأخيرين لم يستطيعوا تنظيم أنفسهم قبل الثورة وتشكيل اتحاد خاص للمطالبة بحقوقهم.

من جهته، يقر عادل فرغلي، المستشار المالي في الشركة، أن العمال لم يحصلوا بالفعل على نصيبهم من الأرباح منذ عام 2004 وحتي 2011، لافتا إلى أن أرباح العام الماضي لوحدها بلغت 902 مليون جنيه (حوالي 180 مليون دولار).

وأضاف فرغلي أن “إدارة الشركة عقدت مؤخرا اجتماعا للتفاوض مع العمال وخلُص إلى منحهم 12 شهرا فقط عن كل السنوات وهو ما رفضه الأخيرون”.

فرغلي لفت أيضا إلى أن العمال الذين خرجوا إلى المعاش خلال السنوات السبع الماضية لن يحصلوا على أية حصة من الأرباح. وبرر سوء الرعاية الصحية لبقية العمال، قائلا إن “تكاليف التأمين الصحي كانت أقل في السابق”.

تسليط أمن الدولة علينا

مشكلات العمال تعود إلى بداية عملية الخصخصة، حينما واجهوا خطر التسريح والاحالة إلى المعاش المبكر كما يروي عاطف يوسف، أمين عام الغرفة التجارية في أسيوط والمتحدث باسم العمال.

ويقول عبد العظيم شعبان هاشم، أحد العمال المحالين إلى المعاش المبكر وعضو اللجنة النقابية بالمصنع، إنه في شهر تشرين ثاني (نوفمبر) عام 1999 باع مجلس إدارة الشركة المصنع لشركة سيمكس العالمية ذات الأصول المكسيكية، وفوجئ العمال بتصريحات تفيد بالاستغناء عن عدد كبير منهم.

ويضيف، “بدأت الشركة تضغط بتسليط أمن الدولة علينا من أجل تسوية معاشنا مبكرًا، وكانت الحصيلة تسريح 1300 عامل على ثلاث مراحل بداية من سنة الخصخصة وحتى 2002”.

والنتيجة كانت أن المصنع الذي بدأ بنحو 1000 عامل تقريبا ووصل إلى  2500 عامل قبل خصخصته، أخذ في الاستغناء عن العمال لينخفض عددهم اليوم إلى نحو 1200 عامل فقط.

ويذكر هاشم أن العمال المسرحين حصلوا على مكافآت تسريح لا تزيد عن 30 ألف جنيه (5000 دولار أمريكي)، مع عدم الحصول على أي معاش تقاعدي.

التجار يندبون حظهم

الأوضاع في مصنع أسمنت أسيوط لا تخص العاملين فيه فقط وإنما تمس أيضا التجار والمقاولين والعاملين في مجال البناء والإعمار، وكل من يبحث عن سكن. فزيادة أرباح المصنع بعد الخصخصة لم تترافق مع زيادة مماثلة لدى تلك الفئات.

ممدوح سعد عبد الراضي، أحد تجار الأسمنت بمدينة أسيوط، يقول إن الوضع قبل الخصخصة كان أفضل بكثير. “كان سعر الطن وقتها بـ 155 جنيها، ونقوم ببيعه بمبلغ 180 جنيها، أما بعد الخصخصة فالطن أصبح سعره 555 جنيها، ويتم بيعه بمبلغ 560 جنيها”.

ويتابع عبد الراضي قائلا “الكميات التي كنا نحصل عليها قبل الخصخصة كانت تفوق التي نحصل عليها الآن. لقد انخفضت حصتنا من 4 آلاف إلى ألف طن شهريا، وهو ما أدى إلي ركود في تجارة الأسمنت ومن ثم ركود في سوق العقارات”.

خصخصة المصنع ترفع أسعار العقارات

“سعر الشقة بقي بمليون ونص في مدينة أسيوط”، يقول سيد بشندي، رئيس شعبة المقاولين بالغرفة التجارية في أسيوط، مؤكدا أن كل هذا بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء وبخاصة الأسمنت الذي يشكل 40 بالمئة من مواد البناء المستخدمة.

ويستهجن المقاول ارتفاع سعر طن الاسمنت بعد الخصخصة إلى 3 أضعاف من دون مبرر، بالرغم من أن المواد الأساسية لصناعته موجودة في أسيوط، مرجّحا أن يكون السبب قيام المصنع بتصدير أغلب إنتاجه إلى الخارج، وضخ كميات قليلة في السوق المحلي.  

وهو كغيره من خصوم الإدارة الحالية يطالب بتفعيل قانون منع الممارسات الاحتكارية، لأن بيوت المقاولين “اتخربت”، كما يقول. 

ففي سنة 2001 كان تعداد المقاولين 900 مقاول بمحافظة أسيوط، وفي 2006 تراجع هذا العدد إلي 250 فقط، بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء.

دعاوى لاسترداد المصنع

الحكم الذي صدر قبل أشهر باسترداد القطاع العام ملكية مجموعة من الشركات الخاصة، أعطى أملا لعمال مصنع أسيوط في عودته هو الآخر لحضن الدولة، ومن ثم الحصول على حقوقهم.

عدد من المحامين قام برفع دعاوى مختلفة باسم العمال، منهم حسن همام الذي يستند في دعواه إلى أن المصنع بيع بسعر قدره 1.3 مليار جنيه ( حوالي 216 مليون دولار)، بينما بلغت قيمته السوقية في وقت البيع عشرة أضعاف هذا المبلغ، أي 13 مليار جنيه، وبهذا فإن “عقد البيع يفتقد إلى شرط حسن النية” يقول المحامي.

ويضيف همام في حديث مع “مراسلون” أن “سعر المصنع لم يجر تقديره من خلال بيت خبرة عالمي، وهو ما يجعل هناك شبهة تلاعب في إجراءات البيع، ويسهل عملية الطعن على عقد البيع أمام القضاء الإداري”.

من بين القضايا الأخرى المنظورة دعوى رفعها المحامي علي العدوي على شركة سيمكس لاسترداد المصنع وعودة العمال المفصولين، ومن المنتظر أن ينطق بالحكم في جلسة 13 أيلول (سبتمبر) القادم.