تشهد الساحة السياسية التونسية حركية غير مسبوقة في تاريخ البلاد. مبادرات اندماج لا تنفك تنطلق بين عدد من الأحزاب في محاولة لتحقيق التوازن السياسي بعد فوز وصف بالساحق لحركة “النهضة” الإسلامية في الانتخابات الأخيرة.

متابعون للشأن السياسي التونسي يرون أن المرحلة المقبلة ستدفع إلى السطح ثلاثة أقطاب كبرى فضلا عن الائتلاف الحاكم بقيادة حركة “النهضة” الإسلامي.

 

تشهد الساحة السياسية التونسية حركية غير مسبوقة في تاريخ البلاد. مبادرات اندماج لا تنفك تنطلق بين عدد من الأحزاب في محاولة لتحقيق التوازن السياسي بعد فوز وصف بالساحق لحركة “النهضة” الإسلامية في الانتخابات الأخيرة.

متابعون للشأن السياسي التونسي يرون أن المرحلة المقبلة ستدفع إلى السطح ثلاثة أقطاب كبرى فضلا عن الائتلاف الحاكم بقيادة حركة “النهضة” الإسلامي.

ويمثل القطب الأول الحزب “الجمهوري” الذي يجمع الأحزاب الوسطية، أما الثاني فيضم الحركات الدستورية التي تعيد ترتيب بيتها الداخلي بالاتكاء على تراث الزعيم الراحل بورقيبة، اضافة الى القطب الذي يضم الاحزاب اليسارية الراديكالية.

 

الحزب الجمهوري

ضم الحزب “الجمهوري” الذي أعلن في 9 نيسان (أبريل) الماضي أبرز الاحزاب التي كانت معارضة للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. الحزب الجمهوري وحزب آفاق وحزب الإرادة وحركة بلادي اضافة الى عدد من الشخصيات المستقلة ابرزها وزير التشغيل السابق سعيد العايدي.

وسام الصغير عضو المكتب السياسي بالحزب “الجمهوري” يقول لموقع “مراسلون “إن تعدد الأحزاب الديمقراطية التي شاركت في الانتخابات أدى إلى تشتت أصوات الناخبين ما اسفر عن سيطرة واضحة للتيار الاسلامي. وأضاف “من هنا تولدت ضرورة الاندماج”.

وتابع الصغير “اليوم توجد صورة جديدة للمشهد السياسي في تونس. اعتقد ان عدد الاحزاب التي ظهرت ابان الثورة سيتقلص خاصة بعد خروجها من الانتخابات الماضية مقتنعة بضرورة الاندماج وتوحيد القوى”.

وزاد قائلا “أصبحت هذه الأحزاب تملك نضجا وواقعية سياسية يكفيها للتخلص من الانانية الحزبية والتوجه نحو اضفاء توازن على الساحة السياسية في تونس”.

ومن المنتظر ان ينضم للحزب “الجمهوري” حركة “المسار الديمقراطي الاجتماعي” التي أعلن عنها بعد اندماج حركة “التجديد” وحزب “العمل التونسي” ومستقلين من “القطب الديمقراطي الحداثي”.

في هذا السياق قال الناطق الرسمي باسم حركة “المسار الديمقراطي الاجتماعي” سمير الطيب خلال ندوة صحفية “نحن نتطلع بشغف شديد إلى المسار الثاني الذي سيحقق نقلة نوعية في ميزان القوى السياسية”، في إشارة إلى المفاوضات مع الحزب “الجمهوري” بهدف التوحيد.

 

الاحزاب اليسارية

من جانبها تسعى الاحزاب التي توصف باليسارية الراديكالية لتوحيد صفوفها وإيجاد موقع لها في المشهد السياسي التونسي بعد “خيبة” انتخابات المجلس التأسيسي، عبر تكوين “جبهة 14 جانفي” التي تضم اساسا حزب “العمال الشيوعي” و”حركة الوطنيين الديمقراطيين” اضافة الى بعض فصائل اليسار.

وفي تصريح لموقع “مراسلون” قال محمد مزام عضو المكتب السياسي بحزب “العمال الشيوعي” أن انفجارا حزبيا شهدته البلاد “بعد سقوط نظام بن علي حتى فاق عددها 110 حزبا سياسيا.

ويرى زمام أن “من الطبيعي ان تتجه هذه الاحزاب خاصة بعد الانتخابات الاخيرة للتكتل فيما بينها سواء عن طريق الاندماج او التحالفات”.

وأضاف القيادي الشيوعي “نحن في حزب العمال نعتقد ان الاساس لبناء جبهات يقوم على محاور تتعلق بتحقيق اهداف الثورة السياسية عبر اقامة نظام ديمقراطي يحفظ الحريات والحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الجهوية”.

من جانبه اكد عبد الرزاق الهمامي رئيس حزب “العمل الوطني الديمقراطي اليساري” لموقع “مراسلون” أن “الديناميكية السياسية التي تشهدها تونس متوقعة لعدة اعتبارات أهمها النتائج التي افرزتها انتخابات المجلس التأسيسي”، مشيرا إلى أن الهدف من إنشاء هذا التكتل اليساري “إضفاء توازن نوعي على المشهد السياسي في تونس” بعد أن تصدره الإسلاميون.  

 

الدستوريون الجدد

تثير عودة الدستوريين نسبة إلى الحزب “الاشتراكي الدستوري” بزعامة الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، جدلا في الساحة السياسية التونسية، وذلك منذ أن أعلنت ستة احزاب انضمامها لحزب “المبادرة” الذي يترأسه كمال مرجان، وزير الخارجية خلال فترة حكم بن علي.

حركة “االنهضة” الإسلامية حذرت على لسان قياداتها من أن “التجميعيين” (رجالات النظام السابق) عازمون على العودة تحت عباءة أحزاب بورقيبية. وكانت النهضة تشير -فضلا عن مرجان- إلى مبادرة الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي الذي تولى رئاسة الحكومة الانتقالية الثانية 10 أشهر، بعد رحيل زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني يناير. فالأخير جمع في آذار (مارس) الماضي أكثر من 50 حزباً دستوريا في المنستير وسط شرق تونس برعاية “الجمعية الوطنية للفكر البورقيبي”، بغرض لم صفوفها في مواجهة الإسلاميين.

سميرة الشواشي الناطق الرسمي باسم حزب “المبادرة” قالت لموقع “مراسلون” ردا على الاتهامات بالولاء للنظام السابق “حينما يكون هناك موعد انتخابي يستنجدون بأصوات التجميعيين باعتبارهم قوة انتخابية ضخم،  لكن حين يرون ان هناك زعامات وأحزاب تلتقي حول مشروع موحد، يسارعون إلى ترديد فزاعة التجمعيين التي استعملت سابقا ضد الاسلاميين أنفسهم”. وتضيف “هذا غير مقبول فهم في نهاية الامر مواطنون ومن غير المعقول ان يتحمل ملايين التونسيين اخطاء أشخاص”.

وبخصوص التحالفات التي تشهدها تونس في الفترة الاخيرة قالت شواشي “انتخابات 23 (تشرين أول) اكتوبر اظهرت العديد من النقائص واسفرت عن سيطرة طرف سياسي واحد على المجلس التأسيسي نظرا لتشتت الاصوات وبالتالي من الطبيعي ان تعيد اغلب الاحزاب النظر في طريقة تواجدها على الساحة السياسية والتي تعتبر التحالفات والاندماجات اكثرها واقعية وفاعلية”.

 

الإسلاميون يرحبون بالاندماج

 

وخلال اجتماع حزبي في نيسان (أبريل) الماضي أكد رئيس حركة” النهضة” الاسلامية راشد الغنوشي أن الساحة السياسية متجهة لتحقيق ما اسماه “النضج”، مشيرا إلى أن حزبه قد يفتح المجال للاندماج مع بعض الأحزاب ذات التوجه الإسلامي.

وشدد في السياق ذاته على ضرورة أن تكون عمليات الاندماج بين الأحزاب “دعامة للبناء”، منبها إلى أن”أي محاولة لإزاحة النهضة ستجر البلاد إلى فوضى لا تخدم المصلحة الوطنية في شيء”، حسب تعبيره.

يذكر أن الأحزاب الوسطية واليسارية منيت بهزيمة قاسية في الانتخابات التي جرت يوم 23 تشربن أول (أكتوبر) الماضي، ولم يحصل الحزب “التقدمي” إلا على 15 مقعدا في المجلس التأسيسي فيما نال حزب “آفاق” خمسة مقاعد. في المقابل حققت حركة “النهضة” فوزا وصف بالساحق بعد ان تمكنت من الحصول على 89 مقعدا في المجلس التأسيسي من مجموع 217 مقعدا.

ومن المنتظر أن تجري تونس في غضون أقل من سنة انتخابات برلمانية ورئاسية أو انتخاب رئيس حكومة حسب نوعية النظام السياسي الذي سيحدده الدستور الجديد.