في يوم حار بآواخر التسعينات؛ جلس عيسى عبدالله موسى، مع زملاؤه بعد مشقة عمل يوم طويل يتناول الطعام وكان وقتها يقترب من عقده الثالث، ويمتهن النجارة، أحضر حفنة ملح من بحيرة “دهيبة”، أخذ عيسي ما يكفيه، وترك الباقي بجواره تحت أشعة الشمس. في اليوم التالي فوجيء عيسي بالملح قد تصلب وتشكل بنفس شكل القالب الذي وضع فيه.

***

كانت هذة هي البداية التي ألهمت عيسي باستغلال تصلب الملح بفعل حرارة الشمس، ليصنع منها أشكال فنية صغيرة، كان الأمر في بدايته محض هواية لاقت أعجاب عيسي، إلى أن جاء سائح بولندي، طبيب، أدهشته تحف عيسى الصغيرة، وأخذ يحدث الشاب السيوي عن فوائد الملح الخام، الذي ينقي الجو، ويهدئ الأعصاب.ويساعد في علاج الروماتيزم.

 

بعدها لم تعد مجسمات عيسي المصنوعة من الملح رهينة للأرفف لديه، بل تحولت إلى صناعة يدوية لمنتجات سياحية –عُرفت بالـ «الملَاحات» تلقى رواجا واسعا من السائحين الأجانب والمصريين القادمون إلى الواحة.

بدأ آخرون من أهل سيوة يتعملون من “عم عيسى”- الذي بلغ الستين الأن- تلك الحرفة التي بات لها زبائنها، وأصبحت أحد الأنشطة الرئيسية التي تكوَن اقتصاد الواحة، إلى جانب أنشطة أخرى كالتمور والزيتون.

يدين معظم الحرفيين الحالين العاملون بصناعة الملاحات بالفضل لعيسى الذي عملهم وساهم في انتشار الحرفة بين كثيرين.

 

واحد من هؤلاء هو سالم -32 سنة- الذي بدأ حديثه قائلا:”عم عيسى أستاذي الذي عملني الحرفة”. يستخرج سالم أحجار الملح  – بالأمازيغية “أضغاغ انتيسنت” كما أخبرنا – من بحيرة «دهيبة»، باستخدام عربة “كارو” والتى تعرف بلغة أهل سيوة بالـ «كاروست”.

 

يتابع سالم أنه يعمل منذ 12 عام في صناعة الملاحات، والتى تعتبر  مصدر دخله الوحيد، ويحرص سالم على توريث أبناءه الثلاثة الحرفة، إذ يقومون بمعاونته في شهور الإجازة الصيفية، ويفتخر أبناءه بتلك الحرفة، ويعبرون عن رغبتهم في تعلم المزيد عنها وأن الأمر لا يقتصر على مساعدة والدهم.

***

يذكر بحيرة «دهيبة» تقع على أطراف الواحة، وتتجاوز مساحتها آلاف الأفدنة، تمتلأ مياهها بالملح في صورة رواسب وكذلك كتل حجرية، ويشير سالم إلى أن العمل في استخراج الملح من البحيرة ينشط في الصيف بينما يتراجع العمل في الشتاء لإرتفاع منسوب المياه في البحيرة، مما يجعلهم يستخرجون كميات أكبر في الصيف لتوفير مخزون كافي لإستمرار العمل في الشتاء.

***

يقوم العمال باستخراج الملح من البحيرة وتركه تحت أشعة الشمس لمدة أسبوعين، حتي يتماسك ويصبح صلبا، بعد ذلك يتم تنقيه الملح من الشوائب العالقة بها، في عملية تعرف بـ «الصندقة» يتم خلالها التخلص من العوالق غير الضرورية.

 

ينتقل الملح بعد ذلك إلى مرحلة التقطيع، حيث يم تقطيع قوالب الملح إلى قطع تتفاوت مقاساتها على حسب استخدام كل قطعة، ثم يقوم العمال بتفريغ القوالب وحفًها من الخارج لعمل المنحوتات النهائية التي تتعدد استخداماتها ما بين أباجورات، وأشكال هندسية أخرى كتحف للزينة.