تصوير / محمود ارحومة

تتكرر أزمة نقص الوقود في مدينة سبها جنوب ليبيا بشكل يصبح معه الحفاظ على المخزون منها صعباً، ولم يعد مشهد الازدحام أمام محطات الوقود في سبها غريباً، كما لم يعد الناس يستغربون أن تغلق هذه المحطات أبوابها أياما طويلة.

إلا أن الوقوف لساعات طويلة في محطات الوقود يعد أمراً مقلقاً للكثيرين بسبب الوضع الأمني، فالمبيت ليلاً في الطابور ليس آمناً، ومع تأزم الوضع زاد عدد راكبي الدراجات الهوائية الذين يجوبون المدينة وهي ظاهرة حديثة خلقتها الأزمة، ومع كونها مشهداً صحياً إلا أن الجميع هنا كان يفضل استخدام السيارات التي لا تتطلب قيادتها مجهوداً بدنياً يذكر.

عودة سكان المدينة لاستخدام الدراجات الهوائية، انعكس إيجاباً على عمل الشاب ميلاد حسين (20عاما) والذي يملك ورشة لتصليح وصيانة الدراجات القديمة في حي الجديد وسط المدينة.

يقع محل ميلاد في شارع فرعي داخل حي الجديد، المحلات الواقعة في الشارع عادية جداً، لاتوجد أية كماليات فيها، فأغلبها تعرض بضاعتها بدون ديكورات أو محسنات تلفت النظر، وكان ميلاد بانتظارنا منذ ساعات الصباح الأولى، فهو يأتي مبكراً لرعاية أعماله المزدهرة، وأصبح ملزماً بتمديد ساعات عمله في الورشة وهو الذي قضى سنيناً طوال في هذا العمل.

يقول ميلاد إنه امتهن تصليح الدراجات منذ أكثر من سبع سنوات، ولم يكن لديه في البداية محل مستقل، ولكنه استمر في العمل حتى تمكن من ادخار مبلغ سمح له باستئجار المحل الذي يشغله الآن، واستطاع أن يكون سمعة طيبة بين زبائنه.

 

يقول ميلاد إن أعطال الدراجات في سبها مختلفة ومتعددة، ولكن أغلبها ناجمة عن الطرق الترابية التي صارت سمة لمدينة سبها، كما إن تعدد المطبات يتسبب في ضرر واضح بالعجلات، ومع ذلك لا يتوقف مستخدمو الدراجات عن ركوبها فهي الملاذ الوحيد بعيداً عن سلطان الوقود الذي صار عزيز المنال.

لا توجد خيارات كثيرة أمام الزبائن في محلات الدراجات الهوائية، فالأنواع المعروضة محددوة، وهذا ينعكس على الأسعار أيضاً، وحسب ميلاد فإن أسعار الدراجات تترواح بين 500 إلى 850 دينار، وقبل أزمة البنزين كان أغلب الزبائن من الأطفال الذين يتسلون بها في الصيف، أما الآن صار الوضع مختلفاً.

يسمح أصحاب ورش الدراجات لبعض الأطفال بصيانة دراجاتهم بأنفسهم، حيث يذهب الطفل إلى محلات قطع الغيار ويشتري ما يحتاجه ويقصد الورشة ليستخدم معداتها بشكل مجاني، وهذا مايوفره ميلاد لزبائنه الصغار، يقول إن ذلك يوفرُ له الوقت في ظل زحمة طلبات الصيانة، وقد أخبرنا أن أخاه الأصغر البالغ من العمر 13 عاماً يجد متعة كبيرة في مساعدته لقاء خمسة دنانير في اليوم، وهو من يتفاهم مع الزبائن من صغار السن.

ورشة ميلاد التي كانت عبارة عن محل حلاقة يدفع إيجاراً لها 300 دينار في الشهر، يقول إنه يستطيع تأمين المبلغ بسهولة في مواسم ازدهار العمل، ولكن في أوقات الكساد يضطر لدفعه من مدخرات المحل.

ويستمر العمل في الورشة حتى في ساعات الليل، حيث بعد يوم كامل من التجول والحركة في شوارع المدينة يجد سائقو الدراجات أنفسهم متجهين لورشة الصيانة، ويحافظ ميلاد على العمل ليلاً لتوفير الخدمات لهم.

صارت تفاصيل حياة ميلاد مربوطة بورشته فهو يقضي فيها معظم وقته، فيأكل ويصلي ويمارس كل ما مايريده داخل الورشة، واقع فرضه عليه تغير أحوال السوق الذي يشهد إقبالاً غير عادي على تصليح وصيانة الدراجات.

ومع نهاية اليوم يغلق ميلاد ورشته ويعود على دراجته للمنزل، وينهي بذلك يوماً حافلاً من العمل، ويعتقد أن عمله هذا جلب له شيئاً من الاستقرار المادي، فهو بذلك يوفر العديد من احتياجاته ويجعله مستقلاً عن والده، وهو ما يدفع إخوته للعمل معه بالورشة في أحيانٍ كثيرة.