تصوير / عوض الجعلي

يقطع علي حسن حريبيش (60 عاماً) مسافة ستة كيلومترات يومياً، هي المسافة التي تفصل بين مزرعته الواقعة في مدينة الخمس وموقع المدينة الأثرية “لبدة”، التي يحرسها رفقة عدد من شباب المدينة منذ أكثر من ستة أعوام دون مقابل.

وحسب الموقع الإلكتروني لمنظمة اليونسكو فإن مدينة لبدة الشهيرة كانت “إحدى أجمل حاضرات الامبراطورية الرومانية بعد أن جمّلها وكبّرها سيبتيموس سيفيروس ابن البلاد الذي أصبح امبراطوراً، وذلك بنصبها العامة الكبيرة، ومرفئها الاصطناعي، وسوقها، ومخازنها، ومحترفاتها وأحيائها السكنية”.

أهمية المدينة الأثرية يدركها الليبيون جيداً ومن ضمنهم حريبيش الذي قال لـ”مراسلون” إنه تطوع لحمايتها من السرقة والنهب منذ أغسطس عام 2011، أي قبل انتهاء الحرب بمقتل القذافي، “عملي يبدأ من الثامنة صباحاً وحتى ساعة متأخرة من الليل، صُحبة مجموعة من المتطوعين الذين انضموا لي وآثروا حماية الآثار، وقد تركت مسؤولية المنزل لأبنائي الذين يبلغ عمر أصغرهم 24 عاماً”.

عبر مدخل خاص رافقنا العم علي إلى داخل الآثار، ينظر حوله بفخر وهو يسير في دروب ومسالك المدينة الأثرية التي حفظها عن ظهر قلب، يقول “6 سنوات كافية لاكتساب خبرة حول آثار لبدة، لم يكن عملي تأمين الآثار فحسب بل حتى زوارها، واستفدت من لقاء الباحثين والمرشدين في معرفة تفاصيل التفاصيل عن المدينة الأثرية”

وعلى صخرة أثرية تطل على مدخل يؤدي إلى قوس النصر – أحد أشهر معالم المدينة – يجلس العم علي قائلاً “لم تدعمنا الدولة، ولكن رغم ذاك فلن نتخلى عن حماية الموروث الثقافي لبلادنا”، متأملاً إنشاء جهاز لحماية الآثار.

ويواصل حديثه وهو يشير بيديه إلى أبرز المعالم المحية بنا قائلاً هذا الشارع العرضي، وذاك شارع الأعمدة، وهناك حمامات أدريان، وبجانبهم ملعب “بلاسترا” وقربهم معبد الحوريات، والكنيسة والميدان “البازيلكا”.

حتى وصلنا إلى غرفة بابها حديدي وضعت أمامه أحجار أثرية، علق قائلاً “هذه المحكمة، وكانت أيضاً مكاناً لعقد الاتفاقيات”، وأشار إلى أنهم أوصدوها بالأحجار خوفاً من العبث بها.

بعد انتهائنا من التجوال خارجاً عدنا مع العم علي إلى مكتبه، حيث اختفى بداخل خزنةً خاصة قليلاً، ثم أحضر صندوقاً وبدأ يخرج محتوياته، “هذه 17 قطعة أثرية عبارة عن جرار وأواني وفوانيس تعود للعهد الروماني، ضبطتها بحوزة شخص كان يعرضها للبيع”.

… “لا لم تهرب من لبدة” قال مجيباً السؤال البديهي في تلك اللحظة، مضيفاً، “هذه القطع هربت للأسف من مناطق بها آثار غير مكتشفة خارج مدينة لبدة، ولن أسلمها لمصلحة الآثار الليبية إلا بمحضر رسمي، وفي محفل رسمي، وهي المرة الأولى التي أتحدث حولها للإعلام”.

قبل أن نتحرك إلى حلبة المصارعة بسياراتنا فتح العم علي أمامنا ظرفاً يحوي رسائل خاطب بها الحكومات المختلفة بغية الحصول على دعم لتأمين المدينة الأثرية، ومن بين الأوراق التي عرضها أمام “مراسلون” شهادات شكر وتقدير على جهوده تحصل عليها من مصلحة الآثار ووزارة السياحة بحكومة الإنقاذ الوطني، والثقافة بالحكومة الانتقالية برئاسة عبد الرحيم الكيب، وعدد كبير من مؤسسات المجتمع المدني.

ثم تبعناه حتى وصلنا إلى ما قال إنها حلبة مصارعة “باركو”، اكتشفت عام 1963، كان يتصارع فيها الحيوان والإنسان، وكانت تستخدم كساحات إعدام، وتستخدم للترقيات أيضاً، وقد تم ترميمها سابقاً.

وفيما جلس محدثنا على مدرج الحلبة، تاركاً بندقيته في السيارة، استعرض وثائقاً من بينها ما يثبت اكتشافهم عبوة ناسفة عثر عليها قرب آثار لبدة في يونيو 2015.

وختم حديثه بالقول “أقضي وقتاً في الآثار أكثر من الذي أقضيه في المنزل مع أسرتي، وأنا على استعداد تام لتسليم المهمة لأيدٍ أمينة، في حال طلبوا مني ذلك”.