داخل حي اللبان بمدينة الإسكندرية، يسكن  منذ 50 عامًا “أسطوات” يقاومون الزمن، بإبقاء مهنتهم التي توارثوها عن أبائهم وأجدادهم على قيد الحياة، نافضين عن عقولهم مخاوف تعرضها للانقراض.

“سباكة المعادن”.. مهنة شديدة الصعوبة، وتتطلب من العامل بها مهارة فائقة، خاصة وأن وقوع خطأ واحد خلالها يمكن أن يُحدوث كوارث دون مبالغة.

لذا فعمال ورش حي اللبان يُلقبون بالفنانين، بسبب مهاراتهم الفائقة، التي يتعاملون من خلالها مع جميع مخاطر مهنتهم ببساطة وأريحية.

جروح كثيرة طالت أيدي أسطوات مهنة “سباكة المعادن”، سنوات طويلة دون أن تداوى تلك الجروح، حتى ظهر غطاء الأيدي “الجوانتي”، الذي أنقذهم من جروح العمل، لم يشتر أصحاب ورش سباكة المعادن هذا “الجوانتي” المستورد لسنوات طويلة بسبب غلاء سعره إلى أن أُضطروا لشراءه حفاظًا على العمالة.

قليل الحديث، كثير العمل، وجل ما أفصح عنه أن اسمه “سمير”، ويبلغ من العمر49 عامًا، وأقدم عمال الورشة التي يعمل بها، وفور شعوره بقليل من الراحة التي تمكنه من البوح بما يقبض قلبه قال: “من شغلي هنا بحاول طول الوقت إني أأمن نفسي، وبطلب دا من صاحب الورشة، لأني حاسس دايمًا إني هتعب في فترة، ومش هلاقي شغل، ودي الشغلانة الوحيدة اللي بعرف أشتغلها”..

يبدأ “سمير” العمل بإرتداء “الجوانتي” طالبًا المدد: “بسم الله توكلنا على الله”

تعتمد صناعة “سباكة المعادن” على كتل من الخردة، يأتي بها محترفو تلك التجارة، إلى ورش السباكة، فيتسلم “عم محمد”، ثم يقوم بفرزها، ووضعها داخل عين مشتعلة بالنيران تسمى “عين المسبك”، لتسييح الخردة خلال مرحلة “الصهر”.

 

من داخل تلك الحجرة يخرج صوت من المذياع، يتلو بعض آيات القرآن الكريم، التي بإنتهائها تطلق أم كلثوم حنجرتها مرددة كلمات رقيقة طالما أحبها “عم محمد”. يهون المذياع على هذا العامل الوقت الذي ينتظره حتى تنصهر الخردة، حيث تستغرق تلك العملية من 60 إلى 90 دقيقة، يظل جالسًا خلالها على مقعده بجوار “عين المسبك”.

وداخل ذات الغرفة يقوم “سمير” خلال مدة “الصهر”، بتقليب “عين المسبح” بين حين والآخر. وقال عن ذلك: “أنا بقلب العين كل شوية عشان الشوائب تطلع ع الوش فأشيلها، وبعدين أقفل العين تاني عشان عملية الصهر تكمل”

 

وخلال الـ 30 دقيقة المتبقية من عملية الصهر، يقوم “سمير” بتجهيز القوالب التي سيتم صب المادة داخلها.

 

في تلك الغرفة المظلمة، التي لا يرمي على حوائطها الضوء سوى بعض النور الخارج من نيران تأكل الحديد، يقوم العامل قبل صب المادة شديدة السخونة، بـ “تقليب” مستمر لها، من أعلى، لصيد الشوائب، شيئًا فشيئًا، لتخرج المادة الأخيرة صافية وجاهزة للتشكيل.

 

محمود أصغر العاملين سنًا، حاملًا “الكبشة” التي تُستخدم جلب المادة الساخنة لصبها في القوالب.

 

أربعة عمال يتشاركون صب المادة المنصهرة داخل القوالب الخاصة بها، وفي أحد جوانب الغرفة توجد بعض الأشكال النحاسية التي تم الإنتهاء منها.

 

بدقة شديدة يتم هنا ملئ “كبشة” بالمادة المنصهرة شديدة السخونة، ليتم صبها داخل القوالب المجهزة لها، لتشكيلها.

 

لكونه أُسطى قدير كما يقال داخل ورش سباكة النحاس، يقوم عم سمير بوضع اللمسات الأخيرة لتلك المادة المنصهرة داخل القوالب لتخرج على هيئة أشكال تُزين المنازل وحوائطها وأبوابها.

 

عقب صب المادة داخل القوالب، يقوم أحد العمال، بوضعها على أرضية من الرمل، لتمتص حراراتها.

 

 

بعد أن تفقد القوالب الكثير من حرارتها، يقوم هاذان العاملان بخلع الإطارات المحيطة بها، لتنخفض  حرارتها هي الأخرى.

 

في عملية تحمل الكثير من الخطورة وفقًا للأدوات المستخدمة بها، يقوم هذا العامل، بتثبيت الشكل داخل القالب الخاص به، مستخدمًا في ذلك شعلة غاز.

 

بعد مراحل كثيرة، يخرج للنور المنتج النهائي، الذي يقوم العمال بتجهيزه لللبيع، خاصة أن كثير ممن يقومون بشرائها مكاتب الديكور، لاستخدامها في تزيين الفيلات والقصور، وعن ذلك قال أحد العمال: “مفيش حد فقير بيستخدم المنتجات دي”.