بعد ظهور موضة مصحات علاج الإدمان بالخارج، كنوع من السياحة الاستشفائية، في دول مثل تايلاند وموريشيوس، حاولنا أن نعرف لماذا حازت العديد من مصحات الإدمان في مصر على سمعة سيئة، بعدما كانت مقصداً، لمتعاطي المخدرات اللذين يرغبون في التعافي من المنطقة العربية بأسرها، هل جاء ذلك بعد وفاة عدة حالات بالمصحات لأسباب مختلفة منها ما يتعلق بالتعذيب وسوء المعاملة ومنها جرعات زائدة.  وأين هو دورها في دولة تخطت بها نسبة التعاطي 10% وهو ضعف النسبة العالمية  5% حسب آخر احصائيات صندوق مكافحة الإدمان.

البداية ترخيص

يجيب عن السؤال الذي نطرحه الدكتور عزت فريد استشاري الأمراض النفسية وعلاج الإدمان، والذي يفترض ببداهة أن الطبيب المتخصص والتمريض المدرب جيداً من الأساسيات التي لاغنى عنها لوجود مصحة علاج الإدمان، أو مصحة إعادة التأهيل كما يرى الطبيب أنه الوصف الأدق، لكن الكارثة أن الجهات الرقابية التابعة لوزارة الصحة لا تقوم بدورها على الوجه الأمثل في متابعة وغلق كل المراكز المخالفة والتي يتركز معظمها بمحافظة الجيزة بمنطقة حدائق الأهرام، ومحافظة الإسكندرية بمنطقة الكينج مريوط، والتي عند سقوط أحد مراكزها غير المرخصة تبين أن من يملكه ويديره عدد من مسجلين الخطر.
هذه المراكز العشوائية لم تحصل على التراخيص المبدئية، والتي من أبسطها وجود شهادة الأخصائي للطبيب الموجود بالمركز، مما يؤدي لظهور المراكز الهزلية، والتي يمتلكها ويقوم على تشغيلها مدمنين سابقين، والمدمن السابق ليس شخصاً سيئاً، بالعكس، هو شخص ذو إرادة قوية إستطاع التغلب على نفسه وأن يتعافى من مرض الإدمان اللعين، وهو مهم في أحد مراحل علاج المدمنين لكنه ليس الطبيب المعالج، فهو لا يملك الرخصة، ولا الخبرة، ولا الدراسة، ولا حتى الإمكانيات الملائمة لذلك.
يذكر أن المصحات الحكومية والتي تتبع ما يسمى بالأمانة العامة للصحة النفسية بوزارة الصحة، يبلغ عددها ثمانية عشر مستشفى حكومى، أربعة عشر منها بالمحافظات، وأربعة فقط بالقاهرة الكبرى، العباسية والخانكة وحلوان ومستشفى المطار بمصر الجديدة.

أول القصيدة.. شحن

يرى طارق السرجاوي – 44 عام – مدمن أنه من الصعب أن يثق بالإجراءات العلاجية لمصحة تعتمد أسلوب “الشحن” في جلب المدمنين، والشحن هو إحضار المدمن عنوة لمقر المصحة، عن طريق تخديره ونقله وبدء الإجراءات العلاجية المختلفة بعد ذلك، وأنه شخصياً قد دخل أربع مرات لأربع مصحات مختلفة، تم شحنه في ثلاثة منها، عندما يستيقظ  في كل مرة كان يشعر بالخيانة، وأن كل ما يحدث رغم إرادته ولا رغبة حقيقية له في العلاج، فكان يعصى الأوامر ويتعمد الشغب حتى يصيب معالجيه اليأس ويضطر أهله لإخراجه من هناك، في حين يرى سمير العنبري – 38 عام – مدمن متعافي، أن أسلوب الشحن قد يكون غير إنساني وغير قانوني أيضاً، لكنه يشكل ضرورة حتمية في بعض الحالات وليس كلها، الشاب القوى لأبوين مسنين، أو الأب في بيت ليس به سوى زوجة وأطفال صغار، أو المدمن صعب الإقتناع بالعلاج والذي وصل في خطوات الإدمان لمراحل تهدد حياته، كل هؤلاء وغيرهم ليس للأهل حل سوى اللجوء لشحنه، ويضرب مثالاً بنفسه، أنه كان بطلاً للملاكمة قبل أن ينزلق في متاهة إدمان الهيروين،  وكان يضرب أمه وزوجته إن حاولت إحداهما منعه من مغادرة المنزل، وفي أحد الأيام استيقظ ليجد نفسه بالمصحة، ومن وقتها، سبع سنوات لم يقترب، ولم يفكر في الاقتراب من الهيروين.

أماكن للعلاج أو للبيزنس؟

وعن التكلفة المرتفعة لمصحات علاج الإدمان تخبرنا سلوى سعيد – 58 عام – موظفة بالحكومة أنها أنفقت كل مدخراتها هي وزوجها بل ولجأت للإستدانة لعلاج إبنها الوحيد من الإدمان، وأن أي مصحة كي تقبله كانت تشترط خمسة آلاف جنيهاً مصريا على الأقل كمقدم لمصاريف العلاج، وأي مصحة قد تقبل مقدماً أقل من هذا تجدها عبارة عن مكان غير لائق، غير نظيف، يقدم أسوأ أنواع الطعام ويعامل المرضى المعاملة الأسوأ، وكأنهم مساجين في معتقل وليسوا مرضى نفسيين بالأساس ويجب معاملتهم بحساسية شديدة.
في حين يرى الدكتور شريف عبد الهادي أخصائي علاج الإدمان أن التكلفة العالية تأتي من التكلفة العالية لكل شيء ، العلاج والمسكن والأطباء والتمريض والوسائل العلاجية المختلفة، كما أن الأماكن العلاجية الخاصة ليس عيباً أن يكون الربح أحد أهدافها كأي مشروع اقتصادي، وأن العلاج المجاني متوفر بالأماكن الحكومية لكنه مهما زاد وتوسّع فلن يستطيع الأعداد المتزايدة يومياً في أعداد المتعاطين والمدمنين للأنواع المختلفة.

 

مخدرات في مشافي للعلاج منها

يخبرنا طارق السرجاوي أثناء حكي تجربته مع المصحات أنه من الممكن الحصول على المخدرات بداخل أماكن الاستشفاء من إدمانها، لكن ليس كل المصحات وليس مع كل المدمنين، في المصحات غير المرخصة، أو التي تقبل مقدمات مادية قليلة تكون الأمور أسهل، وكلما كنت زبون قديم، أي معتاد دخول مصحّات تستطيع التعامل معهم أفضل، لكن إن كنت وجه جديد، يتعامل معك الكل رسمياً لأنك من المحتمل أن تشكو أو تبلغ أو يكون لديك نية حقيقية في العلاج ولم تدخل لتقضية الوقت المحدد لترضي أهلك ثم تخرج لتستكمل رحلتك مع الإدمان، لكن ذلك يكلف كثيراً، وتحصل على المخدرات أضعاف سعرها بالخارج، وكلما دفعت أكثر، كلما كانت التسهيلات المقدمة لك أكبر.
من أجل دعم نفسي أكثر فاعلية

وفي نفس السياق يخبرنا الطبيب النفسي واستشاري علاج الإدمان الدكتور أحمد عبد اللطيف أن بعض الأهالي يلجأون للمصحات غير المرخصة مخافة الوصم المجتمعي الذي قد يلاحق أبنائهم، وبناتهم على وجه الخصوص، سواء في العمل أو الزواج أو غيرها، اعتقاداً منهم أن المصحات المرخصة لن تقوم بالإحتفاظ بسرية بيانات روادها، وأن ما يجعل الأهالي يلجأون لخطوة مصحات علاج الإدمان بشكل عام، سواء كانت مرخصة من عدمه هو غياب الوعي المجتمعي تجاه ظاهرة كالإدمان في منتهى الخطورة، فبقليل من الوعي يمكننا إدراك أن المدمن مريضاً نفسياً  بالأساس، يحتاج لكثير من الدعم النفسي قبل احتياجه لخطوات علاجية يمكن تحميلها من الانترنت، هذا الدعم النفسي لكي يتحقق بشكل أكثر فاعلية، يمكن علاج المدمن في منزله ووسط عائلته، مع متابعة طبية مكثفة، ومحظورات يتم تقليلها بالتدريج، لكن المصحات العلاجية في مصر، إما حكومية يقف على بابها المدمنون بالطوابير، وإما مصحات خاصة ذات كفاءة عالية وذات تكلفة عالية أيضاً، أو مصحات منخفضة التكلفة وهي بؤر للموت السريع.

 

 

تصوير: سيد داود واراب