تعد اتفاقية الأفيون الدولية التي تم توقيعها في لاهاي عام 1912 أول معاهدة دولية لمكافحة المخدرات، وأُنشئ بعد ذلك نظام دولي لمراقبة المخدرات بالاستناد إلى اتفاقيات مراقبة المخدرات الدولية الثلاث وهي الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة1961، وصيغتها المعدلة ببروتوكول سنة 1972، واتفاقية المؤثرات العقلية لسنة1971، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988.

إطار قانوني

وقد أنشئ النظام الحالي لتقدير الاحتياجات من المخدرات بموجب اتفاقية عام 1961، ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي الحكومات في العامين1981-1991 إلى ضرورة أن تزود الهيئة بتقديرات لاحتياجاتها الطبية والعلمية من المواد المدرجة ضمن اتفاقية عام 1971.

تأسست الهيئة الإشرافية، وهي إحدى هيئات الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، بموجب اتفاقية الحد من صنع المخدرات وضبط توزيعها الموقعة في جنيف عام 1931 وأقرت هذه الاتفاقية نظاماً لحصر صنع المخدرات والاتجار بها في الأغراض الطبية والعلمية، وقد أدرج ذلك النظام مسؤوليات السلطات الوطنية المختصة والهيئة الدولية لمراقبة المخدرات في ضمان فعالية أنظمة السلطات الوطنية، لتكون مسؤولة عن تقدير الاحتياجات الطبية المشروعة من المواد الخاضعة للمراقبة تقديراً دقيقاً في بلدانها، والتنسيق مع الأجهزة الحكومية العاملة لتنظيم الإمدادات بالأدوية.

أدوية مهربة

محمد السنوسي مدير عام جهاز الإمداد الطبي بالحكومة الليبية المؤقتة في تصريحه لـ”مراسلون” وضح أن وزارة الصحة لم يعد بامكانها مراقبة الأدوية باستثناء تلك التي تستورد عن طريق الوزارة، وهنالك كميات كبيرة من الأدوية المهربة تباع للقطاع الخاص، والصيدليات الخاصة لا تلتزم باجراءات صرف الأدوية المخدرة.

ويقول السنوسي “قبل الثورة كانت هنالك رقابة صارمة وشديدة على هذه الأدوية”، لأن الشركة الوطنية للأدوية بالتنسيق مع وزارة الصحة كانت الوحيدة التي لها الحق في استيراد الأدوية، ومن ثم تقوم الوزارة بتوفير الأدوية للقطاع الخاص، وتتابع مع الصيدليات إجراءات صرف الأدوية المخدرة منها، وتقوم بمخالفة من لا يتبع الإجراءات، غير أنهم اليوم عاجزون عن هذا.

لكل دولة الحق في اختيار وتصنيف الأدوية ذات التأثير المخدر وحاجتها منها، وبحسب مدير الإمداد فإن ليبيا تقوم بذلك بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، متبعة لوائح وتشريعات تنظم آليات التوزيع والصرف والمراقبة ما بعد الصرف، وعلل أهمية مراقبة تلك الأدوية لخطورتها حيث يمكن أن تستخدم بشكل خاطيء بالإفراط في الجرعات، أو بشكل سيء للتعاطي.

تساهل وتسيب

أما عن مسؤولية الصيدلي في توفير الأدوية المخدرة لمعالجة الآلام والأمراض وتجنب الضرر الناجم عنها فإن نائب أول نقيب الصيادلة في مدينة البيضاء الدكتور محمد افكيرين يرى أن الدخلاء على وظيفة الصيدلي من غير المختصصين أحد أهم أسباب التسيب، لتساهلهم في صرف الأدوية التي تحتوي على نسب مواد مخدرة دون تنبيه المرضى بمدى خطورتها، ويقول بأن من كل أربع صيدليات يوجد صيدليتان يزاول العمل فيها من هم ليسوا صيادلة، وقد ضبطوا صيدليات يعمل فيها طبيب بيطري أو خريج لغة إنجليزية بصفة صيدلي.

كما يجرم افكيرين صرف الأدوية المخدرة دون وصفة طبيب، وشدد قائلا “يجب أن تقوم وزارة الصحة بدورها في مراقبة القطاع الخاص، الذي أصبح فيه مالك الصيدلية تاجراً مرخصاً للمواد المخدرة”.

أدوية مخدرة

الصيدلي افكيرين أخبرنا أن مخدر الفاليوم يصرف بشكل شائع جداً للأرق ودون حتى وصفة عادية منزعجاً من تجاهل دور الطبيب، وأشار لخطر وصف الأدوية دون سؤال المريض عن تناوله أدوية أخرى، خصوصاً الأدوية النفسية، فقد يتسبب صرف أدوية عادية كالبنادول مثلاً في إدخال هؤلاء المرضى في حالة إدمان بسبب تأثير تداخل الأدوية، وذكر أن بعض أدوية الاكتئاب تُصرف دون وصفة ويتم الاستهانة بتأثيرها، على الرغم من أن معالجة إدمانها أمر صعب.

كما ذكر افكيرين نوعاً من أدوية السعال مادته الفعالة أحد أشكال المورفين المخدر، والمصنف ضمن الأدوية غير الآمنة، وكذلك الأدوية المضادة للحساسية والتي تؤثر على الهيستامين الموجود في الدماغ، والتي يؤدي في نهاية الأمر تناولها للشعور بالارتخاء والنشوة، وختم تحذيره قائلاً “بامكان المراهقين والمتعاطين خلط المواد التي توفرها الصيدليات وتصرفها دون حتى وصفة، للدخول في حالة إدمان، بسهولة ودون مخاطرة وبسعر زهيد”.

أغلقت واستأنفت

ومن مهام نقابة الصيادلة ضبط مخالفات صرف الأدوية الممنوع صرفها دون وصفة طبيب كالعلاجات النفسية التي يشترط في وصفتها أن تكون مختومة وموقعة من طبيب معتمد لدى وزارة الصحة، وتصل عقوبة مخالفة من هذا النوع إلى إيقاف الصيدلي عن مزاولة مهنته لمدة عامين.

وبحسب نقابة الصيادلة التي تعاونت في الأسابيع الماضية مع جهاز الحرس البلدي في مدينة البيضاء لإغلاق صيدليات مخالفة لعدم وجود صيدلي مختص فيها، فإن الصيدليات التي تم إغلاقها استأنفت عملها في اليوم التالي بسبب حصولهم على إذن مزاولة من النقيب السابق والذي أسس نقابة منفصلة عن النقابة التابعة لطرابلس، ويُمنح بموجب النقابة التابعة للمؤقتة إذن مزاولة بعامل الخبرة، نائب أول نقيب الصحفيين احتج قائلاً “إن كان لابد من وجود نقابتين على الأقل يجب أن نتفق في المعايير لتنظيم العمل”.

ظروف استثنائية

يقوم مركز الرقابة على الأدوية والأغذية بالرقابة على جودة الأدوية التي تدخل بشكل قانوني عبر منظمتي الصحة العالمية وأطباء بلا حدود، ومن ثم مطابقتها بالمواصفات الليبية، التقى مراسلون بالمفتش الصيدلي بالمركز محمد عبدالسلام والذي تحدث عن قيام المركز منذ شهرين بالتفتيش على الشركات المستوردة للأدوية، ووجدوا لدى عدد منها أنواع من الأدوية المخدرة التي من المفترض أن توفرها وزارة الصحة، غير أن نقصها يتسبب في قيام القطاع الخاص بتوفيرها وبطرق غير قانونية ودون أن تمر على الأجهزة الرقابية.

وعن الخلل الذي تعانيه وزارة الصحة في ترتيب أولوياتها علق عبدالسلام “في هذه الظروف الاستثنائية لا يجب أن تقوم الوزارة بتوفير الأدوية التي بإمكان القطاع الخاص توفيرها، ولكن عليها توفير الأدوية التي يشكل وجودها في القطاع الخاص خطراً لاستخدامها كمخدر لدى المتعاطين”، وأكد أنه يجب منع وجود هذه الأدوية في الصيدليات الخاصة لتقليل خطر التعاطي، وهي ليست سوى أربعة أو خمسة أصناف.

كما أخبرنا المفتش الصيدلي أن أغلب الأدوية الموجودة في السوق مهربة، وأنهم بعد حملة تفتيشية لم يقوموا باغلاق الشركات على الرغم من وجود تجاوزات فيها، كون القطاع الخاص يغطى تقصير وزارة الصحة، لكنهم وصلوا لاتفاق بمتابعة أخذ عينات عشوائية، بشكل دوري، لمراقبة جودة الأدوية.