عندما حان ميعاد زفافي ومع التفاصيل الكثيرة حولي، كنت أتمني الحصول علي تاج ورد بسيط يُزين رأسي مع الطرحة البيضاء، تاج بسيط ومختلف عن كل ما هو في السوق من ما هو مُذهب وضخم وسيء التفاصيل، لجأت لصديقة تخرجت من كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، كنت أري علي صفحتها علي الفيس بوك نتاج عملها، وبالفعل صنعت لي تاج من الورد رقيق وبسيط وبألوان احبها، وكنت اتمني لو احصل علي وقت كافي لكي اعرف القصة وراء الفكرة، ولكن ساعتها لم يكن هناك وقت، بعد ذلك، هاتفتها وذهبت لبيتها وفي بالي كل الأسئلة.


أجلستني ندى منير وأكملت ما كانت تعمل عليه، وقالت: “انا مش بشتغل لوحدي في المشروع ده، معايا صاحبتي نيرة، والموضوع بدأ من فرح صاحبتنا الي كانت بتدور علي تاج، وورد تمسكه في ايديها، ولما عملنا الي طلبته وعجبها وعجب ناس تانية، لقينا طلبات بتجيلنا، وكمان لقينا نفسنا بنعمل ديكور لفرح، وكان على البحر في دمياط، واختارنا موضوع بسيط خالص، بأنوار وزينة وعملنا كوشة بالخشب، وكانت التكلفة مش عالية اوي”

 

ندى بالأساس من الإسكندرية، ولما انهت دراستها جاءت لتستقر في القاهرة، درست لمدة عام لتحصل علي دبلومة مؤثرات بصرية وبعدها وجدت نفسها تعمل في شركة بمرتب جيد، وظروف عمل تعتبر ممتازة، يومان إجازة في الاسبوع ويوم عمل من المنزل، لكنها استقالت بعد مرور شهر تقريبا، تقول: “أنا لقيت نفسي في مكان مش مكاني، مش ده اللي عايزه اعمله، شغالة مع ناس مش عارفين هما بيعملوا ايه؟ وكانوا يقولولي أعملي أي حاجة لحد ما نظبط البرامج علي الاجهزة، ولما سيبت الشغل أهلي كانوا مساندني، بس أي حد تاني كان بيقولي أنتي اتجننتي.. حد يسيب فرصة زي دي؟ بعدها بدأت اشتغل في المسرح، وبعدها بدأت المشروع ده مع نيرة، كنت مبسوطة في تخصصنا، اننا بنشتغل في حاجة تفصيلية اوي، وصغيرة بس بتشيل من الهم اللي بيبقي علي العروسة، وعلى اصحابها كمان، الفرح اللي كان بعد فرح دمياط ده عملنا ورد لكل صحبات العروسة، وكنا بنصور اللي بنعمله وننزله علي الفيس بوك، وكنا بندور دايما على الأشكال الجديدة اللي ممكن نعملها علشان نخلي التفصيلة الصغيرة الي بتشغل عليها حلوة وتجذب الناس انها تشتريها”.
تستأذن ندي لثواني لتجد أداة ما تنهي بها ما تفعله، فهي تعمل من منزلها، من داخل غرفتها وكل أدواتها بداخل أكياس بلاستيك ضخمة، تبقيها بعيدة عن أيدي والدتها حتي لا تعتبرها “كركبة” فترميها في يوم، تجلس ندي مرة اخري مكانها بعد ان وجدت ما تحتاج، تضع وردة صغيرة علي التاج في يديها، وتحاول ان تتخيل حجمه علي الرأس، فتلبسه بشكل كروكي علي رأسها، وهي تتحدث مع نفسها، يريد ورد اكثر، ثم تنتبه لي، فتضحك.

 

كادت تنهي عملها في التاج، أخبرتني بضرورة ذهابها لمقهى”شقة جاردن سيتي”، ندى صممت ديكور المقهى الذي يشغل الدور الأول في إحدى عمارات الحي الهاديء القريب من وسط القاهرة، ويقام فيه ندوات وحفلات موسيقية كل يوم جمعة، فأحببت ان اذهب معها.
أخبرتني في الطريق أنها تقدمت لورشة ديكور قبل أن تبدأ مشروعها مع صديقتها نيرة، لم تكن تملك أي خبرة ساعتها، وتم قبولها، وبعد الورشة قامت بتصميم ديكور لمسرحية عرضت بمهرجان القاهرة للفنون المعاصرة (
D-CAF)، وفازت المسرحية بجائزة أحسن تصميم ازياء، وأحسن ديكور، فشعرت انها علي الطريق الصحيح.

 

عندما وصلنا لشقة جاردن سيتي، اخبرتني أن عليها أن تعيد على كلمة مكتوبة علي مقعد في المكان، تركتها لعملها وتجولت مرة اخرى في المكان الذي يحمل ذوقا مختلفا عن غيره من المقاهي الشهبية، خاصة في الأثاث الموجود وطريقة توزيع الاضاءة، وتخصيص كل غرفة من غرف الشقة/ المقهى لفنان مصري شهير، فغرفة أم كلثوم تشغل حوائطها صور بإطارات مختلفة، وكلمات مختارة من أغانيها.


رجعت لندي وكانت مندمجة في عملها تجلس على كرسي من تصميمها وألوانها، وتُعيد علي جملة مكتوبة أسفل شباك، يبدو انه مكان مُحبب لمن يدرسون، فهناك من كتب بقلمه الجاف علي الكلمة فتشوهت، وهناك من مارس هوايته في الألوان، فمزج الكثير منهم علي اللون الابيض فضاع جماله.


جلست بجانب ندي، ولم ارد ان أقطع عليها تركيزها،والشمس المتسللة لداخل المكان علي وجوه الجالسين، بجانبهم علي الحائط باب خشبي يبدو عليه امضاء ندي، لم أرد إزعاجها أثناء استغراقها في عملها، فانصرفت بهدوء وعلى وجهي إبتسامة.