ما تزال ليلة إلقاء القبض على الشاب التونسي “ليث” مع صديقه قبل عامين في قلب العاصمة تونس من قبل رجال الشرطة متلبسان في قضية استهلاك مخدر القنب الهندي محفورة في ذاكرته.

يتذكر هذا الشاب جيدا لحظة قرع نافذة سيارته من قبل رجال الأمن بالزي المدني الذين باغتوهما بصدد تدخين سيجارة محشوة بمخدر القنب الهندي ما جعل الدم يجمد في عروقه.

كان المشهد بالنسبة إليه صادما ومروعا. يقول لمراسلون “لقد شعرت في تلك اللحظة عند رؤيتي رجال الشرطة أن الحياة انتهت بالنسبة لي”.

لكن ذلك لم يكن سوى بداية الكابوس لهذا الشاب (27 سنة) الذي احترف مهنة المسرح وأصبح مورد رزقه الوحيد منذ السابعة عشرة من عمره.

بداية الكابوس

فاحت رائحة الحشيش من أبواب السيارة بعد إخراجه مع صديقه متلبسان ولم يكن أمامهما أي مجال للإنكار أمام رجال الشرطة الحازمين.

يقول “لم أنطق بكلمة أمام الشرطة ولم يكن لدي مجال للإنكار فرائحة السيجارة التي لا تخطئها أنوف الشرطة مازالت عالقة بي أصابعي”.

بعد أمرهما بالنزول من السيارة مد شرطي يده إلى علبة سجائر موضوعة على لوحة قيادة السيارة ليجد داخلها قطعتين من مادة “الزطلة”.

عقب الشرطي ساخرا منهما قائلا كما ذكره ليث “أنتما إما أن تكونا معتدان بنفسكما لحد الغرور أو أنكما غبيان إلى حد الجنون. لقد وقعتما في قبضتنا”.

في تلك اللحظة لم يفكر “ليث” سوى في وقع الصدمة على عائلته التي كانت ترى فيه الشاب الفنان الذي يضج بالحياة والطموح والاستقامة.

بعد اقتيادهما إلى مركز الشرطة للتحقيق معهما بدأ الشابان يشعران بأن قضيتهما ستأخذ منحى جديدا أكثر خطورة مما كان يعتقدان.

فكمية المخدرات التي حجزتها الشرطة لديهما كانت كافية لتحويل قضيتهما من مجرد الاستهلاك -وعقوبته سنة سجن- إلى قضية الترويج التي تصل العقوبة فيها إلى سبع سنوات.

لم يكن مخدر “الزطلة” أمرا غريبا أو غير مألوف بالنسبة إلى “ليث” فمنذ نعومة أظافره كان يرى أبناء منطقته بحي الزهور الشعبي (بالعاصمة) يدخنونها علانية.

ومنذ أن ولج لعالم الفن والمسرح تعود “ليث” مع رفاقه على تدخين الحشيش بين الفينة والأخرى كغيره من آلاف الشباب التونسيين الذين يدمنونه.

عذاب السجن

تم إصدار بطاقة إيداع بالسجن في حق “ليث” وصديقه ليدخلا في يوم 03 أبريل/نيسان 2015 إلى السجن المدني بالمرناقية (أكبر السجون في تونس).

انقضى على دخولهما السجن بحالة إيقاف على ذمة القضية نحو 11 شهرا ثم حكمت عليهما المحكمة الابتدائية بسبع سنوات سجن و6 آلاف دينار (2500 دولار) لكليهما بتهمة الترويج.

يقول ليث مستذكرا عذابه “لقد بكيت كثيرا في الأيام الأولى.. لقد كان صراعا وجوديا بيني وبين الحياة داخل السجن حين اكتشفت أن الزمان ليس زماني وأن المكان ليس مكاني وأن الجدران التي تحيط بي تخنقني”.

ويضيف “كنت أنام أكثر كثيرا محاولا الهرب إلى حلمي كفنان لكن الأحلام تركت مكانها للكوابيس فكنت غالبا أرى نفسي واقفا أمام القاضي في انتظار صدور الحكم فتارة كان يطلق سراحي وأخرى يحكم بسجني”.

بكى أخوة “ليث” في الزيارات الأولى إذ انتابهم الإحساس بالذنب اتجاهه، على حد تعبيره. فلقد كان الابن الأصغر لأبوين توفيا فشعر أخوته بأن سجنه كان نتيجة لعدم اعتنائهم به ولأن العلاقة بينهم لم تكن مبنية على التواصل.

حاول اخوته تخفيف معاناته داخل السجن فراحوا يعوضون تقصيرهم التقصير في حق الأخ الأصغر بالزيارات الأسبوعية التي لم تنقطع والتي كانت محملة بـ”القفة” التي تحوي كمية من الأطعمة.

حكم إيجابي

حاول “ليث” الفرار من فضاء السجن عبر روايات “غابريال غارسيا ماركاز” و”توفيق الحكيم” و”مصطفى لطفي المنفلوطي” و”ألف ليلة وليلة” التي كان يقرأها ثم يؤدي بعضا من قصصها بأسلوب مسرحي أمام السجناء.

بعد مرور سنتين في السجن نجح “ليث” عند استئناف الحكم الابتدائي في الفوز بحكم يقضي بعدم سماع الدعوى في قضية ترويج المخدرات وإقرار تهمة الاستهلاك فقط.

في فبراير/شباط 2017 غادر “ليث” السجن نادما ومتحسرا على تدخينه “الزطلة”. حاليا يعمل هذا الشاب كنادل بإحدى النوادي الليلة بالضاحية الشمالية في تونس العاصمة من أجل من توفير قوته اليومي.

لم يفقد “ليث” حلمه في العودة إلى مهنته الأصلية كممثل وإلى عالمه المفضل رغم أن هذا الحلم بعد سنتين من السجن أصبح صعب المنال.