كان الطريق طويلا، رحلة استغرقت 15 ساعة، للوصول أولا إلى مرسى علم –تبعد 661 كيلومتر عن القاهرة- ثم 150 كيلو غرب مرسى علم للوصول للوجهة النهائية.. جبل حميثرة، حيث يرقد الإمام أبو الحسن الشاذلي.

 

طوال الطريق لم تفارقني حكايات أمي عن رحلات كان لها نفس الوجهة، لكنها كانت أكثر اختلافا، كانت طفلة في العاشرة من عمرها، داخل عربة تتحرك من مدينة الأقصر، في اتجاهها لجبل حميثرة حيث يوجد صاحب المقام، الذي كانوا يغنون له أثناء رحلتهم على أنغام الدفوف والزغاريد “شاذلي يا أبو الحسن”. كانت رحلة أمي فسحة لطفلة، بينما كنت أفكر في ما يمكن أن التقطه من صور، وتتردد في ذهني الجملة الشهيرة التي نقلت عنه: “في حميثرة.. سوف ترى”، وكنت أنتظر ماذا سأرى.

 

عند وصولنا لمرسى علم، كان هناك العشرات ينتظرون سيارات للوصول لمسجد الشاذلي، ومقامه، أحدهم قال لنا: “أنتوا رايحين الجنة، المكان هناك جنة، أنا بروح كل سنة لأني مقدرش أضيع الكرامات”.

 

تبدأ الأحتفالات بمولد الشاذلي قبل عشرة أيام من يوم وقفة عيد الأضحى، حيث هي “الليلة الكبيرة” حيث يقومون بالصعود علي جبل و المكوث عليه تقليدا لشعائر يوم عرفة، لذا يطلق البعض على مولد أبو الحسن الشاذلي “الحجة الصغرى” وأيضا.. حج الغلابة.

 

جموع كثيرة من البشر، أغلبهم من الصعيد، يشبهون أهلي الجنوبيين، لكن أيضا هناك أناس من أماكن كثيرة، الجميع أتى ليشهد الحدث السنوي المبهج لهم، ويجب أن اعترف إني كنت أتصور قدرا أكبر من الترحيب بي، لكن يبدو أن الكاميرا كانت تقلقهم بعض الشيء، لكن سارت الأمور بلا مشاكل.

هو أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي الصوفي إليه تنتسب الطريقة الشاذلية التي ينتسب لها الالاف في جميع أنحاء العالم، ولد 571هـ بقبيلة الأخماس الغمارية، ويعود نسبه إلى الحسن حفيد النبي محمد، تفقه وتصوف في تونس كما يوجد له خلوة معروفة في تونس، ، وسكن بالإسكندرية،  توفي الشاذلي بوادي حميثرة بصحراء عيذاب عندما كان متوجهًا لميناء عيذاب في طريقه إلى مكة في أوائل ذي القعدة 656هـ لأداء فريضة الحج، ومشهور عن طريقته أن مفتاحها الحب، في مقابل طريق المجاهدة المعروف قبله.

 

ويحكي أنه في استعداده لرحلة الحج الأخيرة تلك، طلب من خادمه أن يأخذ معه فأسا وقفة، فتعجب الخادم، فقال له الشاذلي: “في حميثرة سوف ترى” وبالفعل مات الرجل ودفن هناك، وصار القبر وجهة للكثير من المريدين خاصة وقت المولد.

 

ويأتي الكثيرين بإحساس أن المكان يحمل كرامات، والدعوة هنا مستجابة كما يردد الكثيرين.أيضا هناك الكثير من الحكايات عن جبل “الكحراتة” وهو الجبل الذي تقوم المرأة العاقر بالتدحرج من فوقه حتي تستطيع أن ترزق بالطفل وهي أحد العادات التي تقوم بها نساء الصعيد خصوصا بالأقصر.

 

يحتمي العديد من زوار المقام داخل المقام من الشمس الحارقة بالصحراء ، حتي بداية غروب الشمس الوقت الذي تدق به طبول و أغاني الذكر.

 

ثم يتحول المولد إلي عرض مسرحي حقيقي حيث تبدأ الطرق الصوفية في التبارز فيما بينها فيقومون بالغناء والرقص، وأشهرهم الطريقة الرفاعية التي يستخدم بعض أفرادها السيوف و الأسلحة الحادة في الرقص تعبيرا عن القوة، كما يرقص البعض منهم يرقص بالثعابين، وهناك طرق أخرى تقيم حضرات للذكر، وتسير في جولات لزيارة المقام والصلاة فوق جبال حميثرة. أيضا أنارة الشموع و البخور نوع من أنواع الأحتفالات أيضا.

 

وتتجول العربات حول الخيام التي تستخدم للغناء، وتقديم الحلوى، والطعام بالمولد ويطلقون عليها ” نفحات من أبو الحسن الشاذلي”، حتي يأتي المساء حيث تقام الحضرة والذكر.

 

“زفة المولد” أخر طقس يقوموا به الزوار، يحملون خيمة خضراء، بداخلها كفن أبيض، ويطفون به حول الجبال بالرقص و الغناء،وكأن أبو الحسن عريسا، وتجد الحلوي ملقاة علي الأرض طول الطريق والزغاريد لا تنقطع.

 

مع انتهاء المسيرة يقومون أهالي  ذبح الضحية للأحتفال بالعيد الأضحي وتوزيع الطعام بالميدان. بعد صلاة عيد الأضحي يستدل الستار عن مقام الحسن الشاذلي لينتظر زواره في العام القادم.