منذ عدة أشهر، وأثناء المرور الاعتيادي للحاويات التابعة لإحدى شركات الاستيراد والتصدير قبل شحنها على السفينة المتجهة لميناء دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، من ميناء السخنة بالسويس، لاحظ الجالس أمام الشاشة الخاصة بجهاز الكشف بآشعة “إكس” وجود أجسام شك في كونها مقتنيات أثرية، وبعدما قام بإبلاغ رؤساءه قام ضباط أمن الموانيء بالتفتيش اليدوي للحاوية المشكوك بها، وبالفعل، تم العثور على صناديق بداخلها تحف وآثار، وبعد إخطار مديرية الآثار التابعة للمحافظة، تم ندب الخبراء الأثريين اللذين أكدوا انتماء التماثيل، العملات، والتحف الأثرية لفئة الآثار الإسلامية، وتحديداً للحقبة التاريخية الخاصة بأسرة محمد علي التي حكمت مصر ما بين 1805 حتى 1952.

معابر للتهريب

وبسؤال أحمد العسكري المسئول بإدارة المنافذ و التهريب بمديرية الآثار بمحافظة السويس، أخبرنا أن موانيء السويس ليست من الموانيء الشهيرة بقضايا تهريب الآثار بسبب إحكام الرقابة الشديدة ووجود أجهزة حديثة لكشف المهربات، وأن أشهر القضايا المضبوطة عبر ميناء السخنة كانت قضية الآثار الإسلامية، ولا يتذكر غيرها في السنوات العشر الأخيرة سوى محاولة آخرى لتهريب آثار فرعونية لنفس البلد وتم إحباطها أيضاً، لكن هناك بعض الموانيء الأخرى التي تم ضبط فيها العديد من محاولات تهريب الآثار، كموانيء الإسكندرية وسفاجا بالغردقة، وميناء دمياط الذي يعد اسمه الأكثر تردداً في مثل تلك القضايا.
***
لكن الموانيء وحدها ليست هي المنفذ للتهريب ، حيث تعتبر محافظة السويس هي الأقرب للقاهرة ومطارها ، فيلجأ إليها من يحضر بضاعته من الصعيد ويرغب بالوصول إليها عبر الطريق البري للقاهرة، أو من قام بالتنقيب في المحافظة نفسها .
***
وعن طرق التهريب المختلفة يخبرنا سيد منصور أحد مشرفي الحاويات بميناء السخنة أن التهريب عن طريق الحاويات والسفن أسهل كثيراً من الطائرات، حيث أن الحاوية الكبيرة مساحتها أربعين قدم، يقوم المفتش بإخراج عينة واحدة منها وتفتيشها، كرتونة واحدة من وسط مئات، يختارها من ضمن الموجود في الممر الذي يقوم بصنعه المصدر نفسه أو المستخلص الجمركي، وإن استطاع تفتيش العينة غالباً ما لا تدخل تلك الحاوية على جهاز الكشف بآشعة إكس، المُصدر أو المستخلص قد يلجأ لإخفاء قطعته بداخل مواد غذائية من الصعب تفتيشها ك”المخللات” مثلاً، وكي لا يلفت الأنظار لا يخبئ قطعته الثمينة أبداً في حاوية يحتوى تعريفها ومحتوياتها في الأوراق على “تحف” أو “آثاث”، لكن “الأجهزة المنزلية” قد تفي بالغرض.
لكن ما يقلل من تلك المحاولات ، الناجحة منها والفاشلة ، عاملين ، يستطرد منصور، الأول ندرة ما يمكن الحصول عليه من قطع أثرية أصلاً، للجهود المبذولة من الجهات الأمنية لكشف محاولات التنقيب والتهريب، والثاني هو الإخباريات، معظم القطع التي تتم محاولة إخفائها وتهريبها، تصل قبلها إخبارية أو تبليغ بإحتمالية وجودها، حينها يتم نوع مختلف من التفتيش.
فحص مبدأي دقيق باستخدام آشعة إكس ، ثم مفتشين يفرزون محتويات الحاوية بدقة، مهما استغرق ذلك من وقت ومجهود، حتى يتم العثور على القطعة الأثرية المُخفاة، الأمر أصبح خطراً جداً، على حد قول سيد منصور، لكن المبالغ الكبيرة التي تُعرض لشراء تلك الآثار، تغري المهربين، وتقلل من مخاوفهم المنطقية، والتي قد تذهب بحياة الواحد منهم بكاملها، إلى المنطقة المظلمة بالكامل، خلف القضبان.

السويس كمدينة أثرية
وعن التنقيب الذي يسبق التهريب سألنا الخبير الأثري وكبير مفتشي الآثار عادل مصطفى عن الأفراد اللذين يقومون بالتنقيب تحت منازلهم بغرض التهريب، يخبرنا أنه في البداية إذا طلب منك شخص المشاركة بمبلغ مالي في عملية فتح مقبرة، أو تأجير لودر حفر، جلب ساحر مغربي للعثور على تابوت أو لإيقاظ مومياء، فاعلم أن تلك واحدة من أشهر عمليات النصب المضمون، وإن حدث ووجد أحدهم شيئاً ولم يقم بتسليمه سوف يتم القبض عليه، كما حدث مع العديد من عصابات التنقيب عن الآثار آخرهم تلك التي تتكون من اثني عشر فرداً وتم القبض عليهم بمنطقة “كفر سليم” بحي الأربعين.
ومن القصص الشهيرة المتعلقة بالآثار أيضاً بالمحافظة يحكى لنا الأستاذ عادل عن شخص متسول ومجذوب يجلس في المنطقة الصناعية بالسويس ، هذا الشخص كان مالكا لورشة تصليح السيارات التي يجلس بمواجهتها، والتي باعها كما باع سيارته من أجل حلم الثراء السريع بالتنقيب عن الآثار.

بالطبع هناك وجه آخر للتنقيب، يكمل مصطفى، التنقيب السليم والمبني على أسس علمية، وبالنسبة لمحافظة السويس، فإن لجنة علمية فرنسية تحت إشراف من وزارة الآثار تأتي كل عام للمحافظة مرتين، مدة كل مرة شهر ونصف، الأولى بمنطقة العين السخنة، حيث كان أكبر مصنع تعدين للنحاس بالدولة الفرعونية، عن طريق صهر نوع من الأحجار متوفر بكثرة في تلك المنطقة الجبلية وهو “حجر المالاكيت” في درجة حرارة ألف ومائتين درجة مئوية، والثاني على مسافة ثلاثين كيلو متر من المحافظة، حيث يقع الميناء الفرعوني، على طريق السويس – الغردقة، بالقرب من دير “الأنبا بولا”، جميع خبراء الآثار بهذه البعثات يكونون من المدرسين والأساتذة بالجامعات الفرنسية العريقة عامة وبجامعة السوربون خاصة، ويشاركون بعد عودتهم بالتحديثات، في المجلات الدولية العلمية المعتمدة، والخاصة بعلم الآثار المصرية.

إتفاقيات دولية وعقوبات

وعند سؤاله عن الخطوات القانونية المتبعة عند الإمساك بقطعة آثار في طريقها للتهريب ، أجاب كبير مفتشي الآثار أن المفتش الأثري يقوم بالتحرك ومعه الأدوات اللازمة بعد أن يأتيه قرار النيابة المُثبت للواقعة، عند إثبات أن القطعة أصلية توقع على المُتهم عقوبة الإتجار، وتهريب الآثار، وهي غرامة مالية كبيرة وحبس قد يصل للمؤبد، وإن كانت مُقلدة لا يُفلت بفعلته، بل يوقع القانون على المتهم عقوبة أخف لتهمة النصب والإتجار في القطع الأثرية المقلدة، كما أن الأجنبي التابع لأي جامعة أو معهد بحثي تثبُت عليه تهمة التهريب يحرم هو و جامعته من التنقيب والعمل بالأراضي المصرية مدة عشر سنوات على الأقل .
***
وعن جهود منع التهريب يؤكد الخبير الأثري عادل مصطفى أن الجهود المشتركة بين وزارتي الخارجية والآثار قد أتت آثارها الإيجابية في تحجيم عمليات التهريب التي نشطت بشكل كبير بعد الانفلات الأمني المزامن لأحداث ثورة يناير 2011 ، والذي أدى لسرقة متحف ملّوي بالمنيا ومخزن الآثار بالقنطرة ومحاولة الهجوم على المتحف المصري بالتحرير، كما أدت المجهودات المضنية للدكتور زاهي حواس العالم الأثري الكبير ووزير الآثار الأسبق إلى عودة آلاف القطع الأثرية المُهربة.

 

 

صورة أرشيفية لجانب من قطعة أثرية تعود للعصر المملوكي

تصوير: سيد داود واراب