في مايو وأغسطس الماضيين ضبطت إدارة الجمارك بمحافظة الإسكندرية محاولتي تهريب آثار مصرية عبر المواني، مئات القطع الأثرية من عصور مختلفة اكتشفها موظفو الجمارك مختبئة بطريقة احترافية داخل حاويات بضائع متجهة إلى هولندا والسعودية.

ففي ميناء الدخيلة غرب محافظة الإسكندرية، منتصف مايو الماضي حاول رجل أعمال تهريب 99 قطعة أثرية عبارة عن أطباق خزف داخل شحنة أثاث متجهة إلى هولندا في حاوية 40 قدمًا ضمن مشمول الرسالة الجمركية رقم 8578 لسنة 2017 صادر نهائي باسم شركة ا. للتصدير.

الشحنة كانت عبارة عن كراسي وطاولات جديدة و22 صندوق كرتوني غير مدرجين بالمستندات، وبفحصها عثر بها علي 99 طبقًا من الخزف المصنع المحاط بإطار معدني وتم طمس الإطار الزخرفي الخارجي للأطباق بألوان وزخارف حديثة، عليها رسوم آدمية لجسد رجل وامرأة داخل حديقة ورقص وعزف على آلات موسيقية وبعضها يحمل توقيع الرسام أورلى وعليها تاريخ 1830م.

وفي أغسطس الماضي أثناء إنهاء رجل الأعمال الإجراءات الجمركية للشحنة رقم 33639 لسنة 2017 باسم شركة “أ. ش”، المصدرة إلى السعودية، وحسب الأوراق كانت الشحنة عبارة عن 56 طردًا أسقف معلقة من الألمونيوم ومصنوعات يدوية من النحاس بوزن 2.3 طن، لكن داخلها 3 صناديق خشبية كبيرة تحتوي على 242 قطعة أثرية من النحاس، عبارة عن أباريق وأواني من المعدن مختلفة الأشكال والأحجام ترجع للعصر الإسلامي، وهو ما كشفه رجال الجمارك أثناء تفتيش الشحنة.

ويقول محمود عيسى، رئيس الإدارة المركزية لجمارك المنطقة الشمالية والغربية، إن هؤلاء المهربين يخالفون قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته وكذلك القرار الجمهوري رقم 114 لسنة 1973، والذي ينص على منع تصدير واستيراد الممتلكات الثقافية والتاريخية بين الدول، مؤكدا أن الآثار المضبوطة يتم مصادرتها لصالح وزارة الآثار ويتم وضعها بالمخارزن التابعة لها، مؤكدَا على أن الشحنات يتم فحصها من خلال لجان متخصصة لتأكيد أثريتها.

وتعد الموانئ المنافذ الأكثر شهرة في تهريب الآثار خاصة لو كان عدد القطع كثيرة، ويلجأ المهربون إلى إخفاء القطع الأثرية داخل حاويات البضائع المختلفة، أملا في عدم تفتيش الرسائل المصدرة، فيما يلجأ آخرون إلى وضع الآثار بين تحف مقلدة لمنع الاشتباه في الشحنة.

يقول الدكتور محمد جلال، الباحث والخبير الأثري بالإسكندرية “أغلب قضايا الآثار التي تم ضبطها كان المتهمين فيها رجال أعمال أو سماسرة أثار أو منقبين عن الآثار، لكن هؤلاء هم الظاهرين لنا، لكن مؤكد خلفهم مسئولين كبار وشخصيات شهيرة سهلوا سرقة الآثار من المتاحف أو من باطن الأرض”.

ويؤكد أن كميات الآثار التي يتم ضبطها تكشف عن عصابات محترفة مدعومة من مسئولين تتمكن من سرقة الآثار من المتاحف والمقابر الأثرية القديمة وهذا ما تؤكده محاضر الشرطة التي تضبط أشخاص بسيطة ومعهم أثار يصعب عليهم جلبها.

 

رحلة الآثار إلى الخارج

ويكشف الدكتور محمد جلال، عن 3 مسارات لوصول الآثار إلى المهربين في الإسكندرية، أولها هو التنقيب عن الآثار داخل المحافظة في المناطق الأثرية والمنازل بمناطق كوم الدكة وكرموز وأبو قير والعامرية، وبعد العثور على الآثار يتم بيعها عن طريق السماسرة ثم تخزينها البضائع في الأماكن الصحراوية الوعرة في برج العرب أو العامرية أو حتى تهريبها خارج المدينة.

يضيف: المسار الثاني للتهريب هو جلبها من محافظات مصر سواء كانت مسروقة أو مستخرجة بشكل غير قانوني خاصة من منطقة البداري في محافظة ثم تهريبها عبر الشحنات الجمركية في الميناء وإخفائها داخل شاحنات البضائع مثل الموبيليات أو الملابس.

ويواصل جلال قائلا: المسار الثالث هو تهريبها عبر السفن واللنشات السريعة من منطقة أبو قير عن طريق الصيادين، حيث يتم إخفاء الآثار داخل صناديق الأسماك وتهرب إلى إيطاليا.

ويوضح: تجار الآثار والسماسرة يتفقون  مع الصيادين علي تهريب الآثار عن طريق صناديق “الفوم الأبيض”، فيضعون في القاع كميات الآثار الملفوفة بالبلاستيك، موزعة بالتساوي على الصناديق وأعلاها كميات الأسماك للتمويه ويستلمها طرف آخر في عرض البحر وتدخل إيطاليا.

ويؤكد جلال أن القانون رقم 2010 المعدل لـ 117 لسنة 1983، هزيل لأنه يمنح عقوبات غير رادعة للمتهمين بالتنقيب عن الآثار بل يحصلون على البراءة في بعض الأحيان لكونهم يقومون بتسليم المضبوطات أو لأنهم حفروا في أملاكهم الخاصة.

في يناير 2015، أحبطت مباحث الإسكندرية تهريب كمية كبيرة من الآثار المصرية المسروقة تعود للعصرين الفرعوني واليوناني.

وضبطت الشرطة سيارة -فر قائدها هاربا- وسط صحراء غرب الإسكندرية، بداخلها تماثيل تعود للعصر الفرعوني، الروماني، وهي عبارة عن تابوت كامل خشبي بداخله مومياء كاملة محنطة، وتابوت مغلق، و66 عملة معدنية، و11 تمثال ذهبي فرعوني، وتمثال حجري للكاتب الجالس الفرعوني متوسط الحجم، وتمثال حجري أبيض لرأس امرأة، وتمثال فرعوني حجري على شكل امرأة، وتمثال أسود كبير لشخص جالس على مقعد، وتمثال أسود فرعوني كبير لسيدة في وضع الوقوف، وتمثال حجري أسود كبير.

 

سرقة تاريخ

يقول طارق فؤاد، خبير أثري وصاحب محل تحف بالإسكندرية، إن الفئة الأكثر طلبا للآثار المصرية في الخارج هم الألمان و الفرنسيين والأمريكان والأتراك والإسرائيليين ومن الدول العربية الخليجيين والمغاربة، مؤكدا أنهم يدفعون ملايين الدولارات مقابل القطع الأثرية التي تخرج من الأرض المصرية لذلك حينما نسافر في الخارج نجد أثارنا المصرية موجودة وتزين متاحف الغرب.

“عدد الآثار التي سرقتها أو التي تم تهريبها أو حالات التنقيب عنها، لا يمكن حصرهم لكثرة عددهم وكون القضايا التي يتم ضبطها بحيازتها أثار لا تتعدى نسبة بسيطة من الذي لم يتم كشفه لذلك هناك صعوبة لتتبع كل الآثار المهربة”، هكذا قال الدكتور محمد متولي، مدير عام الآثار الإسلامية و القبطية بمنطقة الإسكندرية لـ”مراسلون”.

ويضيف متولي، أن هناك لجنة الاسترداد بالآثار مختصة باسترداد الآثار المصرية المسروقة والموجودة خارج مصر، مؤكدا أنه في عام 2015 تم تنظيم معرض للآثار المستردة وضم نحو 200 قطعة أثرية تنتمي إلى عصور مختلفة، مشيرا إلى أنه تم استعادتها من دول ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا وأستراليا وبريطانيا والبرازيل وسويسرا ونيوزيلندا.

ويوضح متولي، أنه بالفعل هناك تتبع يجري وتواصل مع الخارجية المصرية في مختلف الدول لعمل محاولات استرجاع للآثار المسروقة.

 

 

 

صورة أرشيفية لنوع من الذخائر المستعمل في الفترة المملوكية “البندق” كقذائف للمدفع “المكحلة” 

تصوير: سيد داود واراب