“انهارت حفرة عمقها 9 أمتار داخل منزل مكون من طابق، يمتلكه “طلب.ا.أ” (65 سنة-صياد)، بعزبة “الخلطة” بقرية قارون بمحافظة الفيوم”، والنتيجة 3 جثث بينهم طفل 14 عاما، يكاد الخبر السابق يعد خبرا دورياً في الصحف المصرية، مع اختلاف الأسماء، لكن دائما تخرج جثث الباحثون عن الآثار في باطن الأرض ومعها سلالم خشبية وأدوات الحفر.

استعانت قوات الإنقاذ بالمحافظة، بشركة مقاولات لمساعدتها في انتشال جثث المتوفين، وبحسب الشرطة، تبين وجود سرداب بطول 2 متر، داخل الحفرة، يوصل إلى حفرة أخرى بعمق أكثر من 9 أمتار.

الحادث الذي وقع خلال شهر أكتوبر الحالي، لم ولن يكون الأخير، ففي مارس الماضي، ظلت 6 جثث لمنقبين عن الآثار أسفل حفرة عمقها 25 مترًا 8 أيام قبل أن تنتشلهم قوات الحماية المدنية، وفي نفس الشهر أيضًا، انهارت حفرة عمقها 6 أمتار، أسفل منزل بقرية سيلا بمركز الفيوم، ما أدى إلى انهيار أحد حوائط المنزل، ومصرع أحد المنقبين.

 

مقبرة رومانية

“انتشار شائعات الثراء السريع بعد العثور على مقابر أثرية أسفل المنازل أدت إلى تطور أعمال التنقيب الأهلية أسفل المنازل”، هكذا بدأ أحمد عبد العال مدير آثار الفيوم الأسبق حديثه لـ”مراسلون”، وأضاف: في منتصف 2007 اكتشف المنقبون مقبرة رومانية في منطقة أثرية قريبة من قرية الطوبجي بمركز طامية، وألقت الشرطة القبض عليهم ولكن لم يجدوا شيًئا بالمقبرة، مشيرًا إلى أن المنطقة عبارة عن آبار مياه ترجع للعصر اليوناني، وأجرينا حفائر بها، ولكنها تعطلت لأن المنطقة عليها منازل أهالي يصعب إزالتها.

وتابع عبد العال: شهدت الفيوم محاولات عديدة من اللصوص لسرقة قطع أثرية، في أحداث ثورة يناير 2011، أبرزها سرقة متحف كوم أوشيم، بطريق الفيوم-القاهرة الصحراوي، حيث استغل اللصوص الانفلات الأمني، وغياب التأمين للمتحف، واقتحموه ولكنهم لم يسرقوا سوى سجل الآثار وجهاز كمبيوتر وألف جنيه، كانت موجودة في درج المتحف، وذلك لأن المتحف كان في طور التطوير، ونقلت القطع الأثرية إلى المخزن المتحفي قبل الأحداث.

وأوضح مدير عام الآثار الأسبق، أن اللصوص دخلوا مخزن المواد الدراسية، ولم يجدوا فيه قطع أثرية، وبعثروا شقف وزلط للتدريب، وفتحوا الصناديق وألقوها على الأرض، وتوجهوا للمخزن المتحفي الذي يبعد حوالي كيلو متر فقط عن متحف كوم أوشيم، بجوار قرية المسلات، لسرقة القطع الأثرية به، ولكن مجموعة من الخفراء ومفتشي الآثار بالمخزن، استعانوا بالأهالي، ففر اللصوص هاربين من المكان دون أن يتمكنوا من سرقة شيء.

 

الآثار لا تعلم

يقول عبد العال، هناك حالات أخرى للتنقيب نكتشفها بعد أن يتركها المنقبون ولا نعلم إذا كانوا قد نهبوا منها آثار أم لا، وهو ما حدث مع المنطقة الأثرية “الجبانة”، التي نبشها اللصوص وهربوا، بعد أن أخرجوا منها توابيت حجرية ثقيلة التي يدفن فيها موتى القدماء المصريين، واقعة أخرى يرويها عبدالعال، حدثت خلال أحداث الثورة، حيث هاجم لصوص منطقة “أليون” التابعة لمركز أبشواي وهي جبانة رومانية، في الواحدة ظهرا، مستغلين حالة الانفلات الأمني، وكان المفتشون موجودون بالمكان، وأبلغوا الشرطة لحماية المنطقة، ولكنها طلبت منهم مغادرة المكان حرصا على حياتهم، لعدم قدرتها على مواجهة اللصوص، وفي واقعة أخرى حفر منقبون عن الآثار في منطقة “جعران”، وهي مقابر رومانية، تقع على مسافة 5 كم من مدينة ماضي الأثرية بمركز إطسا، لعمق يتراوح بين متر أو متر ونصف، ولا نعلم إذا وجدوا فيها شيئا أم لا؟

 

هوس التنقيب    

سيد الشورة، مدير عام فرع آثار الفيوم يقول لـ”مراسلون” 60% من جهود مفتشي بالفيوم، كانت في إجراء المعاينات لمنازل وأراض زراعية شهدت عمليات تنقيب عن الآثار، بالحفر تحتها”.

يضيف: الكثير من المواطنين أصيبوا بما أسماه “هوس الثراء السريع”، وانتشرت ظاهرة التنقيب عن الآثار في المنازل والأراضي الزراعية، ويشير إلى أن 50% من أعمال التنقيب الأهلي عن الآثار كانت بمركز طامية، الذي احتل المركز الأول في تلك الظاهرة، ثم جاء مركز الفيوم في المرتبة الثانية، ثم انضم إليهما مؤخرا مركزي يوسف الصديق وأبشواي، موضحا أنه منذ تسلم مهام عمله كمدير لفرع هيئة الآثار بالفيوم، في سبتمبر من العام الماضي، أجرى 120 معاينة لمواقع حفر فيها مواطنون للتنقيب عن الآثار بمعدل 10 حالات في الشهر، وجميعها لم يعثروا فيها على شيء، لأن غالبيتها أراض طينية ومليئة بالمياه، ولا يمكن أن يكون بها آثار.

يقول الشورة، جميع المعاينات التي أجراها، كشفت عن هوس التنقيب عن الآثار لدرجة أن البعض حفر في الصخور بالجبل، وهي صخور كبيرة لن يعثروا فيها على شيء، وتابع: “الناس لازم تفهم أنهم يتعرضون لعمليات نصب منظمة، بإدعاء بعض من يطلقون على أنفسهم شيوخ بوجود معبد أو مقبرة أثرية تحت منزل المواطن أو تحت أرضه، ثم يختفون بعد قضاء أشهر في الحفر واستنزاف أموال ضحاياهم الباحثين عن الثراء السريع”.

ويوضح سيد الشورة، أن النصاب يدعي أنه شيخ، يختار النصاب منزل معين، ويجلس على مقهى، يجمع معلومات عن صاحب المنزل، ثم يتواصل معه بزعم أنه يعلم أن هناك كنز أثري أسفل منزل الضحية، ويظل يطلب مبالغ مالية، خلال أعمال التنقيب ثم يختفي، مشيرا إلى أن سيدة تعرضت لمثل هذه الواقعة، أخبرته أن أحد المدعين نصب عليها في 80 ألف جنيه.

الدكتور ناجح عمر، وكيل كلية الآثار لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة بجامعة الفيوم، يقول إن الكثير من الدجالين والمشعوذين استغلوا رغبة البعض في الثراء السريع بالتنقيب عن الآثار، وينصبون عليهم بإيهامهم بوجود آثار تحت منازلهم أو أراضيهم، ويستنزفون أموالهم جميعها، ولكنه يؤكد أن بعض المنازل القريبة من مناطق أثرية من الطبيعي أن يكون تحتها آثار، وفقا لنظرية يؤمن بها الأثريون أن “الأراضي المصرية كلها أثرية إلى أن يثبت العكس”، ووفقا لوصف “ناجح” فإن مصر تعيش على بحر من الآثار، لدرجة أنه لو تم البحث في نهر النيل، سيعثر على حجارة أثرية من التي كانت تنقل قديما عن طريق النهر.

 

النصب بالنماذج

يضيف وكيل كلية الآثار بجامعة الفيوم، تجارة الآثار المقلدة، منتشرة جدا، وتوجد مصانع لنماذج أثرية تضع القطع المقلدة، في الرمال، لعدة أشهر حتى توهم المشتري أنها قطع أثرية أصلية، وتنصب على المشتري المصري في الغالب، لأن الأجنبي لا ينخدع بمثل هذه النماذج، والأثريون يستطيعون اكتشاف حقيقة هذه النماذج بحكم خبرتهم، مؤكدًا أن تجار الآثار في الغالب يلجئون لقطع أثرية غير مسجلة، بحيث عندما يبيعوها، وتظهر في أي متحف للآثار في الخارج، لا تستطيع مصر أن تستردها، لأنها غير مسجلة أو موثقة لديها.

واقترح ناجح لحماية الآثار من السرقة تعظيم دور شرطة الآثار، وتطوير إمكاناتها، لمنع سرقة القطع الأثرية من مواقعها، بالإضافة إلى الدور الكبير للإعلام ووزارة الآثار، بزيادة الوعي الأثري لدى المواطنين، من خلال برامج توعية للمواطنين وطلاب المدارس والجامعات، لأن الناس يتعاملون مع الآثار كأنها أصنام، وليست كعلوم استفاد منها العالم أجمع في كل المجالات.

 

 

الصورة لحفر أسفل منزل بقرية “منشأة قارون” بالفيوم بحثا عن الآثار

تصوير: ميشيل عبدالله