مئات الآلاف من القطع الأثرية – عشرات الآلاف منها نادر – موجودة خارج مصر ومعروضة على الملأ، متحف بريطانيا لديه 100 ألف قطعة وهو نفس العدد تقريبا في المتحف المصري في مصر، وحتى الآن تعرض الآثار المصرية في مزادات للبيع وتشتريها المتاحف.

وحسب موقع ويكيبيديا هناك 6 دول لديها في متاحف كل منها يعرض أكثر 10 آلاف قطعة آثار مصرية وهي: بريطانيا وفرنسا وأمريكا وألمانيا وإيطاليا والنمسا، الغريب أن بعض المتاحف تعتبر آثارنا جزء من إرثها الثقافي مثل متحف اللوفر، ولا تسمح فرنسا بخروج الآثار من المتحف حتى إذا كانت ستعود إلى بلدها الأصلية.

عام 1970 أصدرت اليونسكو بالأمم المتحدة اتفاقية حظر بيع ونقل الممتلكات الثقافية للدول ونظمت عملية استرداد الآثار للدول الأصلية وهي الاتفاقية الأهم بالنسبة لأزمة تهريب وسرقة الآثار المصرية، لكن حتى الآن مازالت مئات الآلاف من قطع الآثار –على أقل تقدير- خارج مصر، لكن الأغرب أن هناك عائلات داخل مصر لديها قطع آثار محتفظة بها كملكية شخصية وفي وزارة الآثار لجان خاصة لجردها في المنازل والتأكد من العناية بها، فلماذا لم تعد آثارنا من الخارج ولماذا لم تسترد الدولة آثارنا من الداخل؟

الدكتور زاهي حواس وزير الآثار الأسبق وأشهر عالم في علم المصريات يحاول أن يجيب لـ”مراسلون” على بعض تلك الأسئلة في هذا الحوار.

 

كيف تم تهريب آثار مصر إلى الخارج؟

منذ القرن السادس عشر ولمدة 3 قرون تم اغتصاب الآثار المصرية، وكانت المواني تحمل آلاف المومياوات يوميًا، ولم يكن هناك قانون يمنع تصدير الآثار أو الاتجار بها، كما نشطت حفائر البعثات الأجنبية بعد انتشار حمى انبهار الأوروبيين بالحضارة المصرية، إلى أن جاء محمد علي – حكم مصر من 1805حتى 1848- ومنع خروج القطع الأثرية إلا بموافقة السلطات، وحتى عام 1983 كان القانون يمنح البعثات الأجنبية التي تنقب عن الآثار عدد من القطع بلغ النصف، فمن يكتشف مقبرة يأخذ نصفها قانونًا ويحق له الاتجار بها وبيعها داخل أو خارج مصر، أيضًا كانت القطع الأثرية تباع في المتحف المصري حسب العرض والطلب وكان يمكن لأي إنسان أن يدخل المتحف وينتقي من المعروضات الأثرية ما يشاء ويدفع ثمنها وتصبح ملكه، وبالتالي يحق له التصرف في القطعة الأثرية وبيعها خارج مصر.

 

لكن هناك سرقات حدثت وتنقيب مخالف عن الآثار ومزادات خارج مصر تبيع الآثار المصرية المسروقة؟

نعم هناك فساد وسرقات حدثت خاصة بعد ثورة يناير 2011 لكن أغلب القطع الأثرية المعروضة في المتاحف العالمية خرجت من مصر بشكل قانوني منذ عشرات السنين وهي الآن ملك المتاحف أو حتى الجامعات الأجنبية ويحق لهم حسب القانون عرضها.

 

شبكة المعلومات ويكبيديا نشرت عدد قطع الآثار المصرية في عدد من المتاحف لكن بحثت عن إحصاء للآثار خارج مصر فلم أجد هل يوجد إحصاء رسمي لها؟

لا يوجد إحصاء رسمي.

 

رغم أنك توليت مسئولية الآثار عدة سنوات، لماذا لم يكن هناك إحصاءًا رسميًا لآثارنا في الخارج تمهيدَا لاستردادها؟

قبل أن نبحث عن آثارنا في الخارج وإحصاءها يجب أن نتم عملية تسجيل الآثار داخل مصر حتى نمنع نزيف تهريبها للخارج، وقبل أن أطالب بما هو موجود في الخارج أحمى الذي بين يدي، وقبل أن أتولى مسئولية المجلس الأعلى للآثار لم يكن هناك تسجيل محترف للقطع الأثرية في مصر، وكان همي الأول هو التسجيل لمنع السرقات فدشنت حملة قومية للحفاظ على الآثار وتسجيلها، واتفقت مع القوات المسلحة على بناء 60 مخزن متحفي ودربت الحراس لمنع السرقة ووضعت أثريين على 31 منفذ خروج من مصر، نعم حصر الآثار في الخارج مهم جدًا لبناء قاعدة بيانات تمكنا من استعادتها لكن كان يجب حصر الآثار في الداخل أولا ولكن عملية التسجيل توقفت منذ 2011 قبل أن تنتهي.

كما أن المتاحف العالمية تنشر عدد القطع لديها عبر موقعها وبالتالي لا نحتاج إلى جهد في الإحصاء، ويمكن حصرها بعد الانتهاء من تسجيل آثار الخارج بسهولة.

 

خلال توليك مسئولية الآثار كم استردت مصر من قطع الآثار ؟

لقد شكلت اللجنة القومية لاسترداد الآثار برئاستي وكان بها شخصيات قوية مثل نبيل العربي الأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية ونبيل فهمي سفير مصر السابق في واشنطن وشخصيات أخرى قانونية وأثرية، واستعدنا أكثر من 6 آلاف قطعة أثرية من متاحف ومزادات عالمية.

 

لكن العدد مقارنة بالآثار المصرية في الخارج قليل جدًا، فهل ترى أن جهد اللجنة كان مناسبًا للقطع العائدة خاصة ليس بينها قطع نادرة ومهمة مثل رأس نفرتيتي؟

أنا لم أرفع قضية واحدة ضد أحد أو أنفق مليم واحد مقابل استرداد أثر، وكان الاسترداد يتم بدون مقابل وبالقوة و”الفتونة”، لأن القانون لا يسمح لنا بعودة الآثار التي خرجت بشكل قانوني إلى مصر والقضايا سوف تستغرق سنوات ولن نحصل على شيء.

 

كيف كان يتم استرداد القطع الأثرية أثناء توليك المسئولية؟

كان عندي إستراتيجية لاستعادة الآثار من الخارج، كان يعمل معي عدد من الأجانب متطوعين مهمتهم البحث عن الآثار في الخارج التي من المحتمل أن تكون مسروقة وحينما أتأكد من وجود آثار مسروقة في أي مزاد أو متحف، أرسل إليهم بوقف البيع إذا كان في مزاد أو أوقف العرض في المتحف وأبدا إجراءات استرداد الآثار.

وكانت اللجنة تتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدراليFBI  والأمن الداخلي في أمريكا فكانوا يتتبعوا لصوص الآثار، وأعادا آثار كثيرة في أكثر من قضية، مثلا الـ FBI  ضبط لص آثار مشهور جدا لبناني الأصل وكان متهمًا في قضية الآثار الكبرى بمعاونة عدد من الإنجليز والأمريكان ومصريين والذي حبس فيها طارق السويسي عام 2006، وأيضًا الأمن الداخلي الأمريكي أعاد آثار كثيرة، ففي أحدى القضايا التي تم فيها إعادة الآثار، كان مخزن جامعة القاهرة في المعادي –جنوب شرق القاهرة- تمت سرقة آثار منه عام 2003 فأرسل لي ضابط بالأمن الداخلي معلومات عن المتهم بسرقة المخزن وهو ضابط في الجيش الأمريكي اسمه جونسون جاء إلى مصر واشترى الآثار المسروقة وهربها من المطار، واستمرت القضية سنة، كما تم ضبط قضايا آثار كثيرة في ميامي ونيويورك عن طريق الشرطة الأمريكية وكانت المسألة أن هناك تعاون بيني وبينهم.

كما كنت أضع “جاسوسًا” في كل متحف، مهمته أن يخبرني بشراء المتحف لآثار، فمرة علمت أن متحف اللوفر اشترى 4 قطع آثار مسروقة من مقبرة بالأقصر، فأرسلت خطابا شديد اللهجة إلى المتحف وطالبت بعودة القطع الأثرية، وجاء مدير المتحف وبعد أن تأكد أن الآثار مسروقة من مصر، طلب مني مهلة 6 أشهر لعودتها، وبعد مرور سنة أوقفت بعثة متحف اللوفر من العمل في منطقة سقارة بسبب المماطلة في إعادة الآثار، وكان هذا بالنسبة لهم عقاب كبيرة فاتصل الرئيس الفرنسي ساركوزي بالرئيس مبارك واشتكى له، فهاتفني مبارك وأخبرته أن متحف اللوفر اشتري قطع أثرية مسروقة من مصر ويرفضون إعادتها فقررت معاقبتهم بوقف بعثتهم، وفي النهاية أعادوا الآثار المسروقة، وهكذا أغلب حالات استرداد الآثار كانت تتم بغير الطرق القانونية.

 

هل يمكن استرداد الآثار الموجودة خارج مصر ؟، فشخصيًا أحلم بعودة المسلات المصرية المغتصبة من مصر؟

لا تحلم، لا يمكن استرداد الآثار المصرية في الخارج بالقانون، واتفاقية اليونسكو لا تعيد الآثار قبل عام 73، والقانون الدولي ليس في صالحنا ومستحيل قانونا عودة الآثار إلى مصر، ولا يجوز أن أمنع متحف اللوفر الذي قرر أن يعرض بعض الآثار المصرية في متحف أبو ظبي ، ببساطة لأنه لديكم أوراق ملكية والقانون الدولي لا يعطينا سلطة لمنع عرض الآثار في دولة أخرى.

 

هناك قطع أثرية نادرة ومهمة جدًا خرجت من مصر بشكل غير قانوني، منها رأس نفرتيتي في ألمانيا وأيضًا حجر رشيد الموجود في بريطانيا وغيرها لماذا لم تهتم لجنة الآثار باستعادتها أثناء توليك رئاستها؟

لقد اهتمت اللجنة بالآثار النادرة وكان لدي قائمة بخمس قطع آثار نادرة منها رأس نفرتيتي وحجر رشيد وتمثال “حم أيونو” بألمانيا وتمثال مهندس الهرم الثاني في بوسطن وأبراج الزودياك بفرنسا، في البداية طلبت من الجهات التي بحوزتها تلك القطع الأثرية لاستعارتها وعرضها في المتحف الكبير الذي كان سيتم افتتاحه في 2015 لمدة 3 أشهر فرفضوا، فوجهت الفريق الأجنبي للبحث عن رأس نفرتيتي وأثبت أنها خرجت بطريقة غير قانونية، لأنها حينما اكتشفت كان هناك قانون قسمة الآثار مع المكتشف وكان لا يسمح بخروج القطع النادرة هي القطع الخاصة بالملوك والملكات خاصة لو كانت مصنوعة من الحجر الجيري، وخرجت القطعة من مصر بعد أن سجلها المكتشف بولخارت على أنها قطعة من الجبس ليستولى عليها وهذا احتيال واضح، وبعدما خرج بها أخفاها 10 سنوات، لكنه دون في مذكراته حكاية خروج رأس نفرتيتي من مصر بالاحتيال، وكتب خطابًا رسميًا بعد الحصول على الأدلة التي تثبت احتيال المكتشف لمدير المتحف في ألمانيا، ولم يكن لديهم اعتراض سوى أن الخطاب غير موقع من الوزير وكنت وقتها رئيس المجلس الأعلى للآثار وبعد ذلك جاءت الثورة فتوقفت المفاوضات لإعادة رأس نفرتيتي وخرجت من الوزارة وقرر المسئولين تركها لألمانيا.

 

إذا لم تستطع مصر استرداد الآثار في الخارج فلماذا لا نسترد الآثار التي بحوزة العائلات في الداخل فلدينا 5 عائلات على الأقل لديهم عشرات الآلاف من القطع الأثرية منهم عائلة زكي محارب؟، ووجود الآثار معهم أحد منافذ تهريبها للخارج.

نعم هناك عائلات لديها آثار في مصر، ولكن تم تسجيلها وممنوع التصرف فيها بالبيع أو الهبة وهناك لجان تمر دوريًا على تجار الآثار الذين لديهم قطع أثرية لجردها لمنع تبديلها والاطمئنان على وجودها، ولا تخرج من منزله.

 

لكن هناك بعض التجار يقلد الأثر ويبيعه؟

الأثريون يعلمون الفرق بين المقلد والأصلي واللجان تمر دوريًا عليهم للكشف عن الآثار التي بحوزتهم.

 

بعض القطع تم تهريبها بالفعل وهناك فساد في لجان التفتيش على الآثار ؟

نعم هناك فساد، وبعض التجار باعوا آثار في حيازتهم، لكن القطع التي لديهم أغلبها غير مهمة كأثر، لكن كان لديهم قطع نادرة تم بيعها، وعلى العموم عائلة زكي محارب أكبر عائلة لديها آثار أهدت أغلبها للوزارة.

 

رؤساء وملوك مصر أهدوا الدول الأوروبية قطع أثرية بعضها نادر، ما رأيك في هذا وكيف يمكن استردادها؟

هذا أكبر خطأ ارتكبه الملوك والرؤساء فالآثار حضارة وتاريخ يحكي عن أجدادنا وليس ملكًا لأحد، خاصة أن بعض الرؤساء الذين حصلوا على قطع أثرية وضعوها في متاحفهم الخاصة.

أما استرداد الآثار فهو يحتاج جهد عالمي أولا أن نكون نحن أقوياء ونستطيع أن نعرض قضية عودة الآثار على العالم ونضغط لعودتها وتغيير اتفاقية اليونسكو لصالح عودة آثارنا، فمثلا عودة المسلات المصرية تكون بخطة قومية نستخدم فيها الدبلوماسية المصرية بتعاون عدة دول ونشرح قضيتنا على العالم، لكن الآن هم لديهم ملكية آثارنا وأقول لهم يكفي ما لديكم ولا يجب أن تسرقوا مزيدًا من الآثار.

 

البعض يرى أن وجود الآثار المصرية في الخارج جزء من الترويج للحضارة المصرية ودعايا مجانية للسياحة في مصر ما رأيك؟

هذا كلام فارغ، هل إذا كان لدي 10 أبناء لا استطيع تربيتهم هل أبيعهم للخارج، كان الكاتب الراحل أنيس منصور يردد هذا المنطق وكنت أجادله فيه لا يمكن أن نبيع آثارنا ووجودها في مصر أفضل طبعًا لأنها ليست ملك أحد سوى مصر.

 

لو قرر العالم إعادة الآثار المصرية غدًا، هل نحن مستعدون للحفاظ عليها وترميمها وعرضها بشكل لائق؟

نعم نستطيع أن نعرض آثارنا بشكل لائق فقد أنشأنا 22 متحفًا منهم المتحف الكبير ومتحف الحضارة ليس لهما مثيل في العالم ونستطيع أيضًا صيانتها، إحنا بصون ولدينا متاحف أفضل من لديهم، لكن ليس لدينا أزمة في الكوادر المؤهلة لتسجيل الآثار والعناية بها وكوادر ترميم الآثار يمكن عدهم على الأصابع.

الأزمة الحقيقية في مصر هي العقليات العقيمة، أذكر أنني طلبت أن توضع صور القطع الأثرية على موقع المتحف، وفوجئت بهجوم شديد على الفكرة التي اعتبروها بيع للآثار المصرية.

 

ما رأيك في إدارة استرداد الآثار الآن خاصة وأنت عضو فيها ؟

هموم الآثار كثيرة بسبب عدم كفاية الموارد لضعف الإقبال السياحي وقلة المعارض، كان هناك إمكانيات من قبل، وكان هناك دور للسفراء في إعادة الآثار، أما الآن فقضية الآثار تختفي بجانب أزمات مواجهة الإرهاب.

 

 

تصوير: سيد داود واراب