منذ أكثر من ثماني سنوات تلقت نجاة وعائلتها التي تقطن في عمارة يعود بناؤها إلى سنة 1902 بنهج برج بورقيبة بقلب العاصمة تونس إخطارا من المحافظة لإخلاء البناية المهددة بالانهيار.

استجاب متساكنو العمارة على مر السنوات الماضية إلى ذلك الإخطار بعد تيقنهم بوجود خطر محدق يتربص بحياتهم، لكن نجاة وعائلتها فضلوا البقاء بتلك البناية محتمين بها من التشرد.

تقول نجاة “كنا نشعر باهتزاز تحت أقدامنا عندما نصعد السلم، وكنا نشعر أننا أقرب للموت بصعقة كهربائية حين نمر بالقرب من أسلاك الكهرباء المكشوفة ورغم ذلك تمسكنا بالبقاء هنا”.

وضعية نجاة لا تختلف عن عشرات العائلات التي تقطن بمبان قديمة في العاصمة وفي عدد من المدن على غرار مدينتي بنزرت وسوسة اللتان تحتلان المراتب الأولى في عدد المباني المتهاوية.

تقول نجاة لـ”مراسلون” إن عائلتها كانت تدفع إيجارا شهريا يناهز 35 دينار (12 أورو) للمالك الأصلي للبناية وهو يهودي من أصل فرنسي وذلك إلى حدود الثمانيات من القرن الماضي.

منذ 1988 انقطعت أخباره وبقيت البناية دون مالك أصلي ما جعل العائلات المقيمة بتلك البناية ترغب في امتلاك الشقق. لكن وضعياتهم بقيت على حالها لأنهم لا يملكون وثائق الملكية.

في الأثناء بقيت الشقق دون ترميم مما جعلها تتصدع وتتشقق ويتسرب إليها الماء في فصل الشتاء. تقول نجاة “نحن نضطر لمغادرة الشقة في الشتاء لأننا نخشى من سقوط البناية بفعل المطر”.

خطر السقوط

وتوجد في تونس نحو أربعة آلاف ألف مسكن متداع للسقوط أغلبها في العاصمة. وتعود ملكية 2300 منها للأجانب فيما يعود التصرف في المباني المتبقية لشركة إسكان حكومية.

ومع أن عديد البنايات تواجه خطر الانهيار والتسبب في خسائر بشرية تقف الدولة عاجزة عن فعل شيء باعتبار أن متساكني البنايات القديمة يرفضون الخروج منها تحت أي ذريعة كانت.

ويعتبر ملف البنايات القديمة المملوكة للأجانب من أكثر الملفات تشعبا التي تواجهها الدولة. وتقيم عائلات تونسية كثيرة في مباني مملوكة لأجانب بعضهم توفوا وتوقفت أخبارهم منذ سنوات.

وترفض عائلات تونسية الخروج من تلك البنايات المتداعية للسقوط رغم أنها تشكل خطرا على حياتهم وذلك بسبب انخفاض ثمن الإيجار الذي لا يزيد شهريا عن 20 دينارا (7 أورو).

عن هذا يقول نجيب السويسي مسؤول في وزارة التجهيز لــ”مراسلون” إن الوضعية المعقدة لتلك المباني جعلت بعض مالكي العمارات القديمة يتمنون انهيار بناياتهم حتى يجبر سكانها على مغادرتها.

ويضيف أن تلك المباني تشكل “عبئا” على الدولة التي لا يمكن أن تشرد عائلات فقيرة في الشوارع لاسيما وأن بعضا منها سدد منذ سنوات معاليم إيجار رمزية لمؤسسات عقارية حكومية.

مشروع قانون

ومع ذلك تسعى الحكومة لإجبار مالكي العمارات القديمة على القيام بعملية الترميم أو الهدم تجنبا لوقوع حوادث قاتلة كما وقع بمدينة سوسة مؤخرا حيث انهارت بناية وتسببت بوفاة ستة أشخاص.

وصاغت الحكومة مشروع قانون لرصد البنايات المتداعية للسقوط وتحديد طرق معالجتها وكيفية تدخل السريع للسلطات المحلية والدولة إزاء العقارات التي تهدد سلامة متساكنيها والمارة.

وتعترض البلديات صعوبات عديدة تحد من قدرتها على تنفيذ أوامر الهدم أو الترميم. ومن بين أبرز المشاكل تشتت الملكية بين أملاك الخواص وأملاك الدولة وأملاك أجانب.

وحال تعدد العقارات القديمة وتعقد وضعيتها القانونية وتشتت ملكيتها دون تدخل فوري وناجع للدولة لحل المشكل الذي له تفاقمت تداعياته الاجتماعية والعقارية والعمرانية.