من هو معلمك؟ سؤال أصبح أساسياً لدى أغلب أولياء أمور الطلبة بمدينة طبرق لدى البحث عن مكان مناسب لتعليم أطفالهم، نظراً لما تعانيه المؤسسات التعليمية الأساسية والثانوية التابعة للدولة من ضعف وتراجع في مستوى أغلب المعلمين، وخاصة الخريجين الجُدد الذين لا يملكون الخبرة والكفاءة ومهارات التواصل مع الطلبة.

لا يعرفون الكتابة

التراجع في أداء المعلم بمراحل التعليم الأساسي (ابتدائي – إعدادي – ثانوي) في ليبيا بدا واضحاً على مستوى الطلبة بشكل عام، مادفع الجامعات إلى جانب أسباب أخرى منها انتشار الغش في المدارس لعدم قبول حملة الشهادة الثانوية إلا بعد خضوعهم لامتحانات قبول.

من بين من خضعوا لامتحانات القبول كان الطالب (م.ف) الذي تحصل على الشهادة الثانوية العام الماضي 2016م، وتقدم لكلية الموارد الطبيعية بجامعة طبرق من أجل إكمال دراسته والحصول على درجة البكالوريوس، لكن كان من ضمن شروط هذه الكلية اختبار في اللغة العربية والخط، وتفاجأ أعضاء اللجنة بأن الطالب كتب أغلب الجمل بشكل خاطئ، ما جعل اللجنة المكلفة ترفضه على الفور.

ويعلق الدكتور حسن الدمنهوري أستاذ بكلية الموارد الطبيعية بجامعة طبرق على قصة (م.ف) بأنه ليس الوحيد ضمن المتقدمين الذي كان مستواه ضعيفاً جداً في الكتابة، وهذا يؤكد أن هناك خللاً ما في تعليمهم.

الضعف لم يكن في الكتابة فقط يقول الدمنهوري، فقد لاحظت لجنة القبول أن عدداً كبيراً من الطلبة يخطئون في عمليات الجمع والطرح والعمليات الحسابية البسيطة، ويرجع ذلك لتراجع التعليم في المرحلتين الأساسية والثانوية.

ويتابع “مستوى كثير من المعلمين ضعيف في الأداء”، لأنهم وجدوا أنفسهم معينيين في قطاع التعليم كمعلمين بعد تخرجهم من الجامعة دون إلمام بالعملية التعليمية.

التعليم منهار

يصف المعلم المتقاعد حمد مجحود (69 عاماً) التعليم  بأنه “منهار” رغم أن أغلب المعلمين لديهم مؤهلات علمية عليا ولكنها “دون فائدة”، فأغلب الطلبة بالمراحل التعليمية الأساسية والثانوية يعانون من ضعف التحصيل العلمي، والسبب يرجع لعدم كفاءة المعلمين وخبرتهم، وافتقارهم لطرق التعليم السهلة التي لها انعكاسات إيجابية في التحصيل العلمي لدى الطالب.

ويضيف مجحود “أنا عُيّنت بشكل مؤقت في ستينات القرن الماضي بعد حصولي على الشهادة الابتدائية مباشرة”، نظرا ً لنقص المعلمين الليبيين في تلك الفترة، وقام وقتها بتعليم الطلبة في المراحل الابتدائية حتى الصف الرابع، ورغم ذلك لم يتم قبوله بشكل رسمي إلا بعد موافقة لجنة مختصة أخضعته لأكثر من اختبار قبول.

ورغم عدم حمله شهادةً عليا يقول مجحود بأنه كان يحاول إيجاد سبلٍ ناجعة للتواصل مع الطلبة وتحفيزهم واستمر يطور من قدراته وخبرته، أما “معلمو اليوم” يقول بأنهم “يفتقرون لأدوات التواصل والمخاطبة الحسية جملة وتفصيلاً”، وحسب تعبيره فإن الطالب يُعامل “كبرميل لجمع المعلومات، عندما تنتهي السنة أو الفصل الدراسي يُثقب البرميل أو يقلب وتفرغ المعلومات مباشرة وكأنه لم يتعلم شيئاً”.

أسباب التراجع

ولعل من أسباب تراجع المستوى أيضاً ما ذكره سالم جواد مدير إدارة التربية والتعليم بطبرق حول توقف دورات رفع الكفاءة للمعلمين الجدد منذ 2011، وكانت هذه الدورات قد أُقرت في السابق في طرق وأساليب التعليم والتدريس بشكل عام، ومن بعدها يتم تمييز المعلمين والمفاضلة بينهم من خلال نتائج يتم اعتمادها من قبل إدارة التعليم، “هذه الدورات متوقفة بشكل تام”.

فضلاً عن نقص المعلمين في المواد العلمية المهمة مثل الرياضيات والفيزياء والحاسوب وغيرها، والذي يُربك عمل بعض مدارس التعليم الأساسي والثانوي بسبب العجز عن إيجاد معلمين لهذه المواد، ما يُضطر قطاع التعليم للتعاقد مع الخريج مباشرةً  قبل دخوله أية دورات رفع كفاءة.

ويبقى تدني المرتبات من الأسباب المهمة لتراجع مستوى المعلم بحسب جواد، فقد لفت مدير إدارة التربية والتعليم إلى أن المعلم بالمرحلتين الأساسية والثانوية أصبح “يشعر بالملل والضجر والإحباط”، خاصة أن رواتب المعلمين أصبحت ضعيفة جداً مقارنة بالوضع الاقتصادي الراهن، لأن المعلم الذي يمتلك مؤهل عالي وخبرته في التعليم لا تقل عن 20 سنة يتقاضى 820 دينار ليبي، بينما السائق أو عامل النظافة في إحدى الشركات النفطية أو مصلحة المطارات أو حرس المنشآت يتقاضى أكثر من 1200 دينار وهو لا يحمل سوى شهادة ابتدائية وأحياناً خبرته أقل من عام واحد، وهذا الأمر قلل من عزيمتهم وتقاعصوا في عملهم بسبب “الإجحاف من الدولة”.

يشدد جواد على أنه يجب أن يكون معلمو صفوف الأول والثاني والثالث والرابع الابتدائي من ذوي الكفاءة والخبرة التي لا تقل عن 10 سنوات، حتى يكون متمرساً ولديه قدر كاف من الخبرة لتعليم الطلبة الصغار “لأنهم اللبنة والأساس”.

تدمير للطالب!

يتفق مع كل ما سبق المفتش التربوي بطبرق رزق مجيد، إلا أن ما يقلقه هو أثر ذلك على الطلبة بسبب طريقة التعليم التي يتبعها المعلمون اليوم، “هم لا يفقهون لا من بعيد أو قريب طرق التدريس الصحيحة، فأسلوب إيصال المعلومة للطالب منعدم تماماً، كما أن مهارات التواصل غائبة أيضاً بين المعلم وتلاميذه” في كثير من المدارس التي يزورها مجيد.

ويضيف المفتش التربوي أن أغلب معلمي النقل باستثناء الشهادتين الإعدادية والثانوية يعتمدون على طريقة تحديد الأسئلة، وهذه الطريقة في حد ذاتها تدمير لمستوى الطالب، “فلو قام المعلم بتحديد الأسئلة للطالب فلماذا يتعب نفسه في شرح المنهج طيلة العام الدراسي؟”

ولتخفيف هذه المشكلة يشدد مجيد على ضرورة إضافة مواد تربوية في المرحلة الجامعية كما في كلية التربية، لأن المواد التربوية تكون فيها طرق وأساليب التدريس والتعليم عموماً، وتُسهل على المعلم الكثير من الأمور بعد تعيينه بقطاع التعليم.