” عاوز آخد دبلوم صنايع ، واشتغل كام سنة ف أي شركة آخد فيهم خبرة محترمة ، وبعدين أسافر “.. جسده النحيل، لون جلده المحروق، ملابسه الرثة كمعظم رفاقه رواد مدرسة الفصل الواحد بمنطقة عرب المعمل بمحافظة السويس، لا يخبرانك إطلاقا بامتلاكه وعيا كهذا، يمكنه تحديد أو على الأقل الحلم بالمستقبل بهذا الاختصار والوضوح، كان من الممكن ألا يكون “عيد” هنا، ولا يعود للدراسة بعدما تركها على الإطلاق ، حيث ترك مدرسته القديمة بإرادته في الصف الثالث الابتدائي منذ سبع سنوات، وانخرط في عمل أبيه وأعمامه، مثل معظم أهالي منطقة عرب المعمل في فرز القمامة، إلا أنه عاد بعد كل تلك السنوات، وآخرون من أعمار مختلفة، للدراسة بمدرسة الفصل الواحد، تعددت الأسباب.. والفصل واحد.

البداية من أجل الفتيات

في يناير 2003 أعلنت السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس الأسبق استكمال  تفعيل مبادرتها  المتعلقة بتعليم الفتيات، والتي بدأت عام 1993 بإنشاء 200 مدرسة لتعليم الفتيات في أماكن إقامتهن دون وجود معوقات جغرافية ولا اقتصادية ولا اجتماعية تحول دون تعليمهن، وشملت المبادرة البدء في إنشاء أكثر من ألف مدرسة “صديقة للفتيات” في قرى مصر ومناطقها المهمشة، أعجبت العديد من المنظمات الدولية بالمبادرة، وعلى رأسها اليونسكو واليونيسيف، مما حدا بالأخيرة لتوثيق المبادرة ومتابعتها باهتمام بالغ.

في 2004 قامت منظمة اليونسكو بوضع حجر الأساس لتنفيذ مشروع ” مدارس الفصل الواحد
للأطفال ذوي الظروف الصعبة ” بالشراكة مع برنامج الغذاء العالمي الذي وفر وجبات غذائية للطلاب، وزارة التربية والتعليم المصرية، و منظمات المجتمع المدني التي وفرت المباني،  وقد قامت منظمة اليونسكو بالدور الرئيسي المتمثل في تجهيز الفصول، تدريب المعلمين، التقييم المستمر للمشروع، وتدريب عائلات الأطفال أنفسهم لتحقيق الاستفادة القصوى من المشروع، وقد كان الهدف الرئيسي والمبدأي للمشروع هو حصول الأطفال على شهادات رسمية بعد فترة من التعلم تتيح لهم استكمال مشوارهم التعليمي، أو إندماجهم في سوق العمل بشروط أفضل.
بعد ذلك تم دمج كل تلك المشروعات تحت مسمى ” التعليم المجتمعي “.

صندوق أسمنتي لنشر العلم

على يسار المركز الطبي الخاص بمنطقة عرب المعمل، وعلى بُعد أمتار قليلة منه، يقع الفصل/ المدرسة، على هيئة مكعب أسمنتي بمساحة 50 متر، بالقرب من أحد زواياه باب خشبي مُعلق فوقه لافتة سوداء مكتوب عليها بالأبيض : “محافظة السويس، مديرية التربية والتعليم، إدارة جنوب التعليمية، مدرسة عرب المعمل، فصل واحد”، بداخل الفصل سبورة سوداء كبيرة وعدد عشرين دكة مدرسية ومقعد تتسع لفردين، الفصل مزين بزينة قديمة اعتلاها التراب، ويغطي بعض حوائطه لوحات تعليمية ممزقة.
بداخل الفصل قابلنا الأستاذ عادل سميح المسؤول عن مدرسة الفصل الواحد بمنطقة عرب المعمل والذي حكى عن معاناته واضطراره للعمل المسائي بفرز القمامة بعدما ظن أنه أصبح معلماً، لكن الواقع الحالي أنه أصبح معلماً لكل المواد، وعاملاً بالمدرسة، ومديراً لها، كل تلك الأعمال بمرتب ضئيل لا يكفي لإعاشته عدة أيام برغم صدور قرار من هيئة التنظيم والإدارة بتثبيته على درجة معلم، لكنه لا يزال يعمل بعقد مؤقت، وعن عدم تركه لتلك المهمة الثقيلة، التي يقوم بها – تقريباً – بلا أجر، يقول أن هؤلاء الأطفال اللذين أجربتهم ظروفهم على ترك التعليم لأسباب مختلفة لا ذنب لهم ،ومن حقهم استكمال تعليمهم لتحقيق طموحهم، وإنه – ابن منطقتهم – أدرى الناس بمآساتهم، ورغبتهم القوية بتغييرها.
***
تتولى منظمات المجتمع المدني والجهات المانحة البناء والتجهيز ، كما توفر الميزانية اللازمة لتوفير المدرسين والوسائل والأدوات التعليمية المناسبة، وبعد استلام وزارة التعليم لتلك الفصول تقدم المناهج المناسبة بعد تقييمها من جهات دولية، تختار المدرسين المناسبين لشرح ما يوازي مناهج المرحلة الإبتدائية والتي يحصل الدارس على شهادتها شريطة أن يكون سنه عند بداية الدراسة أقل من أربعة عشر عاماً، وتشرف على العملية التعليمية إشرافاً كاملاً على أن تقوم الجهات المانحة والمجتمع المدني بالتقييم الدوري والمستمر.

لا أحد يقف أمام الطموح
حسب نانسي الشربيني رئيس قطاع التسويق بمؤسسة مصر الخير، فإن التعليم المجتمعي تحت رعاية المؤسسة منذ عام 2010، وأنها لاتألو جهداً لإستمرار تحقيق الهدف الأساسي الذي قام من أجله المشروع، ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن قد تم تعليم ما يقرب من سبعة عشر ألف طفل بمختلف أنحاء الجمهورية، كما تهدف المؤسسة لمد الخدمة للمناطق الأكثر احتياجاً .

ومن الجدير بالذكر أن فكرة مدارس الفصل الواحد قد بدأت بالمملكة المتحدة في الريف والمدن الصغيرة ، ومنها انتقلت للولايات المتحدة وأستراليا في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ومن أشهر خريجيها هربرت هوفر رئيس الولايات المتحدة، آلان بي شيبارد الإبن أول أمريكي يصعد إلى الفضاء، روبرت منزيس أطول من خدم كرئيس وزراء لأستراليا،  و جويس كارول أوتس الكاتبة الأمريكية الحاصلة على جائزة بوليتزر.

 

 

تصوير: محروس أحمد