أشكال هندسية مركبة، ومصطلحات الدائرة، ومنقلة مطوّرة، هي محتويات معمل رياضيات متنقل لطلاب الصف السادس، تحمله المعلمة نجاة عبد الفتاح المسلاتي التي تعمل في مدينة مصراتة (شرقي طرابلس) في شكل حقيبة صممتها بنفسها، وتستعمله في التدريس بعيداً عن الطرق التعليمية التقليدية.

تحمل المسلاتي (50 عاماً) شهادة بكالوريوس في الهندسة المعمارية تحصلت عليه من جامعة بنغازي عام 1990، وبدأت مسيرتها كمعلمة عام 1993، ولكنها قررت التوقف عام 2000 بسبب ظروف اجتماعية، لتعود للعمل عام 2003 مصممة على صنع فرق في طريقة تعاملها مع المادة العلمية التي تدرسها.

توصلت المعلمة لفكرة صنع معمل رياضيات خاص بها قبل 13 عاماً، وذلك لإحساسها بقصور الوسائل المتاحة وعدم فعاليتها في توصيل الفكرة الكاملة عن مواضيع الدروس التي تشرحها، وقد اعتمدت في صناعة أدواتها على مواد محيطة بها موجودة في المنزل من ورق شفاف وملون وورق كرتون.

ترغيب لا ترهيب

تقول المسلاتي إن هدفها من تلك الفكرة هو “الابتعاد عن كل شيء تقليدي أثناء الدرس، وترغيباً للطلاب في مادة الرياضيات بدلاً من ترهيبهم منها، كونها مادة منفّرة لكثير منهم”، وتضيف المسلاتي “أبتعد كذلك عن أسلوب العقاب أثناء الحصة، وأكتفي برفع كراسة منظمة وتشجيع صاحبها، لأرى في اليوم الذي يليه 20 كراسة أفضل منها”.

وبحسب حديثها لـ”مراسلون” تعتقد المسلاتي أن وسائلها التعليمية ساعدت الطلاب وأدت لتحسين أدائهم بالفعل، وجعلتهم يتذكرون الدروس التي تعلموها، ويحفظون بعض القوانين حتى بعد مرور عدة سنوات.

ولأنها لاحظت أن حفظ جداول الضرب كان يمثل مشكلة لكثير من الطلاب وبهدف خلق بيئة تعليمية محفزة استغلت كذلك سلالم المدرسة في تعليق ملصقات عليها جداول الضرب، بطريقة تجعل الطلاب يتذكرونها بسبب رؤيتهم الدائمة لها.

وقد صنعت المسلاتي نسخة من وسائلها للمكفوفين أيضاً “فللجميع الحق في التعليم”، ولأن فاقدي البصر يعتمدون على اللمس في طريقة تلقيهم المعلومات، طوّرت المسلاتي المنقلة المدرسية العادية وزودتها بذراعي زاوية، وطبعت قياسات الزاوية بلغة “برايل” – حروف على هيئة نقاط خاصة بالمكفوفين – بمساعدة أحد تلاميذها الذي يعاني من فقدان البصر، ما يساعدهم في التعلم أسوة بغيرهم.

تشجيع ودعم

مبادرات المسلاتي وأفكارها المحفزة دفعت الكثير من زميلاتها في المدرسة لأن يتوجهن لذات الطريقة في التدريس، وإلى خلق أساليب تعليمية مرنة وممتعة، وهذا ما أكسب المسلاتي دعم وتشجيع مدير مدرستها بالإضافة للمفتشين التربويين المتعاقبين على زيارة حصصها وتقييم أدائها.

وفي عام 2013 تم ترشيحها لمسابقة أفضل معلم في ليبيا، وحصدت فيها الترتيب التاسع على مستوى البلاد من أصل 30 معلماً فازوا بالجائزة،هذا الفوز كان “حافزاً كبيراً لي وحملاً ثقيلاً في ذات الوقت”، فعندما انتشر الخبر في مدينتها تلقت زيارات من مسؤولين كبار في قطاع التعليم مثل رئيس قسم المناهج التعليمية ورئيس قسم الوسائل التعليمية بوزارة التعليم.

ولا تنكر المسلاتي انزعاجها من كثرة النصائح التي تقدم لها بالذهاب إلى هيئة أبحاث العلوم الطبيعية والتكنولوجيا في منطقة تاجوراء شرق طرابلس لتسجيل حقيبتها والحصول على براءة اختراع، وتقول بأن هدفها من الوسائل التعليمية التي صممتها في شكل حقيبة متنقلة هو تعميم الفائدة على الجميع لا تسجيلها كبراءة اختراع لضمان حقوقها.

تواصل اجتماعي

وفي سبيل نشر المعلومة وتعميم الفائدة أنشأت المعلمة صفحة على موقع فيسبوك أسمتها “خطوة إلى رياضيات ممتعة”، وبالفعل تمكنت من خلالها من التسويق لفكرتها حتى أنها استخدمت “في مدارس داخل مصراتة وخارجها” على حد قولها.

تملك نجاة المسلاتي اليوم أكثر من 30 وسيلة تعليمية مختلفة، صممتها بنفسها وشاركت بها في معرض للوسائل التعليمية أقيم بمدرستها، كما قدمت أكثر من 15 ورشة عمل في الرياضيات، وتحصلت على عدد كبير من شهادات التقدير والتميّز في صناعة وتصميم الوسائل التعليمية.

ما تأمله المسلاتي اليوم هو أن تصل أفكارها ووسائلها التعليمية إلى كافة المدن الليبية، وتطمح لزيارتها بنفسها لعرض معملها المتنقل، لعلها تساهم في رفع مستوى الأداء التعليمي لمادة الرياضيات والذي يراوح في مكانه منذ مدة طويلة دون أية إضافة تعود بالنتائج الإيجابية على مستوى التحصيل العلمي للطلبة.