بدأ التفكير في تحويل التعليم في ليبيا إلى التعليم الإلكتروني في عام 2007، حيث تم اختيار ست مدارس ليطبق فيها المشروع بشكل تجريبي، غير أن الفكرة توقفت عند هذا الحد، وفي عام 2009 قامت وزارة التعليم بالتعاقد مع شركة “ريفرذيب” الإيرلندية لكن المشروع لم يوقف ولم ينجز، وبقي على حاله حتى قيام ثورة 2011.

يرتكز مشروع التعليم الإلكتروني على تحويل المناهج المدرسية لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي إلى صيغة مصدرية يمكن التعديل فيها بسهولة بدل صيغ “بي دي اف” غير القابلة للتعديل، ومن ثم يتم ربطها إلكترونياً بأجهزة لوحية وسبورات ذكية بالمدارس، بشكل يسمح للطالب والمعلم وولي الأمر التعامل مع المنهج المدرسي الذي يشمل بالإضافة للدروس المكتوبة دروساً تفاعلية واختبارات، كما يستهدف ربط المدارس بمركز بيانات مع وزارة التعليم.

تجاوزات واسعة

تقرير ديوان المحاسبة للعام 2016 ذكر أن مشروع التعليم الإلكتروني منذ انطلاقه عام 2006 لم تكن له رؤية واضحة وكلف الخزانة العامة مبالغ كبيرة، وبسبب تداخل الاختصاصات فقد المشروع أهدافه، وسرد التقرير تفاصيل تجاوزات وصفها بـ”الواسعة” في العقد المبرم مع الشركة الإيرلندية المنفذة، وقد كلف المشروع الوزارة مبالغ وصلت بحسب التقرير لأكثر من 100 مليون دولار.

حسب التقرير أيضاً قامت الوزارة عام 2009 بالتعاقد مع شركة “ريفرذيب” الإيرلندية لتنفيذ المشروع في 4000 مدرسة بقيمة إجمالية 58 مليون و280 ألف دولار، وتم فتح اعتماد مستندي غير قابل للإلغاء للشركة بقيمة 41 مليون و110 ألف دولار، دون أن ينجز أي عمل على الأرض.

وكيل وزارة التعليم بحكومة الوفاق الوطني عادل جمعة صرح لـ”مراسلون” بأن بيانات ديوان المحاسبة لم تكن دقيقة، وأن ما تم صرفه حتى الآن من الـ 58 مليون القيمة الإجمالية للمشروع لم يتجاوز الـ 14 مليون، وقد نفذت حسب كلامه أعمال برمجية داخل ليبيا دون أن تكلف مبالغ إضافية، غير أنه يؤكد أن وزارته استلمت العمل بعد صرف المبلغ ولم تكن هناك أية نتائج ملموسة تبرر كيفية التصرف في تلك الأموال، رغم أن بعض أعماله نفذت بنسبة 15 – 20% حسب قوله.

استئناف وتوقف

وزارة التعليم بالحكومة المؤقتة الانتقالية استأنفت المشروع الليبي للتعليم الإلكتروني بعد أن أجرت تعديلاً على العقد الموقع أواخر العام 2013، غير أن حكومة الإنقاذ الوطني أوقفت المشروع بتعديلاته، “شبهات فساد، وعدم رضى عن الكيفية التي تم بها أوقفت المشروع، كما أن ديوان المحاسبة أوقفه إلى حين تقييمه بشكل منطقي” هكذا فسر جمعة توقف المشروع خلال كل الحكومات السابقة.

ولإعادة تفعيل المشروع اشترط ديوان المحاسبة في اجتماع جمعه بوزارة التعليم مايو الماضي، تقديم خطة واضحة للإنجاز من حيث الزمن والتاريخ والمدة، وبحسب وكيل الوزارة فهم بصدد وضع هذه الخطة، ويرى أن تحويل 239 كتاب مدرسي بمتوسط من 500- 600 صفحة بتكلفة تصل لـ 4 مليون دولار بالـ”مجهود كبير”.

تفاصيل الخطة

مدير إدارة المعلوماتية والتوثيق بوزارة التعليم يوسف بو ازويدة يعرض تفاصيل الخطة التي ستقدم لاستئناف المشروع، فبعد تحويل الكتب إلى مصدرية ومن ثم لكتب تفاعلية سيتم الشروع في توطين التقنية داخل ليبيا بتطبيقها في المؤسسات التعليمية وربطها بمركز بيانات وزارة التعليم عبر نظام الإدارة التعليمية الذي يربط الطالب والمعلم وولي الأمر، وكذلك يربط المدارس الذكية بهذا المركز.

ويتم تشغيل أجزاء المشروع لكل من الطالب والمعلم عن طريق السبورة الذكية والمعامل أو الأجهزة اللوحية، ويعزو بو ازويدة توقف المشروع المتكرر لعدم وجود اتصال حقيقي بين الشركة والوزارة في السابق، بالإضافة لـ”الغموض في بعض النقاط”، نافياً أن تكون البنية التحتية عائقاً لتنفيذه.

أما المناطق النائية التي لا تصلها أسلاك الفايبر فسيتم إيصال جهاز تخزن به بيانات المشروع ويمكن ربطه بشريحة الهواتف التي توفر إنترنت لتحديث هذه البيانات تلقائياً، ويؤكد مدير إدارة المعلوماتية أنه “بإمكان هذا الجهاز العمل في كل المناطق البعيدة والنائية”.

كما أن الامتحانات التي سيتضمنها برنامج التعليم الإلكتروني وضعت فقط ليدرس بها الطالب، ولا علاقة لها بالامتحانات التي يتم بواسطتها تقييم الطالب بشكل نهائي آخر السنة، وسيتم تطوير المناهج لتتحول إلى دروس تفاعلية مثل التجارب العلمية، كما سيتم إدخال مقاطع فيديو وتسجيلات صوتية.

ومن أبرز النتائج التي سيحققها المشروع بحسب وزارة التعليم بالإضافة إلى توفير وقت وجهد على الوزارة عند تعديل ووضع المناهج، استحداث تفاعلية بين الطالب والمعلم والمنهج الدراسي للتحول للطريقة الاستنتاجية بدل التلقين، بواسطة فيديو، أو فلاش توضيحي، أو مقاطع صوتية، وسيكون بإمكان الطالب بعد الانتهاء من الدرس إدخال أرقام، أو أن يقوم بالرسم، وأن يذاكر ويجري اختبارات لنفسه.

قفز للمراحل

علاء الدين المنصوري وهو مهتم وباحث وناشط في مجال استخدام التقنيات في التعليم يرى أن سبب تعثر مشروع التعليم الإلكتروني هو “الفقر في الخبرات البشرية ذات المؤهلات التربوية التقنية”، والذي أتاح بحسبه الفرصة لأصحاب التخصص الأكاديمي التطبيقي إلى تسلم مواقع قيادية، على الرغم من انعدام الخبرة الميدانية لديهم، مع التركيز على الجوانب الشكلية وأحياناً الدعائية.

ويربط الباحث نجاح التعليم الإلكتروني بتوفر بنية تحتية تكنولوجية، وسعة نطاق عالية، وخادم قوي وبرمجيات خاصة، وأبنية وإدارة، وخبراء يتحكمون بالنظام، وتدريب خاص للمستهدفين بالنظام، وتزويد الطالب والمعلم بشبكة مترابطة من الكمبيوترات أو الأجهزة الذكية، وتوفير الدعم التقني المتواصل، والتطوير المهني للمعلم بإكسابه مهارات التعليم الإلكتروني كجزء من معاييره المهنية، ليتمكن من تصميم خطط درس للتعلم الإلكتروني، وتنفيذ طرق تدريس مبتكرة.

ويشدد المنصوري على ضرورة صرف الجزء الأكبر من الاهتمام للمحتوى الرقمي الإلكتروني، وأن لا يلجأ المختصون إلى استخدام محتوى رقمي ضعيف، لا يساعد الطالب على التفكير أو الرغبة في مزيد من التعلم، وعدم الاعتماد على الترجمة الحرفية لكثير من المنتجات التعليمية المستوردة، الجيدة في مضمونها غير أنها لا تتواءم مع طبيعة النظام التعليمي القائم.

ويختم رأيه بأن الاهتمام بقضايا التعليم الإلكتروني “قفز للمراحل في الوقت الذي تعاني فيه المدرسة من قصور كبير في تهيئة البيئة التعليمية والأساسيات التربوية”.