دون إبداءٍ لأي أسباب، أصدر وزير التعليم بالحكومة المؤقتة د. عقوب عبد الله عقوب قراراً في نهاية أغسطس 2017 نصت مادته الأولى على “إيقاف تدريس مادة التربية الوطنية في مراحل التعليم الأساسي للعام الدراسي 2017 – 2018 فقط”، بينما نصت مادته الثانية على “تشكيل لجنة مختصة من الخبراء والمتخصصين، لإعادة النظر في مقررات المادة بما يحقق الأهداف الخاصة والعامة المرجوة من تدريسها”.

بعد ذلك قام وزير التعليم بحكومة الوفاق بإصدار قرار مماثل لقرار الحكومة المؤقتة حسب ما أكد لمراسلون د. الطاهر حبيب مدير مركز المناهج بوزارة التعليم بطرابلس، معللاً سبب الإيقاف بـ”اعتراض العديد من الخبراء على بعض المواضيع في هذه المناهج، فاتفقنا على تشكيل لجنة من الغرب والشرق والجنوب لإعادة النظر فيها والاتفاق عليها، والعام القادم تكون بداية جيدة”، ويضيف حبيب “لأول مرة نتفق مع الحكومة المؤقتة في توحيد مواعيد الدراسة والامتحانات وإيقاف مناهج التربية الوطنية”.

بالون اختبار

القرار أثار ردود فعل متباينة، فإحدى مؤلفي الكتاب د. أمال العبيدي تقول “القرار يعد كارثياً، خاصة وقد سبقه قرار في يناير 2017 اعتبرته بالون اختبار، يقضي بإيقاف تدريس بعض الدروس في مادة التربية الوطنية لمرحلة التعليم الأساسي، ووقتها لم يعترض أحد رغم أنها كانت موضوعاتٍ في غاية الأهمية”.

وتضيف العبيدى “كان إيقاف تدريس بعض موضوعات المادة، تمهيداً لإلغاء المادة التي من أهدافها تعليم أسس المواطنة وحقوق الإنسان، أتمنى على وزارة التعليم أن تحدد الأسباب الموضوعية لإلغاء المادة، وما هي أوجه الاعتراض على موضوعات تعمل على غرس قيم المواطنة، وتعزيز ثقافة الحوار ونبذ الخلاف وتحقيق آسس المصالحة الوطنية، وللأسف مثل هذه القرارات تلقى تشجيعاً من قبل الكثيرين”.

وتعلل د. أم العز الفارسي سبب تمادي وزارة التعليم في إيقاف تدريس هذه الموضوعات الهامة قائلة “لأننا لم نتكاتف يوما كمجتمع، بل نعمل كأفراد ومن يقع في براثن المتطرفين؛ والمتشددين سلطة أو ديناً، يشفع لنا قول (اللي ما يدير شيء ما ايجيه شيء – أي من لا يفعل شيئاً لا يطاله شيء وهو مبدأ لوم الضحية دائماً)، سيستمر التفرد بنا وتكفيرنا وتجريمنا وتحقيرنا وحججهم دوماً جاهزة ولا فرق بينهم”.

المنهج مثار الجدل

في أقل من شهرين، عكفت لجنة فنية مشكّلة من قبل وزارة التربيـة والتعليم في أول حكومة انتقالية بعد ثورة 17 فبراير، على إعداد كتاب تدريسي في مادة التربية الوطنية (ومادة الثقافة المدنية) بعد أن استشعر القائمون على وزارة التعليم الحاجة إلى بدائل لما كان يعرف بمواد “الوعي السياسي” و”الفكر الجماهيري” و”المجتمع الجماهيري” و”الثقافة الجماهيرية”، بتوجهاتها السياسية وأساليبها التلقينية التعبوية، والتي كانت عبارة عن أفكار القذافي الفلسفية منتقاة من كتابه الأخضر بفصوله الثلاثة ونظريته “العالمية الثالثة”.

وقد تضمن المنهج الذي تم وضعه عام 2012 دروساً تعرف الطلبة بالحقوق والحريات والمواطنة والتداول السلمي للسلطة وغيرها من الموضوعات التي كان من المحرم الحديث عنها في ظل النظام السابق.

حتى أن رئيس الحكومة الانتقالية د .عبد الرحيم الكيب رئيس أول حكومة شكلت بعد الثورة أشاد بإنجازات حكومته في إحدى المناسبات قائلاً “إن تنقيح المناهج الدراسية وتنقيتها من شوائب ثقافة النظام السابق وإلغاء المواد الدراسية التي تزرع الحقد والبغضاء واستبدالها بمواد جديدة منها مادة التربية الوطنية التي تنمي لدى أبنائنا الانتماء الوطني وترسم لهم السلوك الديمقراطي هو جزء مما حققته الحكومة من إنجازات ومشاريع منذ توليها مهامها في نوفمبر 2011”.

اعتراضات دينية

لكن هذا المنهج منذ صدوره لم يسلم من الانتقادات، فقد أصدرت دار الافتاء الليبية في أكتوبر 2012 بياناً تضمن ملاحظات للمفتي الشيخ الصادق الغرياني، تتعلق ببعض المناهج منها التربية الوطنية وكان الانتقاد حول فقرتين في المناهج تتحدثان عن حرية الأديان والديمقراطية، واقترح المفتي على وزارة التعليم “أن تحذف من الكتاب صفحتين فقط، الصفحة التي تتكلم عن الديمقراطية، والأخرى التي تتكلم عن حرية المعتقد والأديان، لأن حرية الأديان في نصوص القرآن والسنة مقصود بها غير المسلمين” حسب البيان.

واعترض الغرياني على عدم وجود بسم الله الرحمن الرحيم، ولا الحمد الله تعالى ولا الثناء عليه في بداية الكتاب، وأنه “لا جدوى من التربية الوطنية أو الثقافة المدنية المقررة بالمدارس، إن لم تكن نصوصها في الوقت الذي تبعث الطالب على حب الانتماء إلى وطنه، تبعثه أيضاً إلى الاعتزاز بانتمائه إلى الإسلام وتحببه إليه، فلا ينبغي أن يفاجأ الطالب بأية معلومة تقدم إليه تتعارض مع مبادئ دينه”.

وحتى عندما سيطر تنظيم داعش على مدينتي درنة وسرت عام 2015، وبدأ في تطبيق سياساته المتطرفة في المدينتين مثل فصل الذكور عن الإناث في المدارس والجامعات، قام التنظيم أيضاً بإلغاء العديد من المواد التي تدرس في كليات القانون والآداب كما قام بإلغاء مناهج التربية الوطنية من المدارس.

قرار دون أسباب

اللجنة المشرفة على إعداد المناهج أكدت في مرات عديدة أنه لم تكن هناك أية اعتبارات سياسية أو أيديولوجيـة طلـب مـن المستكتبين أخذها في الحسبان، باستثناء الحرص على تجنب تبني أية آراء خلافية من شأنها أن تثير حساسيات جهوية أو قبلية أو عرقية أو دينية.

د. نجيب الحصادي أحد أعضاء اللجنة التي أشرفت على تأليف المناهج يقول “كان أجدر أن يكون قرار الإيقاف مسبّبَاً، حتى نعرف موضع اعتراضات الوزارة، وكان الأجدر أيضاً الالتقاء قبل صدوره ببعض أعضاء اللجنة حتى تعطى فرصة الرد عليها، فلعل الأحكام موضع الاعتراض متضمنة في الإعلان الدستوري، الذي يحكم أداء مجلس النواب، والذي يفترض أن الحكومة المؤقتة، بوزارة تعليمها، تعمل تحت لوائه”.

ليلى الرجيبي أستاذة مادة التربية الوطنية بالمدرسة المركزية الإعدادية بنات بمدينة الزاوية تقول “إيقاف المناهج تعتبر خطوة في الاتجاه غير الصحيح كان الأجدر تعديلها مع استمرار تدريسها، وتدريب المعلمين على تدريسها وطريقة التعامل معها”، وتضيف “أنا أدرس المادة بشكل غير تقليدي، فقد حولت الدروس لورش عمل، بدأ تلاميذي يتعلمون معنى ثقافة الحوار، ومن كان يكره علم الاستقلال أصبح يحبه، حببتهم فيه بصورة مختلفة ودون عنف، تلاميذي أصبحوا يعرفون معنى كلمة حقوق ومواطنة”.

مناهج شقاق

أما وزير التعليم في الحكومة المؤقتة فيقول إن قرار وزارته كان بسبب أن تلك المناهج “خلقت شقاقاً بين الليبيين”، فاوقف تدريس المادة “حتى تتحد البلاد وتتضح الرؤية ويوضع منهج وطني شامل لليبيين يجمعهم ولا يفرقهم ولا يفضل مكوناً ليبياً على آخر أو بقعة على أخرى”، ويضيف “أنا ضد مفهوم أن يتم تعليم الوطنية في مناهج، وهذه ثقافة في الماضي تعود عليها الناس وما زالوا يعملون بها، لكن الوطنية ممارسة يحصل عليها الطالب في مراحل التعليم المختلفة وفي الإعلام والبيت والشارع، فيتعلم احترام وتقدير الشخصيات التاريخية الليبية بمختلف توجهاتها ويكتسب هذه الوطنية طيلة حياته بالممارسة وهذه وجهة نظر شخصية”.

ويرد د. الحصادي “لا أدري أي شقاق يتحدث عنه الوزير، خصوصاً وأن مضامين المادة لم تناقش بشكل واضح في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولا أدري أي مكون ليبي فضله المنهج الدراسي على أي مكون ليبي آخر، من يطلع على الأهداف المتوخاة من تدريسها يدرك تماماً أن المناهج التدريسية أحد أركان التنشئة السياسية، لأنها هذه التنشئة تطبق فيها استناداً على مضامين علمية وأساليب بعينها في التدريس، ثم إنه من غير المناسب اختزال التربية الوطنية في احترام الشخصيات الوطنية”.

تحفظات ضد المدنية

ويضيف د. الحصادي “إعداد مادة في التربية الوطنية مهمة عسيرة ابتداءً، بحكم الطابع القيمي، ومن ثم الخلافي، الذي يسم مواضيعها. ولهذا كان من المتوقع أن تشمل مقررات المادة أحكاماً أثارت حفيظة البعض، ولعل قرار الإيقاف قد جاء استجابة لها. لا أتحدث عن جهة بعينها ربما أثيرت حفيظتها، فهناك ثقافة مجتمعية تتخذ مواقف ليست محابية تماماً للتوجهات المدنية، ولعلها وجدت في بعض المفاهيم والحقوق والمبادئ ما يتعارض مع خصوصيات ثقافية، وهذا متوقع، لكن الشيء الغائب في المسألة هو الإعلان عن هذه التحفظات، فلعل هناك ردوداً مقنعة عليها”.

ويختتم الحصادي كلامه بأنه سيكتفي بسرد أهداف المادة، وعناوين دروسها، فلعله يكفي لتبيان أسلوبها في تحقيق تلك الغايات، ويكشف عن الحاجة إلى عدول الوزارة عن قرارها.