يمسك قصي وشقيقته ثريا بيدي والدهما المولدي وهم يقطعون جميعا المسالك الوعرة عبر سفح الجبل بريف القيروان باتجاه المدرسة البعيدة، فيدفعانه بحماسة ليشهدا مبكرا أجواء العودة المدرسية التي استعدا لها بقلوب مفعمة بالأمنيات وأعين متشوقة.

سيدرس قصي بالسنة الثانية ابتدائي بينما ستدرس ثريا بالسنة الرابعة ابتدائي بمدرسة رأس العيثة بريف الوسلاتية بمحافظة القيروان.

استعدا الطفلان جيدا مثل أي طفل متشوق ليوم العودة المدرسية، الذي يعد في تونس يوما مشهودا مثل أيام الأعياد تستعد له حوالي مليون عائلة. لكن فرحتهما بهذا اليوم لم تدم أكثر من مسافة الطريق المليئة بالحصاة.

فبمجرد وصولهما أمام المدرسة انقلب مشهد فرح التلميذين بالعودة المدرسية إلى مشهد حزين غيّر ملامح وجهيهما البريئين وهما يستمعان إلى خبر تعطل الدروس بالمدرسة بسبب عدم اتمام أشغال صيانة قاعات التدريس وغياب المعلمين.

خيبة أمل

تلاشت البسمة من وجهي الصغيرين وهما يجران ذيول الخيبة في طريق عودتهما إلى المنزل بعد أن “أطردتهما” المدرسة رفقة حوالي 180 تلميذا من أبناء تلك المنطقة النائية.

ومعاناة هذين التلميذين عاشها عدد كبير من التلاميذ. فالآلاف تعثرت أحلامهم بالعودة المدرسية لاسيما بالمدارس الريفية النائية بعد انقضاء أكثر من ثلاثة أشهر على العطلة.

مدرسة رأس العيثة بريف القيروان، هي واحدة من عشرات المدارس التي شهدت عودة مدرسية متعثرة بسبب تدهور بنتيها التحتية جراء انهيار أسقف قاعات التدريس بفعل الرطوبة والتشقق.

وككل سنة دراسية جديدة تواجه وزارة التربية تحديات عديدة لتأمين عودة نحو مليوني تلميذ وتهيئة المدارس لكن ضعف إمكاناتها نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تنخر البلاد، تجعلها عاجزة على فعل الكثير.

وتعبر الأرقام الصادرة عن وزارة التربية بشأن عدد التلاميذ والمؤسسات والموارد البشرية عن أزمة حقيقية تتهدد قطاع التعليم جراء ضعف البنية التحتية مقابل ارتفاع عدد التلاميذ بنحو 41 ألف تلميذ إضافي هذا العام. وبلغ إجمال عدد التلاميذ هذا العام أكثر من مليوني تلميذ.

ولا يستثني اهتراء البنية التحتية للمدارس أي محافظة من المحافظات التونسية، سواء في تونس العاصمة أو في أقصى مدارس المدن الداخلية. وهذا الوضع جاء نتيجة تراكمات لعقود.

وسبق لنقابة التعليم الثانوي أن حذرت من خطورة تعطل الدروس بعديد المؤسسات التربوية نتيجة تواصل الأشغال أو تعطلها في بعض الحالات.

ويؤكد المولدي والد قصي وثريا لمراسلون إن أشغال صيانة مدرسة العيثة بالقرية التي يقطنون بها “لم تنطلق خلال العطلة المدرسية كما كان متوقعا”.

مستقبل صعب

ويقول “تعطل الأشغال تسبب في تعطيل العودة المدرسية رغم مرور نحو أسبوعين”، متحدثا عن مشاعر الانكسار والإحباط التي شعر بها أبناء القرية.

ويضيف “هذا التعطيل يمس من سمعة التعليم ويضر بمستقبل أولادنا خاصة في الريف الذي نشعر وكأنه معزول”.

شعور هذا الرجل يتقاسمه معه متفقد المدارس الابتدائية بالقيروان عبد الرزاق السقني، فقد لاحظ في دراسة أنجزها وجود تدني في نتائج التلاميذ خلال السداسي الأول من السنة الدراسية لاسيما بالمناطق الداخلية.

وقد تبين له بأن تلك النتائج تأخذ تدريجيا في التحسن خلال السداسي الثاني من السنة الدراسية بعد استقرار التلاميذ. ويقول “تدهور النتائج مطلع كل سنة دراسية يعود إلى عدم الاستقرار وليس إلى نقص في الذكاء”.

ومع ذلك يؤكد بأن تدهور البنية التحتية وضعف التجهيزات وقلة المعلمين يتسبب في ارتفاع نسبة الانقطاع عن التعليم في صفوف تلاميذ المناطق الداخلية ولاسيما محافظة القيروان التي تحتل المرتبة الأولى بنحو 10 آلاف انقطاع مبكر سنويا.

وأطلقت وزارة التربية ونقابات التعليم وبعض المنظمات الناشطة في الحقل التربوي سنة 2015 حوارا وطنيا لتشخيص مشاكل التعليم وإيجاد حلول توافقية لإصلاح المنظومة التعليمية وإيجاد الحلول اللازمة لمشكلة الانقطاع عن التعليم وغيرها.

لكن الحوار تعطل بسبب تباين وجهات النظر بين وزارة التربية ونقابات التعليم التي شنت الكثير من الإضرابات خلال السنوات الدراسية الماضية وهو ما أثر بشكل سلبي على سير الدروس.

وفي مارس/آذار الماضي تمت إقالة وزير التربية ناجي جلول الذي دخل في معركة كسر عظام مع نقابات التعليم. ومنذ ذلك الحين بقيت وزارة التربية دون وزير إلى حدود التحوير الوزاري الأخير الذي تم منذ أسابيع.

وقد أكد الوزير الجديد حاتم بن سالم على شروعه في إنجاز خطة للنهوض بالمدارس والتعليم. لكن يبدو أن ضعف موارد الدولة وتنامي عجز الموازنة سيحول دون فعل الكثير لاسيما على مستوى البنية التحتية.

في الأثناء شارك قصي وشقيقته ثريا والدهما وأولياء تلاميذ آخرين في احتجاجات أمام مدرسة رأس العيثة بمحافظة القيروان للمطالبة بحقهما في الدراسة، آملين في ألا يطول انتظارهما وأن يعودا إلى مقاعد الدراسة قريبا.