تشعر المواطنة التونسية زمردة المنصوري بخوف شديد على لقمة عيشها بسبب الزيادات المرتقبة في الأسعار والتي ستقفز بطريقة جنونية بحسب خبراء اقتصاد ما إن يتم تفعل قانون المالية لسنة 2018.

تعمل هذه المواطنة كعاملة تنظيف بإحدى المؤسسات الحكومية وبحكم اقترابها من الموظفين أصبحت تعلم بأن هناك أمورا كثيرة ستتغير نحو الأسوأ في علاقة بلقمة عيش الأجراء والمواطنين البسطاء.

تستمتع هذه المرأة بكثير من الانتباه إلى ما يدور في أروقة المؤسسة التي تشتغل بها، فأغلب النقاشات بين الموظفين تدور هذه الأيام حول الترفيع في الضرائب والأداءات في كل شيء تقريبا.

وبسبب تدني مستواها التعليمي تحاول زمرة كل مرة استفسار بعض الموظفين عن علاقة الإجراءات الحكومية الجديدة في قانون المالية بمقدرتها الشرائية وفي كل مرة تتحصل على نفس الإجابة: “سيزداد الوضع سواء”.

بنبرة يطغى عليها الشعور بالحيرة تقول زمردة لمراسلون “إذا تم تمرير هذه الإجراءات سيزداد وضعي سوءا فراتبي لا يتجاوز 550 دينار (230 دولارا) ولن يكفيني لأسبوعين”.

وهذه المرأة الكادحة والمنهكة باستيقاظها منذ الفجر لتنظف مكاتب المؤسسة الحكومية التي تشتغل بها، اقتنعت بأن وضعها المادي سيزداد تدهورا مع توجه الحكومة للترفيع في الضرائب والاسعار وخفض الدعم الحكومي على عديد السلع.

الحكومة تطارد الأجراء

وتستعد الحكومة التونسية لفرض ضرائب جديدة على المواطنين والمؤسسات الاقتصادية لتعبئة الموارد المالية الضرورية ضمن مشروع الموازنة الجديدة لعام 2018 وذلك في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة تعصف بالبلاد بسبب تنامي عجز الموازنة.

وستمس الضرائب والاداءات المقترحة تقريبا كل الشرائح من دون استثناء ما سيؤثر حتما على القدرة الشرائية للمواطنين وازدياد غلاء الأسعار.

ووفق ما اطلع عليه “مراسلون” من معطيات رسمية وموثقة ضمن مشروع الموازنة الجديدة فإنه سيقع العام المقبل الترفيع في جل نسب الأداء على القيمة المضافة.

وما أن ظهرت أولى ملامح مشروع الموازنة الجديدة وما تضمنته من إجراءات حتى بدأ الشارع التونسي يتفاعل معها باتجاه الرفض القطعي ومعارضته للإجراءات التي اعتبرها التونسي مؤلمة وموجعة.

وسيتم الترفيع في الأداء على القيمة المضافة من 12 إلى 13 بالمائة. وتهم هذه النسبة العمليات والخدمات المسداة من قبل أصحاب المهن الحرة والسيارات السياحية الشعبية وبعض المنتوجات البترولية.

واستنادا إلى ذات الوثيقة ينتظر تسجيل زيادة في الأداء على القيمة المضافة بنقطة من 6 إلى 7 بالمائة (تهم الخدمات الصحية والنقل والخدمات السياحية والمقاهي وصالونات الشاي والمطاعم…) مع تسجيل أيضا زيادة في الأداء على القيمة المضافة من 18 إلى 19 بالمائة.

كما ينتظر أيضا للعام الثاني على التوالي الترفيع نسبة المعلوم على الاستهلاك الموظف على بعض المنتجات التي ستشمل المشروبات الكحولية والتبغ والسيارات السياحية وبعض المنتوجات الأخرى.

ومن ضمن الإجراءات الأخرى المقترحة الترفيع في معاليم جولان السيارات الخاصة بنسبة 25 بالمائة إلى جانب توظيف أتاوة على الليالي المقضاة في الوحدات السياحية بقيمة 3 دنانير (حوالي 1.3 دولار).

ومن ضمن الإجراءات التي تتشبث بها الحكومة التونسية، إحداث مساهمة اجتماعية عامة بنسبة 1 بالمائة على الدخل الخاضع للضريبة، سيقع توظيفها على أساس سد العجز في الصناديق الاجتماعية التي تشكو عجزا ماليا هاما فاق 1900 مليون دينار (791 مليون دولار).

ومن جانب ثان سيقع اقتراح اجراء آخر العام المقبل تضمنه البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لحكومة الوحدة الوطنية (2017/2020) ولن يقع تضمينه في مشروع الموازنة وهو الترفيع في نسب المساهمات الاجتماعية بنسبة 2 بالمائة للمؤجر لتمر من 16.5 الى 18.5 بالمائة واعتماد نسبة 1 بالمائة للأجير لتمر من 9.38 الى 10.38 بالمائة.

بوادر انفجار اجتماعي

ويحذر الخبير الاقتصادي والمختص في الجباية وليد بن صالح من العواقب الوخيمة لمثل هذه الإجراءات المقترحة التي قد تولد وفق رأيه “انفجارا اجتماعيا”.

ويرى في تحليله لمجمل الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها أنها ستقلص في دخل المواطنين مقابل الترفيع في الاداءات والضرائب تقريبا في كل الخدمات والمنتوجات.

ونبه إلى أن الترفيع في جل نسب الأداء على القيمة المضافة “سيضرب أحد أهم محركات النمو وهو الاستهلاك في ظل تعطل محركي الاستثمار والتصدير”.

وبحسب المعهد الوطني للإحصاء فإن نسبة التضخم بلغت إلى نهاية اب/أغسطس الماضي 5.7 بالمائة مقابل هدف رسمته الحكومة ب 3.7 بالمائة لكامل عام 2017.

ولم يستبعد وليد بن صالح أن يهرب المواطنون لشراء المنتجات من السوق الموازية بخسة الثمن في ظل الزيادات المتوقعة وتوجه الحكومة لتقليص الدعم على السلع الحكومية. وتبرر الحكومة هذا التوجه من منطلق أن صندوق التعويض يشكّل عبأ كبيرا على المالية العمومية.

يشار إلى أنه تم منذ 2016 الشروع في رفع الدعم عن الكهرباء في تونس واعتماد التعريفة الحقيقة.