في مدينة غريان (80 كلم جنوب طرابلس)، اعتاد ستة عشر مهندساً يعملون بمحطة التحكم بالقمر الصناعي “راسكوم ق1” الالتحاق بعملهم، ليتناوبو على متابعة سير القمر بواقع 24 ساعة يومياً 7 أيام في الأسبوع.

والمحطة الأرضية التي يعملون بها تشمل المبنى وساحته الخارجية، بالإضافة للأجهزة الالكترونية وطبقي استقبال إشارة قمر صناعي واحد رئيسي يبلغ قطره 11 متراً للتحكم بالقمر وآخر بنفس القطر مخصص لتقديم الخدمات.

من غريان إلى إيطاليا

إلا أن عمل هؤلاء المهندسين في المحطة لن يعود أساسياً بسبب قيام شركة راسكوم ستار التي تنفذ المشروع بنقل محطة التحكم الرئيسية إلى شركة تليسبازيوا الإيطالية في مارس 2016.

ويقع المقر الرئيسي لشركة راسكوم ستار بالإمارات المتحدة بدبي، وقد سُجلت الشركة عام 2002، بحسب قوانين موريشيوس وأصبحت عام 2007 مشروعاً مشتركاً بين المنظمة الإقليمية الأفريقية للاتصالات (راسكوم) التي تمثل شركة إقليمية من 45 بلداً من بلدان أفريقيا وباقي الشركاء، وتمتلك ليبيا حصة الأغلبية من شركة راسكوم ستار عبر محفظة ليبيا أفريقيا للاستثماربنسبة 63٪، بينما تمتلك المنظمة الأفريقية لاتصالات الأقمار الصناعية (راسكوم) 25٪، في حين تحتفظ شركة تاليس إيلينا المصنعة للقمر بحصة 12٪ فقط من الشركة.

يؤكد علي الفرجاني المدير التجاري لشركة راسكوم ستار لـ”مراسلون” أن قرار نقل التحكم خارج ليبيا لا يتعلق مطلقاً بكفاءة المهندسين بالمحطة الليبية، كما أن الشركة الإيطالية التي تتحكم بالقمر جزء منها استثمار خارجي ليبي، مشيداً بالدور الذي لعبه مهندسو محطة غريان بالقول “لقد قام مهندسونا بالتحكم بالقمر طيلة سنوات دون أي خطأ وبجدارة، لكن وبسبب الأوضاع الأمنية فرضت علينا شركة التأمين نقل التحكم خارج ليبيا”.

أُطلق القمر الإفريقي “ق1ب” بتاريخ 8 أبريل 2010، وهو الذي تم تصنيعه من قبل الشركة الفرنسية الإيطالية تاليس ألينيا سباس، ليأخذ مكانه في المدار شرق خط غرينيتش عند الدرجة 2.93 وعلى بُعد 37 ألف كيلو متر من خط الاستواء، ويعتبر القمر راسكوم ق1ب بديلاً لأول قمر صناعي للشركة راسكوم ق1، الذي أصابه فشل في الدفع بسبب تسرب غاز الهيليوم بعد فترة وجيزة من إطلاقه عام 2007، وفي عام 2010 تلقت راسكوم ستار تسوية قدرها 230 مليون دولار مقابل استبدال القمر الفاشل بقمر جديد، يتم تتبعه بمحطة أرضية رئيسية بإيطاليا، وأخرى احتياطية بغريان.

مشروع سياسي

وبحسب دراسة منشورة عام 2012  بمجلةThe Handbook of Global Media Research، فإن معمر القذافي في عام 2006 قدم 300 مليون دولار للمساعدة في تمويل القمر، فيما خصص بنك التنمية الإفريقي 50 مليون دولار، وساهم بنك التنمية لغرب أفريقيا بمبلغ 27 مليون دولار، واعتبرت نيجيريا الغنية بالنفط عضواً في شركة راسكوم بمساهمتها بمبلغ 100 مليون دولار، لكنها قررت مواجهة المشروع منذ أن قامت بلادها بتطوير قمرها الخاص “نيجوكوم سات -1” والذي فشل بعد إطلاقه في عام 2008.

كما ذكرت الدراسة أن القذافي أصبح بطلاً أفريقياً بعد تقديمه معظم رأس المال اللازم لإطلاق القمر، وعلى غرار تشافيز في أمريكا اللاتينية، استخدم القذافي موارد دولته للمساعدة في تحقيق تطلعات قمر إقليمي مثَّل مشروعه ضد إمبريالية الغرب، لكن افتقار أفريقيا إلى بنية تحتية أرضية لدعم الاتصالات عبر الأقمار دفع شركة راسكوم ستار في عام 2009 لتوقيع عقد بقيمة 53 مليون دولار لتوفير محطات أرضية ومحطات أولية من أصل 15000 محطة يحتاجها المشروع، وقد ناورت شركة راسكوم ستار ق1 لتصبح لاعباً رئيسياً في سوق الأقمار الصناعية الأفريقية، إلا أن القمر لم يتم تشغيله بكامل طاقته الاستيعابية.

الكاتب النيكاراغوي توتيلا كونسال في مقال منشور عام 2015 ذكر أن الدول الأفريقية تدفع 500 مليون دولار سنوياً لكل من الولايات المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وأوروبا والولايات المتحدة مقابل اشتراكات الأقمار الصناعية، معتبراً ذلك السبب الذي دفع راسكوم لتحمل نفقة 400 مليون دولار “تكلفة مرة واحدة” لشراء قمر صناعي لعموم أفريقيا، وهو يرى أن مثل هذه المشروع مهم للتخلص من هيمنة أمريكا ودول أوربا على الدول النامية.

وقد دعا جونز كيليمب، المدير التنفيذي لراسكوم في عام 2009 جميع الدول الأعضاء في راسكوم، والاتحاد الأفريقي، والموقعون، والسلطات السياسية والتنظيمية في أفريقيا لمواصلة توفير ما يلزم لدعم القمر لعدم وجود مشتركين عليه، وبحلول أواخر 2011، تم نقل ثمان قنوات تلفزيونية أفريقية غير عربية، وقناة الوطن والقنوات الفضائية الليبية، بالإضافة إلى أكثر من اثنتي عشرة قناة راديو، والراديو الليبي وراديو شباب إف إم.

تحدي المنافسين

“يبدو أن القمر ق1 يعمل بصورة جيدة، إلا أنه لا يتم تشغيله بكامل طاقته الاستيعابية، كما أن مستقبل شركة راسكوم غير واضح ولا مؤكد”، بهذا التعليق انتقلت الدراسة لوصف أسطول الأقمار لشركة أنتلسات المنافس القوي في السوق الأفريقي الناشئ، وهو مشروع تأسس بشراكة كيانات من جنوب القارة استثمرت حوالي 250 مليون دولار، وفي عام 2011 قامت الشركة بتثبيت قمر جديد ليصبح أسطولها الأفريقي 22 قمراً وهو جزء من استراتيجية انتلسات التوسعية، كما كانت الشركة تخطط لإطلاق قمرين آخرين في العام 2012 ما يجعلها من أكبر المشغلين في المنطقة، وتملك قاعدة عملاء قوية، وبنية تحتية أرضية جيدة تجعل من الصعب منافستها.

الفرجاني يؤكد ماجاءت به الدراسة بقوله “تعد شركتا أنتلسات وأرابسات أكبر المنافسين  لنا”، موضحاً أن الأمر لا يتعلق فقط بالأسعار باعتبار أسعارهم أقل، بل لامتلاك هذه الشركات سلسلة أقمار، الأمر الذي يعطي فرصة للمشتركين للحصول على تردد بديل فوري في حال حدوث أي خلل.

“نجاح القمر أو فشله بيد ليبيا” بهذه الجملة لخص الفرجاني الاجتماع الذي جمعه في 26 سبتمبر الجاري مع هيئة تشجيع الاستثمار والشركة الليبية القابضة للاتصالات، وطالب بضرورة أن تستفيد هذه الشركات من القمر باعتباره استثماراً ليبياً، وأن هذا التعاون لا شك سيكون لفائدة الطرفين.

مشاريع قيد الدراسة

وقد قدمت راسكوم ستار دراسة مشروع مع كل من شركتي ليبيانا وليبيا للاتصالات والتقنية لتوفير حل بديل عند انقطاع كيبل الفايبر ليتم الربط مباشرة بواسطة القمر الصناعي، ومشروع آخر لايصال التغطية للمناطق النائية تم إنجاز جزء منه، كما سبق لراسكوم أن جهزت عرضاً أكثر من مرة للجهات الأمنية لمراقبة الحدود بواسطة القمر، غير أنهم لم يجدوا جسماً عسكرياً أو أمنياً محدداً يمثل الدولة لتنفيذ المشروع.

وعن عدم اشتراك القنوات الليبية التلفزيونية على القمر أوضح الفرجاني عدم وجود حافز لدى القنوات كون القمر توجد على تردده قنوات أفريقية، وقد لا يرغب المشاهد في تغيير اتجاه صحنه لمشاهدة القنوات الليبية في حين أن بقية القنوات التي يتابعها مثلاً على العربسات أو النايل سات.

وأوضح المدير التجاري أن المشروع من المستحيل أن يسترد تكلفته، حيث أطلق في 2010 وبدأ التسويق له عام 2013 وينتهي عمره الافتراضي في 2029، بالإضافة لانخفاض أسعار خدمات الأقمار، كما أن القمر موجه خصيصاً لأفريقيا، والدول الأفريقية الغنية اتجهت لسياسة أن تكون لها أقمارها الخاصة، أما باقي الدول الفقيرة فتعاني أغلبها من أزمات ومشاكل اقتصادية.

يرى الفرجاني أن الحل يأتي بدعم القمر مباشرة من قطاع الاتصالات، ومن الحكومة بتوجيه كامل القطاع الخدمي من مصارف وجوازات وباقي مؤسسات الدولة التي تحتاج لخدمة القمر ولربط المنظومات،  “الحصول على موافقات لإطلاق قمر صناعي ليس أمراً هينا، ويجب أن نستغل سعة القمر بالكامل قبل آن يخرج من الخدمة عام 2029، وعلى الدولة أن تفرض هذا على القطاعات بتشريعات وقوانين واضحة”.

صراع الأقمار

تعد المساحات التي يمكن للأقمار الصناعية تغطيتها مناطق للنزاع والصراع والمنافسة، وهي مناطق علاقات تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية معقدة، وقد واجهت مناطق تغطية قمر راسكوم ق1 تحدي هيمنة مشغلي الأقمار الصناعية التجارية، وكانت أقل من أن تنجح.

وقد ختمت دراسة انجريد فولكمر أسباب فشل مشروع قمر راسكوم ق1 بعدة تفسيرات أولها أن تشغيل الأقمار الصناعية يتطلب بنىً تحتية أرضية، ومتخصصون تقنيون ذوو خبرة، كما أن ارتباط العملاء المرتقبين في المنطقة بعقود طويلة الأجل يتطلب الانتظار لحين انتهاء هذا الارتباط، وأن خصخصة قطاع الاتصالات سمح للشركات الأجنبية بالدخول للسوق والمنافسة.

كما خلصت إلى أن هذه المشاريع السياسية لا تقتصر فقط على الأيديولوجيات والشخصيات المثيرة للجدل كالقذافي، إذ من شأنها إن تمت دراستها بشكل جيد أن تحد من هيمنة مشغلي الأقمار الصناعية التجارية في أفريقيا، بالاضافة لدورها فيما يتعلق بالرعاية الاجتماعية والتعليم ودعم السكان الأصليين والمجتمعات المحلية، والاكتفاء الذاتي الإقليمي، وإحياء جنوب العالم النامي.