جميع الاستثمارات الليبية في الداخل والخارج تدار بواسطة المؤسـسة الليـــــبية للاســــــــتثمار “Libyan Investment Authority -LIA”، وتقدر قيمة أصولها من خلال التقديرات التي قامت بإجرائها شركة “ديلويت” البريطانية مطلع عام 2013 بنحو 68 مليار دولار، جزء منها “استثمارات سائلة” كأسهم في الأسواق الدولية بين عقارات وسندات حكومية في أوروبا وأمريكا، معرضة لتذبذب أسعار الأسهم والسندات صعوداً أو هبوطاً بطبيعة أحوال السوق المالي.

والجزء الآخر من الاستثمارات الليبية يتمثل في 550 شركة بين زراعية وسياحية وعقارية تنتشر في أفريقيا والعالم العربي. وبالإجمال تُستثمر الأموال السيادية الليبية في النفط بمصافيه ومشتقاته ومحطات توزيع البزين والديزل في أنحاء أوروبا (شركة تام أويل) وفي سوق الأسهم (المصرف العربي الليبي الخارجي) والعقارات والفنادق والمنشآت الصناعية والمشاريع الزراعية ومناجم الذهب والألماس (الشركة الأفريقية للاستثمارات)..

بعد سقوط نظام القذافي عند “إعلان التحرير” في 23 أكتوبر 2011 ورث النظام الجديد من ضمن ما ورث من تركات النظام القديم تركة المؤسسة الليبية للاستثمار. تركة أموال مجمدة لأسهم بمليارات الدولارات في الأسواق المالية، وإليها أصول لمئات الشركات الاستثمارية حيث 60 في المائة منها لا ربح يرجى منها ولا جدوى من تغطية خسائرها، ومع ذلك بقيت مستمرة في استنزاف الأموال المعدومة نزولاً عند رغبة القذافي (القائد المفكِّر الموجِّه) لأسباب سياسية على حساب مبدأ “الجدوى الاقتصادية” الربحية.

على هذه الحال وقعت تركة الاستثمارات الخارجية بأموالها المجمَّدة وأصولها الثابتة عرضة لأطماع الطماعين الجدد من أمراء الحرب بمعية حلفائهم من السياسيين المتنفذين في مؤسسات بقايا دولة الحاكم المطلق القتيل. كما أوردت تقارير إعلامية عربية وعالمية موثوقة (ابحث في غوغل) أن دولاً ومؤسساتٍ ماليةً ومصارف غربية استغلت الوضع الليبي الفوضوي فحاولت وضع اليد السالبة على مشاريع وأصول سواء منها الثابتة أو المنقولة لا سيما في أفريقيا.

منطقياً كان يمكن أن تحقق الاستثمارات الليبية الخارجية أرباحاً بمئات المليارات من الدولارات لو أنها نهجت منهج الجدوى الاقتصادية الربحية التراكمية. إلا أن أموال البترودولار الليبية لم تكن صندوقاً سيادياً مستقلاً لصالح البلاد يديره خبراء، وإنما أرصدة تابعة لمشيئة نظام ديكتاتوري فردي يجمع بين الاستبداد والفساد.

لذا نجد أن المؤسسة الليبية للاستثمار التي تأسست عام 2006 لم تخضع (حسب تصريح صحفي للسيد عبد المجيد بريش الرئيس المستقيل للمؤسسة الليبية للاستثمار بطرابلس/ بوابة الوسط 7 أغسطس 2016): لأية عملية تقييم “منذ إنشائها وحتى نهاية 2011 ما تسبب في وقوع كثير من الكوارث، الكوارث حصلت في الفترة الممتدة من 2007 إلى 2011 حيث لم تُقيَّم المؤسسة ولا استثماراتها ولم تكن هناك ميزانيات وكانت على كثير من الاستثمارات الجديدة علامات استفهام ونحن اليوم نعاني منها والعديد منها لا يزال في القضاء”.

ومن الاستثمارات التي تحل النزاعات حولها قضائياً على سبيل المثال دعاوى رفعتها المؤسسة ضد مصرف “غولدمان ساكس” ومصرف “سوسيتيه جنرال” بتهمة التلاعب بأموال الاستثمارات الليبية، علاوة على تأميم شركات ليبية استثمارية من طرف دول أفريقية.

ومن أشهر قضايا الاستثمار السياسي في الاستثمارات الاقتصادية توجيه القذافي بشراء أسهم بقيمة 15 في المائة من شركة “فيات” الإيطالية العملاقة عام 1977، وكانت صفقة رابحة أدارها خبراء ليبيين كفؤين. لكن بعد قرابة 15 عاماً دخلت شركة “فيات” في شراكة مع شركات أمريكية عملاقة في مجال صناعة أسلحة الفضاء، ضمن مشروع “حرب النجوم” الذي أطلقه الرئيس الأميركي رونالد ريغان فاشترطت الولايات المتحدة على شركة “فيات” التخلص من الأسهم الليبية إذا أرادت أن تدخل إلى السوق الأميركية.

وقد تمكن الخبراء الليبيون بعد مفاوضات صعبة من بيع الأسهم الليبية محققين أرباحاً فاقت الثلاثة مليارات دولار في حينها، واعتبرها إعلام النظام صفقة تاريخية لا مثيل لها بفضل “عبقرية القائد” الاقتصادية. مع أنها تعتبر خسارة من منظور الجدوى الاقتصادية الربحية المستقبلية التراكمية في أحد أهم قلاع الصناعة الإيطالية.

في ذات الوقت جنت دولة النرويج من توظيف دخلها النفطي في صندوقها الاقتصادي السيادي المستقل تماماً خلال العقدين الماضيين أرباحا تُقدر بـ 395 مليار دولار، برأسمال أقل بكثير جداً مما استثمرته ليبيا القذافي، الذي بدد مئات المليارات جرياً وراء أمجاد سياسية تغذي شعوره بالعظمة.

وآخرها مشروعه لقيادة أفريقيا من خلال ابتكاره لما سماه بالاتحاد الأفريقي، الذي خصص له مؤسسة مالية بمليارات الدولارات باسم “محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار”، ووضع على رأس إدارتها مدير مكتبه بشير صالح. تم التصرف باستثمار أموالها في دول أفريقية لكسب موالاة حكامها المرتشين الذين كانوا يتلقون أموالاً بالملايين لحسابهم الشخصي. ووصل الأمر بالقذافي أثناء رحلته بالبر عبر عدة دول أفريقية أن يظهر في بث للتلفزيون الليبي وهو يخرج من فتحة السقف في سيارة الليموزين الفاخرة، ويباشر برمي أوراق الدولار الخضراء في اتجاه جماهير المصطفين على جانبي الطريق لاستقباله بأعداد كبيرة.

كان هذا الحال بوجود حاكم مطلق واحد، فأي مصير ينتظر تركة الاستثمارات الليبية في وجود ألف أمير حرب وأمير!!!